صفحة جزء
سمك : روى الإمام أحمد بن حنبل ، وابن ماجه في " سننه " من [ ص: 299 ] حديث عبد الله بن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( أحلت لنا ميتتان ودمان : السمك والجراد ، والكبد والطحال ) .

أصناف السمك كثيرة ، وأجوده ما لذ طعمه ، وطاب ريحه ، وتوسط مقداره ، وكان رقيق القشر ، ولم يكن صلب اللحم ولا يابسه ، وكان في ماء عذب جار على الحصباء ، ويغتذي بالنبات لا الأقذار ، وأصلح أماكنه ما كان في نهر جيد الماء ، وكان يأوي إلى الأماكن الصخرية ، ثم الرملية ، والمياه الجارية العذبة التي لا قذر فيها ، ولا حمأة ، الكثيرة الاضطراب والتموج ، المكشوفة للشمس والرياح .

والسمك البحري فاضل ، محمود ، لطيف ، والطري منه بارد رطب ، عسر الانهضام ، يولد بلغما كثيرا ، إلا البحري وما جرى مجراه ، فإنه يولد خلطا محمودا ، وهو يخصب البدن ، ويزيد في المني ، ويصلح الأمزجة الحارة .

وأما المالح ، فأجوده ما كان قريب العهد بالتملح ، وهو حار يابس ، وكلما تقادم عهده ازداد حره ويبسه ، والسلور منه كثير اللزوجة ، ويسمى الجري ، واليهود لا تأكله ، وإذا أكل طريا ، كان ملينا للبطن ، وإذا ملح وعتق وأكل ، صفى قصبة الرئة ، وجود الصوت ، وإذا دق ووضع من خارج ، أخرج السلى والفضول من عمق البدن من طريق أن له قوة جاذبة .

وماء ملح الجري المالح إذا جلس فيه من كانت به قرحة الأمعاء في [ ص: 300 ] ابتداء العلة ، وافقه بجذبه المواد إلى ظاهر البدن ، وإذا احتقن به ، أبرأ من عرق النسا .

وأجود ما في السمك ما قرب من مؤخرها ، والطري السمين منه يخصب البدن لحمه وودكه . وفي " الصحيحين " : من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : بعثنا النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثمائة راكب ، وأميرنا أبو عبيدة بن الجراح ، فأتينا الساحل ، فأصابنا جوع شديد ، حتى أكلنا الخبط ، فألقى لنا البحر حوتا يقال لها : عنبر ، فأكلنا منه نصف شهر ، وائتدمنا بودكه حتى ثابت أجسامنا ، فأخذ أبو عبيدة ضلعا من أضلاعه ، وحمل رجلا على بعيره ، ونصبه ، فمر تحته .

التالي السابق


الخدمات العلمية