موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين

القاسمي - محمد جمال الدين القاسمي

صفحة جزء
بيان أن الأوراد للمتجرد للعبادة :

اعلم أن الأوراد والأذكار المروية والوظائف الليلية والنهارية إنما تستحب للمتجرد للعبادة الذي لا شغل له غيرها أصلا بحيث لو ترك العبادة لجلس بطالا ، وأما العالم الذي ينفع الناس بعلمه في فتوى أو تدريس أو تصنيف فترتيبه الأوراد يخالف ترتيب العابد ، فإنه يحتاج إلى المطالعة للكتب وإلى التصنيف والإفادة ويحتاج إلى مدة لها لا محالة ، فإن أمكنه استغراق الأوقات فيه فهو أفضل ما يشتغل به بعد المكتوبات ورواتبها ، ويدل على ذلك ما ذكرناه في فضيلة التعليم والتعلم في كتاب العلم ، وكيف لا يكون كذلك وفي العلم المواظبة على ذكر الله تعالى ، وتأمل ما قال الله تعالى وقال رسوله ، وفيه منفعة الخلق وهدايتهم إلى طريق الآخرة ، ورب مسألة واحدة يتعلمها المتعلم فيصلح بها عبادة عمره ولو لم يتعلمها لكان سعيه ضائعا .

وأما العامي والمتعلم فحضوره مجالس العلم والوعظ أفضل من اشتغاله بالأوراد ، وكذلك المحترف الذي يحتاج إلى الكسب لعياله فليس له أن يضيع العيال ويستغرق الأوقات في العبادات بل ورده في وقت الصناعة حضور السوق والاشتغال بالكسب ، ولكن ينبغي أن لا ينسى ذكر الله تعالى في صناعته .

التالي السابق


الخدمات العلمية