[ ص: 298 ] فصل 
في 
هديه صلى الله عليه وسلم في السنن الرواتب 
كان صلى الله عليه وسلم يحافظ على عشر ركعات في الحضر دائما ، وهي التي قال فيها 
 nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر   : ( 
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000403حفظت من النبي صلى الله عليه وسلم عشر ركعات : ركعتين قبل الظهر ، وركعتين بعدها ، وركعتين بعد المغرب في بيته ، وركعتين بعد العشاء في بيته ، وركعتين قبل صلاة الصبح  ) . فهذه لم يكن يدعها في الحضر أبدا ، ولما 
فاتته الركعتان بعد الظهر ، قضاهما بعد العصر ، وداوم عليهما ، لأنه صلى الله عليه وسلم كان إذا عمل عملا أثبته ، 
وقضاء السنن الرواتب في أوقات النهي عام له ولأمته ، وأما المداومة على تلك الركعتين في وقت النهي ، فمختص به كما سيأتي تقرير ذلك في ذكر خصائصه إن شاء الله تعالى . 
وكان 
يصلي أحيانا قبل الظهر أربعا كما في "صحيح البخاري" عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة  رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم : ( 
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000404كان لا يدع أربعا قبل الظهر ، وركعتين قبل الغداة  ) . 
فإما أن يقال : إنه صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى في بيته صلى أربعا ، وإذا صلى في المسجد ، صلى ركعتين ، وهذا أظهر ، وإما أن يقال : كان يفعل هذا ، ويفعل هذا ، فحكى كل من 
 nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة   nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر  ما شاهده ، والحديثان صحيحان لا مطعن في واحد منهما . 
وقد يقال : إن هذه الأربع لم تكن سنة الظهر ، بل هي صلاة مستقلة كان  
[ ص: 299 ] يصليها بعد الزوال ، كما ذكره 
 nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=4814عبد الله بن السائب  ، 
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000405أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي أربعا بعد أن تزول الشمس ، وقال : ( إنها ساعة تفتح فيها أبواب السماء ، فأحب أن يصعد لي فيها عمل صالح ) 
وفي السنن أيضا عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة  رضي الله عنها ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( 
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000406كان إذا لم يصل أربعا قبل الظهر صلاهن بعدها  ) 
وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه   : ( 
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000407كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فاتته الأربع قبل الظهر ، صلاها بعد الركعتين بعد الظهر  ) . وفي 
 nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب  رضي الله عنه قال : ( 
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000408كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي أربعا قبل الظهر ، وبعدها ركعتين  ) . 
وذكر 
 nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه  أيضا عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة   : ( 
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000409كان رسول الله صلى الله عليه وسلم " يصلي أربعا قبل الظهر ، يطيل فيهن القيام ، ويحسن فيهن الركوع والسجود  ) فهذه - والله أعلم - هي الأربع التي أرادت 
 nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة  أنه كان لا يدعهن . 
وأما 
سنة الظهر ، فالركعتان اللتان قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر  ، يوضح ذلك أن سائر الصلوات سنتها ركعتان ركعتان ، 
والفجر مع كونها ركعتين ، والناس في وقتها أفرغ ما يكونون ، ومع هذا سنتها ركعتان ، وعلى هذا ، فتكون هذه الأربع التي قبل الظهر وردا مستقلا سببه انتصاف النهار وزوال الشمس . وكان 
 nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود  يصلي بعد الزوال ثمان ركعات ، ويقول : إنهن يعدلن بمثلهن من قيام الليل . وسر هذا-  
[ ص: 300 ] والله أعلم- أن انتصاف النهار مقابل لانتصاف الليل ، وأبواب السماء تفتح بعد زوال الشمس ، ويحصل النزول الإلهي بعد انتصاف الليل ، فهما وقتا قرب ورحمة ، هذا تفتح فيه أبواب السماء ، وهذا ينزل فيه الرب تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا . وقد روى 
 nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم  في "صحيحه" من حديث 
أم حبيبة  قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( 
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000410من صلى في يوم وليلة ثنتي عشرة ركعة ، بني له بهن بيت في الجنة  ) . وزاد 
 nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي   nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي  فيه : ( 
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000411أربعا قبل الظهر ، وركعتين بعدها ، وركعتين بعد المغرب ، وركعتين بعد العشاء ، وركعتين قبل صلاة الفجر  ) . قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي   : ( 
وركعتين قبل العصر  ) بدل ( 
وركعتين بعد العشاء  ) وصححه 
 nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي   . 
