صفحة جزء
سواك : في " الصحيحين " عنه صلى الله عليه وسلم : ( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة ) .

وفيهما : أنه صلى الله عليه وسلم ، ( كان إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك ) .

وفي " صحيح البخاري " تعليقا عنه صلى الله عليه وسلم : ( السواك مطهرة للفم مرضاة للرب ). [ ص: 296 ] وفي " صحيح مسلم " : أنه صلى الله عليه وسلم ( كان إذا دخل بيته ، بدأ بالسواك ) .

والأحاديث فيه كثيرة ، وصح عنه من حديث أنه ( استاك عند موته بسواك عبد الرحمن بن أبي بكر ، ) وصح عنه أنه قال : ( أكثرت عليكم في السواك ) .

وأصلح ما اتخذ السواك من خشب الأراك ونحوه ، ولا ينبغي أن يؤخذ من شجرة مجهولة ، فربما كانت سما ، وينبغي القصد في استعماله ، فإن بالغ فيه ، فربما أذهب طلاوة الأسنان وصقالتها ، وهيأها لقبول الأبخرة المتصاعدة من المعدة والأوساخ ، ومتى استعمل باعتدال ، جلا الأسنان ، وقوى العمود ، وأطلق اللسان ، ومنع الحفر ، وطيب النكهة ، ونقى الدماغ وشهى الطعام .

وأجود ما استعمل مبلولا بماء الورد ، ومن أنفعه أصول الجوز ، قال صاحب " التيسير " : زعموا أنه إذا استاك به المستاك كل خامس من الأيام ، نقى الرأس ، وصفى الحواس ، وأحد الذهن .

وفي السواك عدة منافع : يطيب الفم ، ويشد اللثة ، ويقطع البلغم ، ويجلو البصر ، ويذهب بالحفر ، ويصح المعدة ، ويصفي الصوت ، ويعين على هضم الطعام ، ويسهل مجاري الكلام ، وينشط للقراءة ، والذكر والصلاة ، ويطرد النوم ، ويرضي الرب ، ويعجب الملائكة ، ويكثر الحسنات .

ويستحب كل وقت ، ويتأكد عند الصلاة والوضوء ، والانتباه من النوم ، وتغيير رائحة الفم ، ويستحب للمفطر والصائم في كل وقت لعموم الأحاديث فيه ، ولحاجة الصائم إليه ، ولأنه مرضاة للرب ، ومرضاته مطلوبة في الصوم [ ص: 297 ] أشد من طلبها في الفطر ، ولأنه مطهرة للفم ، والطهور للصائم من أفضل أعماله .

وفي " السنن " : عن عامر بن ربيعة رضي الله عنه ، قال : ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا أحصي يستاك ، وهو صائم ) وقال البخاري : قال ابن عمر : ( يستاك أول النهار وآخره ) .

وأجمع الناس على أن الصائم يتمضمض وجوبا واستحبابا ، والمضمضة أبلغ من السواك ، وليس لله غرض في التقرب إليه بالرائحة الكريهة ، ولا هي من جنس ما شرع التعبد به ، وإنما ذكر طيب الخلوف عند الله يوم القيامة حثا منه على الصوم ، لا حثا على إبقاء الرائحة ، بل الصائم أحوج إلى السواك من المفطر .

وأيضا فإن رضوان الله أكبر من استطابته لخلوف فم الصائم .

وأيضا فإن محبته للسواك أعظم من محبته لبقاء خلوف فم الصائم .

وأيضا فإن السواك لا يمنع طيب الخلوف الذي يزيله السواك عند الله يوم القيامة ، بل يأتي الصائم يوم القيامة وخلوف فمه أطيب من المسك علامة على صيامه ، ولو أزاله بالسواك ، كما أن الجريح يأتي يوم القيامة ، ولون دم جرحه لون الدم ، وريحه ريح المسك ، وهو مأمور بإزالته في الدنيا .

وأيضا فإن الخلوف لا يزول بالسواك ، فإن سببه قائم ، وهو خلو المعدة عن الطعام ، وإنما يزول أثره ، وهو المنعقد على الأسنان واللثة .

وأيضا فإن النبي صلى الله عليه وسلم علم أمته ما يستحب لهم في الصيام ، وما يكره [ ص: 298 ] لهم ولم يجعل السواك من القسم المكروه ، وهو يعلم أنهم يفعلونه ، وقد حضهم عليه بأبلغ ألفاظ العموم والشمول ، وهم يشاهدونه يستاك وهو صائم مرارا كثيرة تفوت الإحصاء ، ويعلم أنهم يقتدون به ، ولم يقل لهم يوما من الدهر : لا تستاكوا بعد الزوال ، وتأخير البيان عن وقت الحاجة ممتنع ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية