صفحة جزء
[ ص: 471 ] فصل

في بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى أكيدر دومة

قال ابن إسحاق : ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث خالد بن الوليد إلى أكيدر دومة ، وهو أكيدر بن عبد الملك ، رجل من كندة ، وكان نصرانيا ، وكان ملكا عليها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لخالد : ( إنك ستجده يصيد البقر ، فخرج خالد حتى إذا كان من حصنه بمنظر العين ، وفي ليلة مقمرة صافية وهو على سطح له ومعه امرأته ، فباتت البقر تحك بقرونها باب القصر ، فقالت له امرأته : هل رأيت مثل هذا قط ؟ قال : لا والله ، قالت : فمن يترك هذه ؟ قال : لا أحد ، فنزل فأمر بفرسه فأسرج له ، وركب معه نفر من أهل بيته فيهم أخ له يقال له حسان ، فركب وخرجوا معه بمطاردهم ، فلما خرجوا تلقتهم خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذته وقتلوا أخاه ، وقد كان عليه قباء من ديباج مخوص بالذهب ، فاستلبه خالد فبعث به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل قدومه عليه ، ثم إن خالدا قدم بأكيدر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فحقن له دمه وصالحه على الجزية ، ثم خلى سبيله فرجع إلى قريته )

وقال ابن سعد : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالدا في أربعمائة وعشرين فارسا ، فذكر نحو ما تقدم ، قال : وأجار خالد أكيدرا من القتل حتى يأتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يفتح له دومة الجندل ففعل ، وصالحه على ألفي بعير وثمانمائة رأس ، وأربعمائة درع ، وأربعمائة رمح ، فعزل للنبي صلى الله عليه وسلم صفيه خالصا ، ثم قسم الغنيمة فأخرج الخمس فكان للنبي صلى الله عليه وسلم ، ثم قسم ما بقي في أصحابه ، فصار لكل واحد منهم خمس فرائض

وذكر ابن عائذ في هذا الخبر ، أن أكيدرا قال عن البقر : والله ما رأيتها قط [ ص: 472 ] أتتنا إلا البارحة ، ولقد كنت أضمر لها اليومين والثلاثة ولكن قدر الله

قال موسى بن عقبة : واجتمع أكيدر ويحنة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاهما إلى الإسلام فأبيا وأقرا بالجزية ، فقاضاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم على قضية دومة ، وعلى تبوك ، وعلى أيلة ، وعلى تيماء ، وكتب لهما كتابا

رجعنا إلى قصة تبوك : قال ابن إسحاق : فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك بضع عشرة ليلة لم يجاوزها ، ثم انصرف قافلا إلى المدينة ، وكان في الطريق ماء يخرج من وشل يروي الراكب والراكبين والثلاثة ، بواد يقال له : وادي المشقق ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من سبقنا إلى ذلك الماء فلا يستقين منه شيئا حتى نأتيه ، قال : فسبقه إليه نفر من المنافقين فاستقوا ، فلم ير فيه شيئا ، فقال : من سبقنا إلى هذا الماء ؟ فقيل له : يا رسول الله فلان وفلان ، فقال : أولم أنههم أن يستقوا منه شيئا حتى آتيه ؟! ثم لعنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا عليهم ، ثم نزل فوضع يده تحت الوشل ، فجعل يصب في يده ما شاء الله أن يصب ، ثم نضحه به ومسحه بيده ، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما شاء الله أن يدعو به فانخرق من الماء - كما يقول من سمعه - ما إن له حسا كحس الصواعق ، فشرب الناس واستقوا حاجتهم منه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لئن بقيتم أو من بقي منكم ليسمعن بهذا الوادي وهو أخصب ما بين يديه وما خلفه )

قلت : ثبت في " صحيح مسلم " ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم : إنكم ستأتون غدا إن شاء الله عين تبوك ، وإنكم لن تأتوها حتى يضحي النهار ، فمن جاءها فلا يمس من مائها شيئا ) ، الحديث ، وقد تقدم

فإن كانت القصة واحدة فالمحفوظ حديث مسلم ، وإن كانت قصتين فهو ممكن

قال : وحدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي ، ( أن عبد الله بن مسعود كان يحدث قال : قمت من جوف الليل وأنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ، فرأيت شعلة من نار في ناحية العسكر ، فاتبعتها أنظر إليها ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 473 ] وأبو بكر وعمر ، وإذا عبد الله ذو البجادين المزني قد مات ، وإذا هم قد حفروا له ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرته ، وأبو بكر وعمر يدليانه إليه وهو يقول : أدنيا إلي أخاكما ، فدلياه إليه ، فلما هيأه لشقه قال : اللهم إني قد أمسيت راضيا عنه فارض عنه ، قال : يقول عبد الله بن مسعود : يا ليتني كنت صاحب الحفرة )

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مرجعه من غزوة تبوك : ( إن بالمدينة لأقواما ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم ، قالوا : يا رسول الله وهم بالمدينة ؟ قال : " نعم ، حبسهم العذر " )

التالي السابق


الخدمات العلمية