صفحة جزء
فصل

وأما القراءة خلف الإمام

فالناس فيها طرفان ووسط ، منهم من يكره القراءة خلف الإمام حتى يبلغ بها بعضهم إلى التحريم سواء في ذلك صلاة السر والجهر ، وهذا هو الغالب على أهل الكوفة ومن اتبعهم كأصحاب أبي حنيفة ، ومنهم من يؤكد القراءة خلف الإمام حتى يوجب قراءة الفاتحة وإن سمع الإمام يقرأ ، وهذا هو الجديد من قولي الشافعي ، وقول طائفة معه ، ومنهم من يأمر بالقراءة في صلاة السر وفي حال سكتات الإمام في صلاته الجهرية وللبعيد الذي لا يسمع الإمام ، وأما القريب الذي يسمع قراءة الإمام فيأمرونه بالإنصات لقراءة إمامه إقامة للاستماع مقام التلاوة ، وهذا قول الجمهور كمالك وأحمد وغيرهم من فقهاء الأمصار وفقهاء الآثار ، وعليه يدل عمل أكثر الصحابة ، وتتفق عليه أكثر الأحاديث .

وهذا الاختلاف شبيه باختلافهم في صلاة المأموم هل هي مبنية على صلاة الإمام أم كل واحد منهما يصلي لنفسه ؟ كما تقدم [ ص: 129 ] التنبيه عليه ؟ فأصل أبي حنيفة : أنها داخلة فيها ومبنية عليها مطلقا ، حتى إنه يوجب الإعادة على المأموم حيث وجبت الإعادة على الإمام .

وأصل الشافعي : أن كل رجل يصلي لنفسه ، لا يقوم مقامه ، لا في فرض ولا سنة ، ولهذا أمر المأموم بالتسميع ، وأوجب عليه القراءة ، ولم يبطل صلاته بنقص صلاة الإمام إلا في مواضع مستثناة ، كتحمل الإمام عن المأموم سجود السهو ، وتحمل القراءة إذا كان المأموم مسبوقا ، وإبطال صلاة القارئ خلف الأمي ونحو ذلك .

وأما مالك وأحمد : فإنها عندهما مبنية عليها من وجه دون وجه ، كما ذكرناه : من الاستماع للقراءة في حال الجهر ، والمشاركة في حال المخافتة ، ولا يقول المأموم عندها : " سمع الله لمن حمده " بل يحمد جوابا لتسميع الإمام ، كما دلت عليه النصوص الصحيحة . وهي مبنية عليها فيما يعذران فيه ، دون ما لا يعذران ، كما تقدم في الإمامة .

التالي السابق


الخدمات العلمية