صفحة جزء
فصل

في هديه صلى الله عليه وسلم في صلاة الضحى

روى البخاري في "صحيحه" عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : ( ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي سبحة الضحى ، وإني لأسبحها ) وروى أيضا من حديث [ ص: 331 ] مورق العجلي : ( قلت لابن عمر : أتصلي الضحى؟ قال : لا ، قلت : فعمر؟ قال : لا ، قلت : فأبو بكر؟ قال : لا . قلت : فالنبي صلى الله عليه وسلم؟ قال : لا . إخاله )

وذكر عن ابن أبي ليلى قال : ما حدثنا أحد أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى غير أم هانئ ، فإنها قالت : إن النبي صلى الله عليه وسلم ( دخل بيتها يوم فتح مكة ، فاغتسل ، وصلى ثمان ركعات ، فلم أر صلاة قط أخف منها ، غير أنه يتم الركوع والسجود )

وفي "صحيح مسلم " ، عن عبد الله بن شقيق قال : ( سألت عائشة هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى؟ قالت : لا ، إلا أن يجيء من مغيبه .

قلت : هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرن بين السور؟ قالت : من المفصل
)

وفي "صحيح مسلم " عن عائشة ، قالت : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى أربعا ، ويزيد ما شاء الله ) وفي "الصحيحين" عن أم هانئ ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( صلى يوم الفتح ثمان ركعات وذلك ضحى ) .

وقال الحاكم في "المستدرك" : حدثنا الأصم ، حدثنا الصغاني ، حدثنا ابن [ ص: 332 ] أبي مريم ، حدثنا بكر بن مضر ، حدثنا عمرو بن الحارث ، عن بكر بن الأشج ، عن الضحاك بن عبد الله ، عن أنس رضي الله عنه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في سفر سبحة الضحى ، صلى ثمان ركعات ، فلما انصرف ، قال : ( إني صليت صلاة رغبة ورهبة ، فسألت ربي ثلاثا ، فأعطاني اثنتين ، ومنعني واحدة ، سألته ألا يقتل أمتي بالسنين ففعل ، وسألته ألا يظهر عليهم عدوا ، ففعل ، وسألته أن لا يلبسهم شيعا فأبى علي ) قال الحاكم : صحيح . قلت : الضحاك بن عبد الله هذا ينظر من هو وما حاله؟

وقال الحاكم في كتاب "فضل الضحى" : حدثنا أبو بكر الفقيه ، أخبرنا بشر بن يحيى ، حدثنا محمد بن صالح الدولابي ، حدثنا خالد بن عبد الله بن الحصين ، عن هلال بن يساف ، عن زاذان ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الضحى ، ثم قال : ( اللهم اغفر لي ، وارحمني ، وتب علي إنك أنت التواب الرحيم الغفور ) حتى قالها مائة مرة

حدثنا أبو العباس الأصم ، حدثنا أسد بن عاصم ، حدثنا الحصين بن حفص ، عن سفيان ، عن عمر بن ذر ، عن مجاهد ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ( صلى الضحى ركعتين ، وأربعا ، وستا وثمانيا )

وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم ، حدثنا عثمان بن عبد الملك العمري ، حدثتنا عائشة بنت سعد ، عن أم ذرة ، قالت : رأيت عائشة رضي الله عنها تصلي الضحى وتقول : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلا أربع [ ص: 333 ] ركعات .

وقال الحاكم أيضا : أخبرنا أبو أحمد بكر بن محمد المروزي ، حدثنا أبو قلابة ، حدثنا أبو الوليد ، حدثنا أبو عوانة ، عن حصين بن عبد الرحمن ، عن عمرو بن مرة ، عن عمارة بن عمير ، عن ابن جبير بن مطعم ، عن أبيه أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة الضحى .

قال الحاكم أيضا : حدثنا إسماعيل بن محمد ، حدثنا محمد بن عدي بن كامل ، حدثنا وهب بن بقية الواسطي ، حدثنا خالد بن عبد الله ، عن محمد بن قيس ، عن جابر بن عبد الله ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ( صلى الضحى ست ركعات ) .

