صفحة جزء
[ ص: 228 ] فصل

وقد اختلف الناس في القيام والسجود أيهما أفضل ؟ فرجحت طائفة القيام لوجوه .

أحدها : أن ذكره أفضل الأذكار ، فكان ركنه أفضل الأركان .

والثاني : قوله تعالى : ( وقوموا لله قانتين ) [ البقرة : 238 ] .

الثالث : قوله صلى الله عليه وسلم : ( أفضل الصلاة طول القنوت ) .

وقالت طائفة : السجود أفضل ، واحتجت بقوله صلى الله عليه وسلم : ( أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ) . وبحديث معدان بن أبي طلحة قال : لقيت ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : حدثني بحديث عسى الله أن ينفعني به ؟ فقال : " عليك بالسجود " فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( ما من عبد يسجد لله سجدة إلا رفع الله له بها درجة ، وحط عنه بها خطيئة ) قال معدان : ثم لقيت أبا الدرداء فسألته ، فقال لي مثل ذلك .

[ ص: 229 ] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لربيعة بن كعب الأسلمي وقد سأله مرافقته في الجنة : ( أعني على نفسك بكثرة السجود ) .

وأول سورة أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة ( اقرأ ) على الأصح ، وختمها بقوله : ( واسجد واقترب ) [ العلق : 19 ] .

وبأن السجود لله يقع من المخلوقات كلها علويها وسفليها ، وبأن الساجد أذل ما يكون لربه وأخضع له ، وذلك أشرف حالات العبد ، فلهذا كان أقرب ما يكون من ربه في هذه الحالة ، وبأن السجود هو سر العبودية ، فإن العبودية هي الذل والخضوع ، يقال : طريق معبد ، أي ذللته الأقدام ووطأته ، وأذل ما يكون العبد وأخضع إذا كان ساجدا .

وقالت طائفة : طول القيام بالليل أفضل ، وكثرة الركوع والسجود بالنهار أفضل ، واحتجت هذه الطائفة بأن صلاة الليل قد خصت باسم القيام لقوله تعالى : ( قم الليل ) [ المزمل : 1 ] ، وقوله صلى الله عليه وسلم ( من قام رمضان إيمانا واحتسابا ) ، ولهذا يقال : قيام الليل ، ولا يقال : قيام النهار ، قالوا : وهذا كان [ ص: 230 ] هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه ( ما زاد في الليل على إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة ركعة ) .

( وكان يصلي الركعة في بعض الليالي بالبقرة وآل عمران والنساء ) ، وأما بالنهار فلم يحفظ عنه شيء من ذلك ، بل كان يخفف السنن .

وقال شيخنا : الصواب أنهما سواء ، والقيام أفضل بذكره وهو القراءة ، والسجود أفضل بهيئته ، فهيئة السجود أفضل من هيئة القيام ، وذكر القيام أفضل من ذكر السجود ، وهكذا كان هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه كان إذا أطال القيام أطال الركوع والسجود ، كما فعل في صلاة الكسوف ، وفي صلاة الليل ، وكان إذا خفف القيام خفف الركوع والسجود ، وكذلك كان يفعل في الفرض ، كما قاله البراء بن عازب : ( كان قيامه وركوعه وسجوده واعتداله قريبا من السواء ) . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية