صفحة جزء
فصل

وقوله - صلى الله عليه وسلم - " فله سلبه " دليل على أن له سلبه كله غير مخمس ، وقد صرح بهذا في قوله لسلمة بن الأكوع لما قتل قتيلا : ( له سلبه أجمع ) .

وفي المسألة ثلاثة مذاهب هذا أحدها .

والثاني : أنه يخمس كالغنيمة ، وهذا قول الأوزاعي وأهل الشام ، وهو مذهب ابن عباس لدخوله في آية الغنيمة .

والثالث : أن الإمام إن استكثره خمسه ، وإن استقله لم يخمسه ، وهو قول إسحاق ، وفعله عمر بن الخطاب ، فروى سعيد في " سننه " عن ابن سيرين ، أن البراء بن مالك بارز مرزبان المرازبة بالبحرين فطعنه ، فدق صلبه ، وأخذ سواريه وسلبه ، فلما صلى عمر الظهر أتى البراء في داره ، فقال : ( إنا كنا لا نخمس السلب ، وإن سلب البراء قد بلغ مالا ، وأنا خامسه ) ، فكان أول سلب خمس في الإسلام سلب البراء وبلغ ثلاثين ألفا .

والأول أصح ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 433 ] ( لم يخمس السلب ) ، وقال : هو له أجمع ، ومضت على ذلك سنته وسنة الصديق بعده ، وما رآه عمر اجتهاد منه أداه إليه رأيه .

والحديث يدل على أنه من أصل الغنيمة ، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى به للقاتل ، ولم ينظر في قيمته وقدره واعتبار خروجه من خمس الخمس ، وقال مالك : هو من خمس الخمس ، ويدل على أنه يستحقه من يسهم له ، ومن لا يسهم له ، من صبي وامرأة وعبد ومشرك ، وقال الشافعي في أحد قوليه : لا يستحق السلب إلا من يستحق السهم ؛ لأن السهم المجمع عليه إذا لم يستحقه العبد والصبي والمرأة والمشرك ، فالسلب أولى ، والأول أصح للعموم ، ولأنه جار مجرى قول الإمام : من فعل كذا وكذا ، أو دل على حصن ، أو جاء برأس فله كذا مما فيه تحريض على الجهاد ، والسهم مستحق بالحضور ، وإن لم يكن منه فعل ، والسلب مستحق بالفعل ، فجرى مجرى الجعالة .

التالي السابق


الخدمات العلمية