ثم روى الحاكم عن إسحاق بن بشير المحاملي ، حدثنا عيسى بن موسى ، عن جابر عن عمر بن صبح ، عن مقاتل بن حيان ، عن مسلم بن صبيح ، عن مسروق ، عن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما ، قالتا : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة الضحى ثنتي عشرة ركعة ) وذكر حديثا طويلا .

وقال الحاكم : أخبرنا أبو أحمد بن محمد الصيرفي ، حدثنا أبو قلابة الرقاشي ، حدثنا أبو الوليد ، حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن عاصم بن ضمرة ، [ ص: 334 ] عن علي رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ، ( كان يصلي الضحى ) .

وبه إلى أبي الوليد . حدثنا أبو عوانة ، عن حصين بن عبد الرحمن ، عن عمرو بن مرة ، عن عمارة بن عمير العبدي ، عن ابن جبير بن مطعم ، عن أبيه ، أنه ( رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى ) .

قال الحاكم : وفي الباب عن أبي سعيد الخدري ، وأبي ذر الغفاري ، وزيد بن أرقم ، وأبي هريرة ، وبريدة الأسلمي ، وأبي الدرداء ، وعبد الله بن أبي أوفى ، وعتبان بن مالك ، وأنس بن مالك ، وعتبة بن عبد الله السلمي ، ونعيم بن همار الغطفاني ، وأبي أمامة الباهلي رضي الله عنهم ، ومن النساء : عائشة بنت أبي بكر ، وأم هانئ ، وأم سلمة رضي الله عنهن ، كلهم شهدوا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصليها .

وذكر الطبراني من حديث علي ، وأنس ، وعائشة ، وجابر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ( كان يصلي الضحى ست ركعات )

فاختلف الناس في هذه الأحاديث على طرق ، منهم من رجح رواية الفعل على الترك بأنها مثبتة تتضمن زيادة علم خفيت على النافي . قالوا : وقد يجوز أن يذهب علم مثل هذا على كثير من الناس ، ويوجد عند الأقل . قالوا : [ ص: 335 ] وقد أخبرت عائشة ، وأنس ، وجابر ، وأم هانئ ، وعلي بن أبي طالب ، أنه صلاها . قالوا : ويؤيد هذا الأحاديث الصحيحة المتضمنة للوصية بها ، والمحافظة عليها ، ومدح فاعلها ، والثناء عليه ، ففي "الصحيحين" عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ( أوصاني خليلي محمد صلى الله عليه وسلم بصيام ثلاثة أيام من كل شهر ، وركعتي الضحى ، وأن أوتر قبل أن أنام ) .

وفي "صحيح مسلم " نحوه عن أبي الدرداء .

وفي "صحيح مسلم " عن أبي ذر يرفعه ، قال ( يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة ، فكل تسبيحة صدقة ، وكل تحميدة صدقة ، وكل تهليلة صدقة ، وكل تكبيرة صدقة ، وأمر بالمعروف صدقة ، ونهي عن المنكر صدقة ، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى ) .

وفي "مسند الإمام أحمد " ، عن معاذ بن أنس الجهني ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من قعد في مصلاه حين ينصرف من صلاة الصبح حتى يسبح ركعتي الضحى لا يقول إلا خيرا ، غفر الله له خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر )

وفي الترمذي ، و "سنن ابن ماجه " عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من حافظ على سبحة الضحى ، غفر له ذنوبه وإن كانت [ ص: 336 ] مثل زبد البحر )

وفي "المسند" والسنن ، عن نعيم بن همار قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( قال الله عز وجل : يا ابن آدم لا تعجزن عن أربع ركعات في أول النهار أكفك آخره ) ورواه الترمذي من حديث أبي الدرداء ، وأبي ذر .

وفي "جامع الترمذي " و "سنن ابن ماجه " ، عن أنس مرفوعا ( من صلى الضحى ثنتي عشرة ركعة ، بنى الله له قصرا من ذهب في الجنة ) .

وفي "صحيح مسلم " ، عن زيد بن أرقم أنه رأى قوما يصلون من الضحى في مسجد قباء ، فقال : أما لقد علموا أن الصلاة في غير هذه الساعة أفضل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( صلاة الأوابين حين ترمض الفصال ) .

