صفحة جزء
فصل

( وسلم صلى الله عليه وسلم من ركعتين في إحدى صلاتي العشي ، إما الظهر وإما العصر ، ثم تكلم ، ثم أتمها ، ثم سلم ، ثم سجد سجدتين بعد السلام والكلام ، يكبر حين يسجد ، ثم يكبر حين يرفع ) .

وذكر أبو داود والترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم ( صلى بهم فسجد سجدتين ، ثم تشهد ، ثم سلم ) . وقال الترمذي : حسن غريب .

[ ص: 280 ] ( وصلى يوما فسلم وانصرف ، وقد بقي من الصلاة ركعة ، فأدركه طلحة بن عبيد الله ، فقال : نسيت من الصلاة ركعة ، فرجع فدخل المسجد ، وأمر بلالا فأقام الصلاة ، فصلى للناس ركعة ) ذكره الإمام أحمد رحمه الله .

( وصلى الظهر خمسا ، فقيل له : زيد في الصلاة ؟ قال وما ذاك ؟ قالوا : صليت خمسا ، فسجد سجدتين بعدما سلم ) متفق عليه .

( وصلى العصر ثلاثا ، ثم دخل منزله فذكره الناس ، فخرج فصلى بهم ركعة ، ثم سلم ، ثم سجد سجدتين ، ثم سلم ) .

فهذا مجموع ما حفظ عنه صلى الله عليه وسلم من سهوه في الصلاة ، وهو خمسة مواضع ، وقد تضمن سجوده في بعضه قبل السلام ، وفي بعضه بعده .

فقال الشافعي رحمه الله : كله قبل السلام .

[ ص: 281 ] وقال أبو حنيفة رحمه الله : كله بعد السلام .

وقال مالك رحمه الله : كل سهو كان نقصانا في الصلاة فإن سجوده قبل السلام ، وكل سهو كان زيادة في الصلاة فإن سجوده بعد السلام ، وإذا اجتمع سهوان زيادة ونقصان فالسجود لهما قبل السلام .

قال أبو عمر بن عبد البر : هذا مذهبه لا خلاف عنه فيه ، ولو سجد أحد عنده لسهوه بخلاف ذلك ، فجعل السجود كله بعد السلام ، أو كله قبل السلام ، لم يكن عليه شيء ؛ لأنه عنده من باب قضاء القاضي باجتهاده ، لاختلاف الآثار المرفوعة والسلف من هذه الأمة في ذلك .

وأما الإمام أحمد رحمه الله فقال الأثرم : سمعت أحمد بن حنبل يسأل عن سجود السهو قبل السلام أم بعده ؟ فقال : في مواضع قبل السلام ، وفي مواضع بعده ، كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم حين سلم من اثنتين ، ثم سجد بعد السلام ، على حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين .

ومن سلم من ثلاث سجد أيضا بعد السلام ، على حديث عمران بن حصين . وفي التحري يسجد بعد السلام على حديث ابن مسعود ، وفي القيام من اثنتين يسجد قبل السلام على حديث ابن بحينة ، وفي الشك يبني على اليقين ويسجد قبل السلام ، على حديث أبي سعيد الخدري ، وحديث عبد الرحمن بن عوف .

[ ص: 282 ] قال الأثرم : فقلت لأحمد بن حنبل : فما كان سوى هذه المواضع ؟ قال يسجد فيها كلها قبل السلام لأنه يتم ما نقص من صلاته ، قال : ولولا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم لرأيت السجود كله قبل السلام ؛ لأنه من شأن الصلاة ، فيقضيه قبل السلام ولكن أقول : كل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سجد فيه بعد السلام ، فإنه يسجد فيه بعد السلام ، وسائر السهو يسجد فيه قبل السلام .

وقال داود بن علي : لا يسجد أحد للسهو إلا في الخمسة المواضع التي سجد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم . انتهى .

وأما الشك فلم يعرض له صلى الله عليه وسلم بل أمر فيه بالبناء على اليقين ، وإسقاط الشك ، والسجود قبل السلام . فقال الإمام أحمد : الشك على وجهين : اليقين ، والتحري فمن رجع إلى اليقين ألغى الشك ، وسجد سجدتي السهو قبل السلام على حديث أبي سعيد الخدري ، وإذا رجع إلى التحري وهو أكثر الوهم ، سجد سجدتي السهو بعد السلام على حديث ابن مسعود الذي يرويه منصور . انتهى .

وأما حديث أبي سعيد ، فهو ( إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى أثلاثا أم أربعا فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم ) .

وأما حديث ابن مسعود فهو ( إذا شك أحدكم في صلاته ، فليتحر الصواب ، ثم ليسجد سجدتين ) متفق عليهما . وفي لفظ "الصحيحين" : ( تم يسلم ثم يسجد سجدتين ) وهذا هو الذي قال الإمام أحمد ، وإذا رجع إلى التحري ، سجد بعد السلام .

والفرق عنده بين التحري واليقين ، أن المصلي إذا كان إماما بنى على غالب ظنه وأكثر وهمه ، وهذا هو التحري ، فيسجد له بعد السلام على حديث ابن مسعود ، وإن كان منفردا بنى على اليقين ، وسجد قبل السلام على حديث أبي سعيد ، وهذه طريقة أكثر أصحابه في تحصيل ظاهر مذهبه .

وعنه روايتان [ ص: 283 ] أخريان : إحداهما : أنه يبني على اليقين مطلقا ، وهو مذهب الشافعي ومالك ، والأخرى : على غالب ظنه مطلقا ، وظاهر نصوصه إنما يدل على الفرق بين الشك ، وبين الظن الغالب القوي ، فمع الشك يبني على اليقين ومع أكثر الوهم أو الظن الغالب يتحرى ، وعلى هذا مدار أجوبته . وعلى الحالين حمل الحديثين ، والله أعلم .

وقال أبو حنيفة رحمه الله في الشك : إذا كان أول ما عرض له ، استأنف الصلاة فإن عرض له كثيرا ، فإن كان له ظن غالب ، بنى عليه وإن لم يكن له ظن ، بنى على اليقين .

التالي السابق


الخدمات العلمية