صفحة جزء
قسط وكست : بمعنى واحد . وفي " الصحيحين " : من حديث أنس رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( خير ما تداويتم به الحجامة والقسط [ ص: 324 ] البحري ) .

وفي " المسند " : من حديث أم قيس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ( عليكم بهذا العود الهندي ، فإن فيه سبعة أشفية منها ذات الجنب ) .

القسط : نوعان أحدهما : الأبيض الذي يقال له : البحري . والآخر الهندي ، وهو أشدهما حرا ، والأبيض ألينهما ، ومنافعهما كثيرة جدا .

وهما حاران يابسان في الثالثة ، ينشفان البلغم ، قاطعان للزكام ، وإذا شربا نفعا من ضعف الكبد والمعدة ومن بردهما ، ومن حمى الدور والربع ، وقطعا وجع الجنب ، ونفعا من السموم ، وإذا طلي به الوجه معجونا بالماء والعسل ، قلع الكلف ، وقال جالينوس : ينفع من الكزاز ، ووجع الجنبين ، ويقتل حب القرع .

وقد خفي على جهال الأطباء نفعه من وجع ذات الجنب ، فأنكروه ولو ظفر هذا الجاهل بهذا النقل عن جالينوس لنزوله منزلة النص ، كيف وقد نص كثير من الأطباء المتقدمين على أن القسط يصلح للنوع البلغمي من ذات الجنب ، ذكره الخطابي عن محمد بن الجهم .

وقد تقدم أن طب الأطباء بالنسبة إلى طب الأنبياء أقل من نسبة طب الطرقية والعجائز إلى طب الأطباء ، وأن بين ما يلقى بالوحي ، وبين ما يلقى بالتجربة والقياس من الفرق أعظم مما بين القدم والفرق .

ولو أن هؤلاء الجهال وجدوا دواء منصوصا عن بعض اليهود والنصارى والمشركين من الأطباء ، لتلقوه بالقبول والتسليم ، ولم يتوقفوا على تجربته .

نعم نحن لا ننكر أن للعادة تأثيرا في الانتفاع بالدواء وعدمه ، فمن اعتاد [ ص: 325 ] دواء وغذاء ، كان أنفع له ، وأوفق ممن لم يعتده ، بل ربما لم ينتفع به من لم يعتده .

وكلام فضلاء الأطباء وإن كان مطلقا ، فهو بحسب الأمزجة والأزمنة ، والأماكن والعوائد ، وإذا كان التقييد بذلك لا يقدح في كلامهم ومعارفهم ، فكيف يقدح في كلام الصادق المصدوق ، ولكن نفوس البشر مركبة على الجهل والظلم ، إلا من أيده الله بروح الإيمان ، ونور بصيرته بنور الهدى .

التالي السابق


الخدمات العلمية