وقوله : ترمض الفصال أي : يشتد حر النهار ، فتجد الفصال حرارة الرمضاء . وفي "الصحيح" أن النبي صلى الله عليه وسلم ( صلى الضحى في بيت عتبان بن مالك [ ص: 337 ] ركعتين ) .

وفي "مستدرك" الحاكم من حديث خالد بن عبد الله الواسطي ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يحافظ على صلاة الضحى إلا أواب ) وقال : "هذا إسناد قد احتج بمثله مسلم بن الحجاج ، وأنه حدث عن شيوخه ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ( ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي يتغنى بالقرآن ) قال : ولعل قائلا يقول : قد أرسله حماد بن سلمة ، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي ، عن محمد بن عمرو ، فيقال له : خالد بن عبد الله ثقة ، والزيادة من الثقة مقبولة .

ثم روى الحاكم : حدثنا عبدان بن يزيد ، حدثنا محمد بن المغيرة السكري ، حدثنا القاسم بن الحكم العرني ، حدثنا سليمان بن داود اليمامي ، حدثنا يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن للجنة بابا يقال له باب الضحى ، فإذا كان يوم القيامة نادى مناد : أين الذين كانوا يداومون على صلاة الضحى ، هذا بابكم ، فادخلوه برحمة الله" .

[ ص: 338 ] وقال الترمذي في "الجامع" : حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء ، حدثنا يونس بن بكير ، عن محمد بن إسحاق ، قال : حدثني موسى بن فلان ، عن عمه ثمامة بن أنس بن مالك ، عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من صلى الضحى ثنتي عشرة ركعة ، بنى الله له قصرا من ذهب في الجنة )

قال الترمذي : حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه . وكان أحمد يرى أصح شيء في هذا الباب حديث أم هانئ . قلت : وموسى ابن فلان هذا ، هو موسى بن عبد الله بن المثنى بن أنس بن مالك .

وفي "جامعه" أيضا من حديث عطية العوفي ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى حتى نقول : لا يدعها ، ويدعها حتى نقول : لا يصليها ) قال : هذا حديث حسن غريب .

وقال الإمام أحمد في "مسنده" : حدثنا أبو اليمان ، حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن يحيى بن الحارث الذماري ، عن القاسم ، عن أبي أمامة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ( من مشى إلى صلاة مكتوبة وهو متطهر ، كان له كأجر الحاج المحرم ، ومن مشى إلى سبحة الضحى كان له كأجر المعتمر ، وصلاة على إثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين ) قال أبو أمامة : ( الغدو والرواح إلى هذه المساجد من الجهاد في سبيل الله عز وجل )

[ ص: 339 ] وقال الحاكم : حدثنا أبو العباس ، حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني ، حدثنا أبو المورع محاضر بن المورع ، حدثنا الأحوص بن حكيم ، حدثني عبد الله بن عامر الألهاني ، عن منيب بن عيينة بن عبد الله السلمي ، عن أبي أمامة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول : ( من صلى الصبح في مسجد جماعة ، ثم ثبت فيه حتى الضحى ، ثم يصلي سبحة الضحى ، كان له كأجر حاج أو معتمر تام له حجته وعمرته ) .

وقال ابن أبي شيبة : حدثني حاتم بن إسماعيل ، عن حميد بن صخر ، عن المقبري ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : بعث النبي صلى الله عليه وسلم جيشا ، فأعظموا الغنيمة ، وأسرعوا الكرة . فقال رجل : يا رسول الله! ما رأينا بعثا قط أسرع كرة ولا أعظم غنيمة من هذا البعث ، فقال : ( ألا أخبركم بأسرع كرة ، وأعظم غنيمة : رجل توضأ في بيته فأحسن وضوءه ، ثم عمد إلى المسجد ، فصلى فيه صلاة الغداة ، ثم أعقب بصلاة الضحى ، فقد أسرع الكرة وأعظم الغنيمة ) .

وفي الباب أحاديث سوى هذه ، لكن هذه أمثلها . قال الحاكم : صحبت جماعة من أئمة الحديث الحفاظ الأثبات ، فوجدتهم يختارون هذا العدد ، يعني أربع ركعات ، ويصلون هذه الصلاة أربعا ، لتواتر الأخبار الصحيحة فيه [ ص: 340 ] وإليه أذهب ، وإليه أدعو اتباعا للأخبار المأثورة ، واقتداء بمشايخ الحديث فيه .