وذكر 
 nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه  عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة  ترفعه : ( 
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000414من ثابر على ثنتي عشرة ركعة من السنة ، بنى الله له بيتا في الجنة : أربعا قبل الظهر ، وركعتين بعدها ، وركعتين بعد المغرب ، وركعتين بعد العشاء ، وركعتين قبل الفجر  ) . وذكر أيضا عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه وقال : ( 
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000415ركعتين قبل الفجر ، وركعتين قبل الظهر ، وركعتين بعدها ، وركعتين أظنه قال : قبل العصر ، وركعتين بعد المغرب أظنه قال : وركعتين بعد العشاء الآخرة  ) 
وهذا التفسير يحتمل أن يكون من كلام  
[ ص: 301 ] بعض الرواة مدرجا في الحديث ، ويحتمل أن يكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعا ، والله أعلم . 
وأما 
الأربع قبل العصر ، فلم يصح عنه عليه السلام في فعلها شيء إلا حديث 
عاصم بن ضمرة  عن 
علي   . . . الحديث الطويل ، أنه صلى الله عليه وسلم ( 
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000416كان يصلي في النهار ست عشرة ركعة ، يصلي إذا كانت الشمس من هاهنا كهيئتها من هاهنا لصلاة الظهر أربع ركعات ، وكان يصلي قبل الظهر أربع ركعات ، وبعد الظهر ركعتين ، وقبل العصر أربع ركعات  ) . وفي لفظ : ( 
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000417كان إذا زالت الشمس من هاهنا كهيئتها من هاهنا عند العصر ، صلى ركعتين ، وإذا كانت الشمس من هاهنا كهيئتها من هاهنا عند الظهر ، صلى أربعا ، ويصلي قبل الظهر أربعا وبعدها ركعتين ، وقبل العصر أربعا ، ويفصل بين كل ركعتين بالتسليم على الملائكة المقربين ومن تبعهم من المؤمنين والمسلمين  ) 
وسمعت 
 nindex.php?page=showalam&ids=13027شيخ الإسلام ابن تيمية  ينكر هذا الحديث ويدفعه جدا ، ويقول : إنه موضوع . ويذكر عن 
أبي إسحاق الجوزجاني  إنكاره . وقد روى 
أحمد  ، 
وأبو داود  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي  من حديث 
 nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر  عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( 
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000418رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعا  ) . وقد اختلف في هذا الحديث ، فصححه 
 nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان  ، وعلله غيره ، قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم   : سمعت أبي يقول : سألت 
 nindex.php?page=showalam&ids=11928أبا الوليد الطيالسي  عن حديث 
محمد بن مسلم بن المثنى  عن أبيه عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ( 
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000418رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعا  ) . فقال : دع ذا . فقلت : إن 
أبا داود  قد رواه ، فقال : قال 
أبو الوليد   : كان 
 nindex.php?page=showalam&ids=12ابن  [ ص: 302 ] عمر  يقول : ( 
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000419حفظت عن النبي صلى الله عليه وسلم عشر ركعات في اليوم والليلة  ) . فلو كان هذا لعده . قال أبي : كان يقول : "حفظت ثنتي عشرة ركعة" . وهذا ليس بعلة أصلا ، فإن 
 nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر  إنما أخبر بما حفظه من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، لم يخبر عن غير ذلك ، فلا تنافي بين الحديثين البتة . 
وأما 
الركعتان قبل المغرب ، فإنه لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يصليهما ، وصح عنه أنه أقر أصحابه عليهما ، وكان يراهم يصلونهما ، فلم يأمرهم ولم ينههم ، وفي "الصحيحين" عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=16453عبد الله المزني  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( 
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000420صلوا قبل المغرب ، صلوا قبل المغرب  ) . قال في الثالثة ( 
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000421لمن شاء كراهة أن يتخذها الناس سنة  ) . 
وهذا هو الصواب في هاتين الركعتين ، أنهما مستحبتان مندوب إليهما ، وليستا بسنة راتبة كسائر السنن الرواتب . 
وكان يصلي عامة السنن ، والتطوع الذي لا سبب له في بيته ، لا سيما 
سنة المغرب ، فإنه لم ينقل عنه أنه فعلها في المسجد البتة . 
وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد  في رواية 
حنبل   : السنة أن 
يصلي الرجل الركعتين بعد المغرب في بيته ، كذا روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه . قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=256السائب بن يزيد   : لقد رأيت الناس في زمن 
 nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب  ، إذا انصرفوا من المغرب ، انصرفوا جميعا حتى لا يبقى في المسجد أحد ، كأنهم لا يصلون بعد المغرب حتى يصيروا إلى  
[ ص: 303 ] أهليهم  . انتهى كلامه . 
فإن صلى الركعتين في المسجد ، فهل يجزئ عنه ، وتقع موقعها؟ اختلف قوله ، فروى عنه ابنه 
عبد الله  أنه قال : بلغني عن رجل سماه أنه قال : لو أن رجلا صلى الركعتين بعد المغرب في المسجد ما أجزأه . فقال : ما أحسن ما قال هذا الرجل ، وما أجود ما انتزع . قال 
أبو حفص   : ووجهه أمر النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الصلاة في البيوت . 
وقال 
المروزي   : من 
صلى ركعتين بعد المغرب في المسجد يكون عاصيا ، قال : ما أعرف هذا ، قلت له : يحكى عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11956أبي ثور  أنه قال : هو عاص . قال : لعله ذهب إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( 
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000422اجعلوها في بيوتكم  ) قال 
أبو حفص   : ووجهه أنه لو صلى الفرض في البيت ، وترك المسجد أجزأه ، فكذلك السنة . انتهى كلامه . وليس هذا وجهه عند 
أحمد  رحمه الله ، وإنما وجهه أن 
السنن لا يشترط لها مكان معين ، ولا جماعة ، فيجوز فعلها في البيت والمسجد ، والله أعلم . 
وفي سنة المغرب سنتان ، إحداهما : أنه لا يفصل بينها وبين المغرب بكلام ، قال 
أحمد  رحمه الله في رواية 
الميموني  والمروزي   : يستحب ألا يكون قبل الركعتين بعد المغرب إلى أن يصليهما كلام . 
وقال 
الحسن بن محمد   : رأيت 
أحمد  إذا سلم من صلاة المغرب ، قام ولم يتكلم ، ولم يركع في المسجد قبل أن يدخل الدار ، قال 
أبو حفص   : ووجهه قول 
مكحول   : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( 
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000423من صلى ركعتين بعد المغرب قبل أن يتكلم ، رفعت صلاته في عليين  )  
[ ص: 304 ] ولأنه يتصل النفل بالفرض ، انتهى كلامه . 
والسنة الثانية : أن تفعل في البيت ، فقد روى 
 nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي  ، 
وأبو داود  ، 
 nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي  من حديث 
 nindex.php?page=showalam&ids=167كعب بن عجرة  ، 
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000424أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى مسجد بني عبد الأشهل  ، فصلى فيه المغرب ، فلما قضوا صلاتهم رآهم يسبحون بعدها . فقال : ( هذه صلاة البيوت )  . ورواه 
 nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه  من حديث 
 nindex.php?page=showalam&ids=46رافع بن خديج  ، وقال فيها : ( 
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000425اركعوا هاتين الركعتين في بيوتكم  ) 
والمقصود ، أن 
هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، فعل عامة السنن والتطوع في بيته  . كما في الصحيح عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر   : ( 
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000426حفظت عن النبي صلى الله عليه وسلم عشر ركعات : ركعتين قبل الظهر ، وركعتين بعدها ، وركعتين بعد المغرب في بيته ، وركعتين بعد العشاء في بيته ، وركعتين قبل صلاة الصبح  ) 
وفي "صحيح 
 nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم   " عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة  رضي الله عنها قالت : ( 
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000427كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في بيتي أربعا قبل الظهر ، ثم يخرج فيصلي بالناس ، ثم يدخل فيصلي ركعتين ، وكان يصلي بالناس المغرب ، ثم يدخل فيصلي ركعتين ، ويصلي بالناس العشاء ، ثم يدخل بيتي فيصلي ركعتين  ) . وكذلك المحفوظ عنه في  
[ ص: 305 ] سنة الفجر ، إنما كان يصليها في بيته كما قالت 
حفصة   . وفي " الصحيحين" عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر  ، أنه صلى الله عليه وسلم ( 
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000428كان يصلي ركعتين بعد الجمعة في بيته  ) . وسيأتي الكلام على ذكر سنة الجمعة بعدها والصلاة قبلها ، عند ذكر هديه في الجمعة إن شاء الله تعالى ، وهو موافق لقوله صلى الله عليه وسلم : ( 
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000429أيها الناس صلوا في بيوتكم ، فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة  ) . وكان هدي النبي صلى الله عليه وسلم فعل السنن ، والتطوع في البيت إلا لعارض ، كما أن هديه كان 
فعل الفرائض في المسجد إلا لعارض من سفر ، أو مرض ، أو غيره مما يمنعه من المسجد ، وكان تعاهده ومحافظته على سنة الفجر أشد من جميع النوافل ، ولذلك لم يكن يدعها هي والوتر سفرا وحضرا ، 
وكان في السفر يواظب على سنة الفجر والوتر أشد من جميع النوافل دون سائر السنن ، ولم ينقل عنه في السفر أنه صلى الله عليه وسلم صلى سنة راتبة غيرهما ، ولذلك كان 
 nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر  لا يزيد على ركعتين ويقول : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000430سافرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومع أبي بكر  ، وعمر  رضي الله عنهما ، فكانوا لا يزيدون في السفر على ركعتين ، وهذا وإن احتمل أنهم لم يكونوا يربعون ، إلا أنهم لم يصلوا السنة ، لكن قد ثبت عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر  أنه سئل عن سنة الظهر في السفر ، فقال : ( لو كنت مسبحا لأتممت ) وهذا من فقهه رضي الله عنه ، فإن الله سبحانه وتعالى خفف عن المسافر في الرباعية شطرها ،  
[ ص: 306 ] فلو شرع له الركعتان قبلها أو بعدها ، لكان الإتمام أولى به . 
وقد اختلف الفقهاء : أي الصلاتين آكد سنة الفجر أو الوتر؟ على قولين : ولا يمكن الترجيح باختلاف الفقهاء في 
وجوب الوتر ، فقد اختلفوا أيضا في 
وجوب سنة الفجر ، وسمعت 
 nindex.php?page=showalam&ids=13027شيخ الإسلام ابن تيمية  يقول : سنة الفجر تجري مجرى بداية العمل ، والوتر خاتمته . ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم 
يصلي سنة الفجر والوتر بسورتي الإخلاص وهما الجامعتان لتوحيد العلم والعمل ، وتوحيد المعرفة والإرادة ، وتوحيد الاعتقاد والقصد ، انتهى . 
فسورة ( 
قل هو الله أحد  ) : متضمنة لتوحيد الاعتقاد والمعرفة ، وما يجب إثباته للرب تعالى من الأحدية المنافية لمطلق المشاركة بوجه من الوجوه ، والصمدية المثبتة له جميع صفات الكمال التي لا يلحقها نقص بوجه من الوجوه ، ونفي الولد والوالد الذي هو من لوازم الصمدية ، وغناه وأحديته ، ونفي الكفء المتضمن لنفي التشبيه والتمثيل والتنظير ، فتضمنت هذه السورة إثبات كل كمال له ، ونفي كل نقص عنه ، ونفي إثبات شبيه أو مثيل له في كماله ، ونفي مطلق الشريك عنه ، وهذه الأصول هي مجامع التوحيد العلمي الاعتقادي الذي يباين صاحبه جميع فرق الضلال والشرك ، ولذلك كانت تعدل ثلث القرآن ، فإن القرآن مداره على الخبر والإنشاء ، والإنشاء ثلاثة : أمر ، ونهي ، وإباحة . 
والخبر نوعان : خبر عن الخالق تعالى وأسمائه وصفاته وأحكامه ، وخبر عن خلقه . فأخلصت سورة ( 
قل هو الله أحد  ) الخبر عنه ، وعن أسمائه ، وصفاته ، فعدلت ثلث القرآن ، وخلصت قارئها المؤمن بها من الشرك العلمي ، كما خلصت سورة ( 
قل ياأيها الكافرون  ) من الشرك العملي الإرادي القصدي . ولما كان العلم قبل العمل وهو إمامه وقائده وسائقه ، والحاكم عليه ومنزله منازله ، كانت 
سورة ( قل هو الله أحد  ) تعدل ثلث القرآن  . 
والأحاديث بذلك تكاد تبلغ مبلغ التواتر ، و 
 ( قل ياأيها الكافرون  ) تعدل ربع القرآن ، والحديث بذلك في 
 nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي  من رواية 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  رضي الله  
[ ص: 307 ] عنهما يرفعه 
nindex.php?page=hadith&LINKID=16000431 ( إذا زلزلت  ) تعدل نصف القرآن و ( قل هو الله أحد  ) تعدل ثلث القرآن ، و ( قل ياأيها الكافرون  ) ، تعدل ربع القرآن  " . رواه 
الحاكم  في "المستدرك" وقال : صحيح الإسناد . 
ولما كان الشرك العملي الإرادي أغلب على النفوس لأجل متابعتها هواها ، وكثير منها ترتكبه مع علمها بمضرته وبطلانه ، لما لها فيه من نيل الأغراض ، وإزالته وقلعه منها أصعب ، وأشد من قلع الشرك العلمي وإزالته ، لأن هذا يزول بالعلم والحجة ، ولا يمكن صاحبه أن يعلم الشيء على غير ما هو عليه ، بخلاف شرك الإرادة والقصد ، فإن صاحبه يرتكب ما يدله العلم على بطلانه وضرره لأجل غلبة هواه ، واستيلاء سلطان الشهوة والغضب على نفسه ، فجاء من التأكيد والتكرار في سورة ( 
قل ياأيها الكافرون  ) المتضمنة لإزالة الشرك العملي ، ما لم يجئ مثله في سورة ( 
قل هو الله أحد  ) ، ولما كان القرآن شطرين : شطرا في الدنيا وأحكامها ، ومتعلقاتها ، والأمور الواقعة فيها من أفعال المكلفين وغيرها ، وشطرا في الآخرة وما يقع فيها ، وكانت سورة ( 
إذا زلزلت  ) قد أخلصت من أولها وآخرها لهذا الشطر ، فلم يذكر فيها إلا الآخرة وما يكون فيها من أحوال الأرض وسكانها ، كانت تعدل نصف القرآن ، فأحرى بهذا الحديث أن يكون صحيحا - والله أعلم - ولهذا كان يقرأ بهاتين السورتين في ركعتي الطواف  
[ ص: 308 ] ولأنهما سورتا الإخلاص والتوحيد ، كان يفتتح بهما عمل النهار ، ويختمه بهما ، ويقرأ بهما في الحج الذي هو شعار التوحيد .