صفحة جزء
فصل

في غزوة الطائف

في شوال سنة ثمان ، قال ابن سعد : قالوا : ولما أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسير إلى الطائف ، بعث الطفيل بن عمرو إلى ذي الكفين صنم عمرو بن حممة الدوسي يهدمه ، وأمره أن يستمد قومه ويوافيه بالطائف ، فخرج سريعا إلى قومه ، فهدم ذا الكفين ، وجعل يحش النار في وجهه ويحرقه ويقول : [ ص: 434 ]

يا ذا الكفين لست من عبادكا ميلادنا أقدم من ميلادكا     إني حششت النار في فؤادكا

وانحدر معه من قومه أربعمائة سراعا ، فوافوا النبي - صلى الله عليه وسلم - بالطائف بعد مقدمه بأربعة أيام ، وقدم بدبابة ومنجنيق .

قال ابن سعد : ولما خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حنين يريد الطائف ، قدم خالد بن الوليد على مقدمته ، وكانت ثقيف قد رموا حصنهم ، وأدخلوا فيه ما يصلح لهم لسنة ، فلما انهزموا من أوطاس ، دخلوا حصنهم وأغلقوه عليهم وتهيئوا للقتال

وسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنزل قريبا من حصن الطائف ، وعسكر هناك ، فرموا المسلمين بالنبل رميا شديدا ، كأنه رجل جراد ، حتى أصيب ناس من المسلمين بجراحة ، وقتل منهم اثنا عشر رجلا ، فارتفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى موضع مسجد الطائف اليوم ، وكان معه من نسائه أم سلمة وزينب ، فضرب لهما قبتين ، وكان يصلي بين القبتين مدة حصار الطائف ، فحاصرهم ثمانية عشر يوما ، وقال ابن إسحاق : بضعا وعشرين ليلة .

ونصب عليهم المنجنيق ، وهو أول ما رمي به في الإسلام .

وقال ابن سعد : حدثنا قبيصة ، حدثنا سفيان ، عن ثور بن يزيد ، عن مكحول ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ( نصب المنجنيق على أهل الطائف أربعين يوما )

[ ص: 435 ] قال ابن إسحاق : حتى إذا كان يوم الشدخة عند جدار الطائف ، دخل نفر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحت دبابة ، ثم دخلوا بها إلى جدار الطائف ليحرقوه ، فأرسلت عليهم ثقيف سكك الحديد محماة بالنار ، فخرجوا من تحتها ، فرمتهم ثقيف بالنبل ، فقتلوا منهم رجالا ، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقطع أعناب ثقيف ، فوقع الناس فيها يقطعون .

قال ابن سعد : فسألوه أن يدعها لله وللرحم ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " فإني أدعها لله وللرحم " فنادى منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أيما عبد نزل من الحصن وخرج إلينا فهو حر ، فخرج منهم بضعة عشر رجلا ، منهم أبو بكرة ، فأعتقهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ودفع كل رجل منهم إلى رجل من المسلمين يمونه ، فشق ذلك على أهل الطائف مشقة شديدة .

ولم يؤذن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في فتح الطائف ، واستشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نوفل بن معاوية الديلي ، فقال : ما ترى ؟ فقال ثعلب : في جحر إن أقمت عليه أخذته ، وإن تركته لم يضرك .

فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمر بن الخطاب ، فأذن في الناس بالرحيل ، فضج الناس من ذلك وقالوا : نرحل ولم يفتح علينا الطائف ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( فاغدوا على القتال ) ، فغدوا ، فأصابت المسلمين جراحات ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( إنا قافلون غدا إن شاء الله ) فسروا بذلك وأذعنوا ، وجعلوا يرحلون ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضحك ، فلما ارتحلوا واستقلوا ، قال قولوا : ( آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون ) ، وقيل يا رسول الله ادع الله على ثقيف . فقال : ( اللهم اهد ثقيفا وائت بهم ) [ ص: 436 ] واستشهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالطائف جماعة ، ثم خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الطائف إلى الجعرانة ، ثم دخل منها محرما بعمرة فقضى عمرته ، ثم رجع إلى المدينة .

التالي السابق


الخدمات العلمية