صفحة جزء
فصل

في تدبيره لأمر الملبس

وكان من أتم الهدي ، وأنفعه للبدن ، وأخفه عليه ، وأيسره لبسا وخلعا ، وكان أكثر لبسه الأردية والأزر ، وهي أخف على البدن من غيرها ، وكان يلبس القميص ، بل كان أحب الثياب إليه . وكان هديه في لبسه لما يلبسه أنفع شيء للبدن ، فإنه لم يكن يطيل أكمامه ويوسعها ، بل كانت كم قميصه إلى الرسغ لا [ ص: 218 ] يجاوز اليد فتشق على لابسها ، وتمنعه خفة الحركة والبطش ، ولا تقصر عن هذه فتبرز للحر والبرد ، وكان ذيل قميصه وإزاره إلى أنصاف الساقين لم يتجاوز الكعبين ، فيؤذي الماشي ويؤوده ، ويجعله كالمقيد ، ولم يقصر عن عضلة ساقيه ، فتنكشف ويتأذى بالحر والبرد ، ولم تكن عمامته بالكبيرة التي تؤذي الرأس حملها ، ويضعفه ويجعله عرضة للضعف والآفات ، كما يشاهد من حال أصحابها ، ولا بالصغيرة التي تقصر عن وقاية الرأس من الحر والبرد ، بل وسطا بين ذلك ، وكان يدخلها تحت حنكه ، وفي ذلك فوائد عديدة : فإنها تقي العنق الحر والبرد ، وهو أثبت لها ، ولا سيما عند ركوب الخيل والإبل ، والكر والفر ، وكثير من الناس اتخذ الكلاليب عوضا عن الحنك ، ويا بعد ما بينهما في النفع والزينة ، وأنت إذا تأملت هذه اللبسة وجدتها من أنفع اللبسات وأبلغها في حفظ صحة البدن وقوته ، وأبعدها من التكلف والمشقة على البدن .

وكان يلبس الخفاف في السفر دائما ، أو أغلب أحواله لحاجة الرجلين إلى ما يقيهما من الحر والبرد ، وفي الحضر أحيانا .

وكان أحب ألوان الثياب إليه البياض والحبرة ، وهي البرود المحبرة ، ولم يكن من هديه لبس الأحمر ، ولا الأسود ، ولا المصبغ ، ولا المصقول . وأما الحلة الحمراء التي لبسها فهي الرداء اليماني الذي فيه سواد وحمرة وبياض ، كالحلة الخضراء ، فقد لبس هذه وهذه ، وقد تقدم تقرير ذلك ، وتغليط من زعم أنه لبس الأحمر القاني بما فيه كفاية .

التالي السابق


الخدمات العلمية