قال ابن جرير الطبري - وقد ذكر الأخبار المرفوعة في صلاة الضحى واختلاف عددها : وليس في هذه الأحاديث حديث يدفع صاحبه ، وذلك أن من حكى أنه صلى الضحى أربعا جائز أن يكون رآه في حال فعله ذلك ، ورآه غيره في حال أخرى صلى ركعتين ، ورآه آخر في حال أخرى صلاها ثمانيا ، وسمعه آخر يحث على أن يصلي ستا ، وآخر يحث على أن يصلي ركعتين ، وآخر على عشر ، وآخر على ثنتي عشرة ، فأخبر كل واحد منهم عما رأى وسمع .

قال : والدليل على صحة قولنا ، ما روي عن زيد بن أسلم قال : سمعت عبد الله بن عمر يقول لأبي ذر : أوصني يا عم ، قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتني ، فقال : ( من صلى الضحى ركعتين ، لم يكتب من الغافلين ، ومن صلى أربعا ، كتب من العابدين ، ومن صلى ستا ، لم يلحقه ذلك اليوم ذنب ، ومن صلى ثمانيا ، كتب من القانتين ، ومن صلى عشرا بنى الله له بيتا في الجنة )

وقال مجاهد : ( صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما الضحى ركعتين ، ثم يوما أربعا ، ثم يوما ستا ، ثم يوما ثمانيا ثم ترك ) فأبان هذا الخبر عن صحة ما قلنا من احتمال خبر كل مخبر ممن تقدم أن يكون إخباره لما أخبر عنه في صلاة الضحى على قدر ما شاهده وعاينه .

[ ص: 341 ] والصواب : إذا كان الأمر كذلك : أن يصليها من أراد على ما شاء من العدد . وقد روي هذا عن قوم من السلف : حدثنا ابن حميد ، حدثنا جرير ، عن إبراهيم ، سأل رجل الأسود ، كم أصلي الضحى؟ قال : كم شئت .

وطائفة ثانية ، ذهبت إلى أحاديث الترك ، ورجحتها من جهة صحة إسنادها ، وعمل الصحابة بموجبها ، فروى البخاري عن ابن عمر ، أنه لم يكن يصليها ، ولا أبو بكر ، ولا عمر . قلت : فالنبي صلى الله عليه وسلم ؛ قال : لا إخاله . وقال وكيع : حدثنا سفيان الثوري ، عن عاصم بن كليب ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال : ( ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الضحى إلا يوما واحدا ) .

وقال علي بن المديني : حدثنا معاذ بن معاذ ، حدثنا شعبة ، حدثنا فضيل بن فضالة ، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة ، قال : رأى أبو بكرة ناسا يصلون الضحى ، قال : ( إنكم لتصلون صلاة ما صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عامة أصحابه )

وفي "الموطأ" : عن مالك ، عن ابن شهاب ، عن عروة ، عن عائشة قالت : ( ما سبح رسول الله صلى الله عليه وسلم سبحة الضحى قط ، وإني لأسبحها ، وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس ، فيفرض عليهم ) .

وقال أبو الحسن علي بن بطال : فأخذ قوم من السلف بحديث عائشة ، ولم يروا صلاة الضحى ، وقال قوم : إنها بدعة ، روى الشعبي ، عن قيس بن عبيد ، قال كنت أختلف إلى ابن مسعود السنة كلها ، فما رأيته مصليا [ ص: 342 ] الضحى . وروى شعبة ، عن سعد بن إبراهيم ، عن أبيه أن ( عبد الرحمن بن عوف ، كان لا يصلي الضحى ) وعن مجاهد ، قال : دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد ، فإذا ابن عمر جالس عند حجرة عائشة ، وإذا الناس في المسجد يصلون صلاة الضحى ، فسألناه عن صلاتهم ، فقال بدعة ، وقال مرة : ونعمت البدعة .

وقال الشعبي : سمعت ابن عمر يقول : ( ما ابتدع المسلمون أفضل صلاة من الضحى ، ) وسئل أنس بن مالك عن صلاة الضحى ، فقال : الصلوات خمس .

