صفحة جزء
فصل

في مبدأ الجمعة .

قال ابن إسحاق : حدثني محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف ، عن أبيه قال : حدثني عبد الرحمن بن كعب بن مالك ، قال كنت قائد أبي حين كف بصره ، فإذا خرجت به إلى الجمعة فسمع الأذان بها استغفر لأبي أمامة أسعد بن زرارة ، فمكث حينا على ذلك فقلت : إن هذا لعجز ألا أسأله عن هذا ، فخرجت به كما كنت أخرج ، فلما سمع الأذان للجمعة ، استغفر له ، فقلت : يا أبتاه ! أرأيت استغفارك لأسعد بن زرارة كلما سمعت الأذان يوم الجمعة ؟ قال : أي بني ! كان أسعد أول من جمع بنا بالمدينة قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم في هزم النبيت من حرة بني بياضة في نقيع يقال له : نقيع الخضمات . قلت : فكم كنتم يومئذ ؟ قال أربعون رجلا .

[ ص: 362 ] قال البيهقي : ومحمد بن إسحاق إذا ذكر سماعه من الراوي ، وكان الراوي ثقة ، استقام الإسناد ، وهذا حديث حسن صحيح الإسناد انتهى .

قلت : وهذا كان مبدأ الجمعة . ثم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، فأقام بقباء في بني عمرو بن عوف ، كما قاله ابن إسحاق يوم الاثنين ، ويوم الثلاثاء ، ويوم الأربعاء ويوم الخميس وأسس مسجدهم ، ثم خرج يوم الجمعة فأدركته الجمعة في بني سالم بن عوف ، فصلاها في المسجد الذي في بطن الوادي وكانت أول جمعة صلاها بالمدينة ، وذلك قبل تأسيس مسجده .

قال ابن إسحاق : كانت أول خطبة خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني عن أبي سلمة بن عبد الرحمن - ونعوذ بالله أن نقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل - أنه قام فيهم خطيبا ، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال : ( أما بعد أيها الناس ، فقدموا لأنفسكم تعلمن والله ليصعقن أحدكم ثم ليدعن غنمه ليس لها راع ، ثم ليقولن له ربه وليس له ترجمان ولا حاجب يحجبه دونه : ألم يأتك رسولي فبلغك ، وآتيتك مالا وأفضلت عليك ، فما قدمت لنفسك فلينظرن يمينا وشمالا ، فلا يرى شيئا ثم لينظرن قدامه فلا يرى غير جهنم ، فمن استطاع أن يقي وجهه من النار ولو بشق من تمرة فليفعل ، ومن لم يجد فبكلمة طيبة ، فإن بها تجزى الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ) .

[ ص: 363 ] قال ابن إسحاق : ثم خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة أخرى فقال : ( إن الحمد لله أحمده وأستعينه ، نعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إن أحسن الحديث كتاب الله ، قد أفلح من زينه الله في قلبه وأدخله في الإسلام بعد الكفر ، فاختاره على ما سواه من أحاديث الناس ، إنه أحسن الحديث وأبلغه ، أحبوا ما أحب الله ، أحبوا الله من كل قلوبكم ، ولا تملوا كلام الله وذكره ، ولا تقس عنه قلوبكم ، فإنه من كل ما يخلق الله يختار ويصطفي ، قد سماه الله خيرته من الأعمال ، ومصطفاه من العباد والصالح من الحديث ، ومن كل ما أوتي الناس من الحلال والحرام ، فاعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ، واتقوه حق تقاته واصدقوا الله صالح ما تقولون بأفواهكم ، وتحابوا بروح الله بينكم ، إن الله يغضب أن ينكث عهده ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ) .

وقد تقدم طرف من خطبته عليه السلام عند ذكر هديه في الخطب .

التالي السابق


الخدمات العلمية