ومن 
سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أنه جمع بالمسلمين جميعهم بعرفة  بين الظهر والعصر ، 
وبمزدلفة  بين المغرب والعشاء . وكان معه خلق كثير ممن منزله دون مسافة القصر من 
أهل مكة   وما حولها . ولم يأمر حاضري 
المسجد الحرام  بتفريق كل صلاة في وقتها ، ولا أن يعتزل المكيون ونحوهم فلم يصلوا معه العصر ، وأن ينفردوا فيصلوها في أثناء الوقت دون سائر المسلمين ، فإن هذا مما يعلم بالاضطرار لمن تتبع الأحاديث أنه لم يكن . وهو قول  
مالك  وطائفة من أصحاب 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي  وأحمد  ، وعليه يدل كلام  
أحمد     . 
وإنما غفل قوم من أصحاب 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي  وأحمد  عن هذا ، فطردوا قياسهم في الجمع ، واعتقدوا أنه إنما جمع لأجل السفر . 
والجمع للسفر لا يكون إلا لمن سافر ستة عشر فرسخا ، وحاضروا 
مكة  ليسوا عن 
عرنة  بهذا البعد .  
[ ص: 148 ] وهذا ليس بحق ، فإنه لو كان جمعه لأجل السفر لجمع قبل هذا اليوم وبعده ، وقد أقام 
بمنى  أيام التشريق ولم يجمع فيها ، لا سيما ولم ينقل عنه أنه جمع في السفر وهو نازل إلا مرة واحدة ، وإنما كان يجمع في السفر إذا جد به السير ، وإنما جمع لنحو الوقوف ، لأجل أن لا يفصل بين الوقوف بصلاة ولا غيرها . كما قال  
أحمد     : إنه يجوز الجمع لأجل ذلك من الشغل المانع من تفريق الصلوات . 
ومن اشترط في هذا الجمع السفر من أصحاب  
أحمد  ، فهو أبعد عن أصوله من أصحاب 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي     . فإن  
أحمد  يجوز الجمع لأمور كثيرة غير السفر ، حتى قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=14953القاضي أبو يعلى  وغيره - تفسيرا لقول  
أحمد     : إنه يجمع لكل ما يبيح ترك الجماعة - فالجمع ليس من خصائص السفر . وهذا بخلاف 
القصر ، فإنه لا يشرع إلا للمسافر   .