وذهبت طائفة ثالثة إلى استحباب فعلها غبا ، فتصلى في بعض الأيام دون بعض ، وهذا أحد الروايتين عن أحمد ، وحكاه الطبري عن جماعة ، قال : واحتجوا بما روى الجريري ، عن عبد الله بن شقيق ، قال : قلت لعائشة : ( أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى؟ قالت : لا إلا أن يجيء من مغيبه ) . ثم ذكر حديث أبي سعيد : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى ، حتى نقول : لا يدعها ، ويدعها ، حتى نقول : لا يصليها ) وقد تقدم . ثم قال : كذا ذكر من كان يفعل ذلك من السلف .

وروى شعبة ، عن حبيب بن الشهيد ، عن عكرمة ، قال : ( كان ابن عباس يصليها يوما ، ويدعها عشرة أيام يعني صلاة الضحى ) وروى شعبة ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر ، أنه كان لا يصلي الضحى ، فإذا أتى مسجد قباء صلى ، وكان يأتيه كل سبت .

وروى سفيان ، عن منصور ، قال : كانوا يكرهون أن يحافظوا عليها كالمكتوبة ، ويصلون ويدعون [ ص: 343 ] يعني صلاة الضحى . وعن سعيد بن جبير : ( إني لأدع صلاة الضحى وأنا أشتهيها ، مخافة أن أراها حتما علي )

وقال مسروق : كنا نقرأ في المسجد ، فنبقى بعد قيام ابن مسعود ، ثم نقوم ، فنصلي الضحى ، فبلغ ابن مسعود ذلك فقال : لم تحملون عباد الله ما لم يحملهم الله؟! إن كنتم لا بد فاعلين ، ففي بيوتكم . وكان أبو مجلز يصلي الضحى في منزله .

قال هؤلاء : وهذا أولى ؛ لئلا يتوهم متوهم وجوبها بالمحافظة عليها ، أو كونها سنة راتبة ، ولهذا قالت عائشة : ( لو نشر لي أبواي ما تركتها ) فإنها كانت تصليها في البيت حيث لا يراها الناس .

وذهبت طائفة رابعة إلى أنها تفعل بسبب من الأسباب ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم ، إنما فعلها بسبب ، قالوا : وصلاته صلى الله عليه وسلم يوم الفتح ثمان ركعات ضحى ، إنما كانت من أجل الفتح ، وأن سنة الفتح أن تصلى عنده ثمان ركعات ، وكان الأمراء يسمونها صلاة الفتح .

وذكر الطبري في "تاريخه" عن الشعبي قال : ( لما فتح خالد بن الوليد الحيرة ، صلى صلاة الفتح ثمان ركعات لم يسلم فيهن ، ثم انصرف ) قالوا : وقول أم هانئ "وذلك ضحى" . تريد أن فعله لهذه الصلاة كان ضحى ، لا أن الضحى اسم لتلك الصلاة .

قالوا : وأما صلاته في بيت عتبان بن مالك ، فإنما كانت لسبب أيضا ، فإن عتبان قال له : إني أنكرت بصري ، وإن السيول تحول بيني وبين مسجد قومي ، فوددت أنك جئت ، فصليت في بيتي مكانا أتخذه مسجدا ، فقال : ( أفعل إن شاء الله تعالى ) قال : فغدا علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر معه بعدما اشتد النهار فاستأذن النبي صلى الله عليه وسلم فأذنت له ، فلم يجلس حتى قال : "أين تحب أن أصلي من بيتك "؟ فأشرت إليه من المكان الذي أحب أن يصلي فيه ، فقام وصففنا خلفه ، وصلى ، ثم [ ص: 344 ] سلم ، وسلمنا حين سلم ) متفق عليه .

فهذا أصل هذه الصلاة وقصتها ، ولفظ البخاري فيها ، فاختصره بعض الرواة عن عتبان ، فقال : ( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في بيتي سبحة الضحى ، فقاموا وراءه فصلوا )

وأما قول عائشة : لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى إلا أن يقدم من مغيبه ، فهذا من أبين الأمور أن صلاته لها إنما كانت لسبب ، فإنه صلى الله عليه وسلم ( كان إذا قدم من سفر ، بدأ بالمسجد ، فصلى فيه ركعتين )

فهذا كان هديه ، وعائشة أخبرت بهذا وهذا ، وهي القائلة : ( ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الضحى قط )

[ ص: 345 ] فالذي أثبتته فعلها بسبب ، كقدومه من سفر ، وفتحه ، وزيارته لقوم ونحوه ، وكذلك إتيانه مسجد قباء للصلاة فيه ، وكذلك ما رواه يوسف بن يعقوب ، حدثنا محمد بن أبي بكر ، حدثنا سلمة بن رجاء ، حدثتنا الشعثاء ، قالت : رأيت ابن أبي أوفى صلى الضحى ركعتين يوم بشر برأس أبي جهل . فهذا إن صح فهي صلاة شكر وقعت وقت الضحى ، كشكر الفتح .

والذي نفته ، هو ما كان يفعله الناس ، يصلونها لغير سبب ، وهي لم تقل : إن ذلك مكروه ، ولا مخالف لسنته ، ولكن لم يكن من هديه فعلها لغير سبب .

وقد أوصى بها وندب إليها ، وحض عليها ، وكان يستغني عنها بقيام الليل ، فإن فيه غنية عنها ، وهي كالبدل منه ، قال تعالى : ( وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا ) [ الفرقان : 62 ] قال ابن عباس ، والحسن ، وقتادة : ( عوضا وخلفا يقوم أحدهما مقام صاحبه ، فمن فاته عمل في أحدهما ، قضاه في الآخر )

قال قتادة ( فأدوا لله من أعمالكم خيرا في هذا الليل والنهار ، فإنهما مطيتان يقحمان الناس إلى آجالهم ، ويقربان كل بعيد ، ويبليان كل جديد ، ويجيئان بكل موعود إلى يوم القيامة ) .

وقال شقيق : جاء رجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : فاتتني الصلاة الليلة ، فقال : ( أدرك ما فاتك من ليلتك في نهارك ، فإن الله عز وجل جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا ) .

قالوا : وفعل الصحابة رضي الله عنهم يدل على هذا ، فإن ابن عباس كان يصليها يوما ، ويدعها عشرة ، وكان ابن عمر لا يصليها ، فإذا أتى مسجد قباء ، صلاها ، وكان يأتيه كل سبت .

وقال سفيان ، عن منصور : كانوا يكرهون أن يحافظوا عليها كالمكتوبة ، ويصلون ويدعون ، قالوا : ومن هذا الحديث الصحيح عن أنس ، أن رجلا من الأنصار كان ضخما ، فقال [ ص: 346 ] للنبي صلى الله عليه وسلم : إني لا أستطيع أن أصلي معك ، فصنع للنبي صلى الله عليه وسلم طعاما ، ودعاه إلى بيته ، ونضح له طرف حصير بماء ، فصلى عليه ركعتين . قال أنس : ( ما رأيته صلى الضحى غير ذلك اليوم ) رواه البخاري .

ومن تأمل الأحاديث المرفوعة وآثار الصحابة ، وجدها لا تدل إلا على هذا القول ، وأما أحاديث الترغيب فيها ، والوصية بها ، فالصحيح منها كحديث أبي هريرة وأبي ذر لا يدل على أنها سنة راتبة لكل أحد ، وإنما أوصى أبا هريرة بذلك ، لأنه قد روي أن أبا هريرة كان يختار درس الحديث بالليل على الصلاة ، فأمره بالضحى بدلا من قيام الليل ، ولهذا أمره ألا ينام حتى يوتر ، ولم يأمر بذلك أبا بكر وعمر وسائر الصحابة .

وعامة أحاديث الباب في أسانيدها مقال ، وبعضها منقطع ، وبعضها موضوع لا يحل الاحتجاج به ، كحديث يروى عن أنس مرفوعا ( من داوم على صلاة الضحى ولم يقطعها إلا عن علة ، كنت أنا وهو في زورق من نور في بحر من نور ) وضعه زكريا بن دويد الكندي ، عن حميد .

وأما حديث يعلى بن أشدق ، عن عبد الله بن جراد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ( من صلى منكم صلاة الضحى ، فليصلها متعبدا ، فإن الرجل ليصليها السنة من الدهر ثم ينساها ويدعها ، فتحن إليه كما تحن الناقة إلى ولدها إذا فقدته ) . فيا عجبا للحاكم كيف يحتج بهذا وأمثاله ، فإنه يروي هذا الحديث في كتاب [ ص: 347 ] أفرده للضحى ، وهذه نسخة موضوعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يعني نسخة يعلى بن الأشدق .

وقال ابن عدي : روى يعلى بن الأشدق ، عن عمه عبد الله بن جراد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة منكرة ، وهو وعمه غير معروفين ، وبلغني عن أبي مسهر ، قال : قلت ليعلى بن الأشدق : ما سمع عمك من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال : جامع سفيان ، وموطأ مالك ، وشيئا من الفوائد .

وقال أبو حاتم بن حبان : لقي يعلى عبد الله بن جراد ، فلما كبر ، اجتمع عليه من لا دين له ، فوضعوا له شبها بمائتي حديث ، فجعل يحدث بها وهو لا يدري ، وهو الذي قال له بعض مشايخ أصحابنا : أي شيء سمعته من عبد الله بن جراد؟ فقال : هذه النسخة ، وجامع سفيان - لا تحل الرواية عنه بحال .

وكذلك حديث عمر بن صبح عن مقاتل بن حيان ، حديث عائشة المتقدم : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى ثنتي عشرة ركعة ) وهو حديث طويل ذكره الحاكم في "صلاة الضحى" وهو حديث موضوع ، المتهم به عمر بن صبح ، قال البخاري : حدثني يحيى ، عن علي بن جرير ، قال : سمعت عمر بن صبح يقول : أنا وضعت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال ابن عدي : منكر الحديث .

وقال ابن حبان : يضع الحديث على الثقات ، لا يحل كتب حديثه إلا على جهة التعجب منه ، وقال الدارقطني : متروك ، وقال الأزدي : كذاب .

وكذلك حديث عبد العزيز بن أبان ، عن الثوري ، عن حجاج بن فرافصة ، عن مكحول ، عن أبي هريرة مرفوعا ( من حافظ على سبحة الضحى ، غفرت ذنوبه ، وإن كانت بعدد الجراد ، وأكثر من زبد البحر ) ذكره الحاكم أيضا . وعبد العزيز هذا ، قال ابن نمير : هو كذاب ، وقال يحيى : ليس بشيء ، كذاب خبيث يضع الحديث ، وقال البخاري ، والنسائي ، والدارقطني : متروك الحديث .

[ ص: 348 ] وكذلك حديث النهاس بن قهم ، عن شداد ، عن أبي هريرة يرفعه ( من حافظ على شفعة الضحى ، غفرت ذنوبه وإن كانت أكثر من زبد البحر ) والنهاس ، قال يحيى : ليس بشيء ضعيف كان يروي عن عطاء ، عن ابن عباس أشياء منكرة ، وقال النسائي : ضعيف ، وقال ابن عدي : لا يساوي شيئا ، وقال ابن حبان : كان يروي المناكير عن المشاهير ، ويخالف الثقات ، لا يجوز الاحتجاج به ، وقال الدارقطني : مضطرب الحديث ، تركه يحيى القطان .

وأما حديث حميد بن صخر ، عن المقبري ، عن أبي هريرة : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثا الحديث ، وقد تقدم . فحميد هذا ضعفه النسائي ، ويحيى بن معين ، ووثقه آخرون ، وأنكر عليه بعض حديثه ، وهو ممن لا يحتج به إذا انفرد . والله أعلم .

وأما حديث محمد بن إسحاق ، عن موسى ، عن عبد الله بن المثنى ، عن أنس ، عن عمه ثمامة ، عن أنس يرفعه ( من صلى الضحى ، بنى الله له قصرا في الجنة من ذهب ) ، فمن الأحاديث الغرائب ، وقال الترمذي : غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه .

وأما حديث نعيم بن همار : ( ابن آدم لا تعجز لي عن أربع ركعات في أول النهار ، أكفك آخره ) ، وكذلك حديث أبي الدرداء ، وأبي ذر ، فسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول : هذه الأربع عندي هي الفجر وسنتها .

التالي السابق


الخدمات العلمية