موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين

القاسمي - محمد جمال الدين القاسمي

صفحة جزء
أصناف الحلال ومداخله :

اعلم أن تفصيل الحلال والحرام إنما يتولى بيانه كتب الفقه ، ويستغني المريد عن تطويله بأن يكون له طعمة معينة يعرف بالفتوى حلها وكان لا يأكل من غيرها ، فأما من يتوسع في الأكل من وجوه متفرقة فيفتقر إلى علم الحلال والحرام كله ، ونحن الآن نشير إلى مجامعه في سياق يقسم ، وذلك أن المال إنما يحرم إما لمعنى في عينه ، أو لخلل في جهة اكتسابه .

القسم الأول :

الحرام لصفة في عينه كالخمر والخنزير وغيرهما .

وتفصيله أن الأعيان المأكولة على وجه الأرض لا تعدو ثلاثة أقسام ، فإنها إما أن تكون من المعادن كالملح والطين وغيرهما ، أو من النبات ، أو من الحيوانات .

فأما المعادن فهي أجزاء الأرض وجميع ما يخرج منها فلا يحرم أكله إلا من حيث أنه يضر بالآكل أو في بعضها ما يجري مجرى السم ، والخبز لو كان مضرا لحرم أكله ، والطين الذي يعتاد أكله لا يحرم إلا من حيث الضرر .

وأما النبات :

فلا يحرم منه إلا ما يزيل العقل ويزيل الحياة أو الصحة ، فمزيل العقل : البنج والخمر وسائر المسكرات ، ومزيل الحياة : السموم ، ومزيل الصحة : الأدوية في غير وقتها .

وكأن مجموع هذا يرجع إلى الضرر إلا الخمر والمسكرات فإن الذي لا يسكر منها أيضا حرام مع قلته .

وأما الحيوانات :

فتنقسم إلى ما يؤكل وإلى ما لا يؤكل ، وتفصيله في كتب الفقه . وما يحل أكله فإنما يحل إذا ذبح ذبحا شرعيا روعي فيه شروط الذابح والآلة والمذبح على ما يذكر في كتب الفقه ، وما لم يذبح ذبحا شرعيا أو مات فهو حرام .

ولا يحل إلا ميتتان السمك والجراد .

القسم الثاني : ما يحرم لخلل في جهة إثبات اليد عليه ، ويتحصل منه أقسام :

الأول : ما يؤخذ من غير مالك كنيل المعادن وإحياء الموات والاصطياد والاحتطاب والاستقاء من الأنهار والاحتشاش فهذا حلال ، وشرطه أن لا يكون المأخوذ مختصا بذي حرمة من الآدميين .

الثاني : المأخوذ قهرا ممن لا حرمة له وهو الفيء والغنيمة وسائر أملاك الكفار [ ص: 121 ] المحاربين ، وذلك حلال للمسلمين إذا أخرجوا منها الخمس وقسموها بين المستحقين بالعدل ولم يأخذوها من كافر له حرمة وأمان وعهد .

الثالث : ما يؤخذ تراضيا بمعاوضة وذلك حلال إذا روعي فيه الشروط المصححة مع ما تعبد الشرع به من اجتناب الشروط المفسدة .

الرابع : ما يحصل بغير اختيار كالميراث وهو حلال إذا كان الموروث قد اكتسب من وجه حلال ، ثم كان ذلك بعد قضاء الدين وتنفيذ الوصايا وتعديل القسمة بين الورثة وإخراج الحج والزكاة والكفارات إن كان واجبا .

وبقي أقسام أخر ونحن أشرنا إلى جملتها ليعلم المريد أن كل ما يأكلها من جهتها ينبغي أن يستفتي فيه أهل العلم ولا يقدم عليه بالجهل ، فإنه كما يقال للعالم : " لم خالفت علمك " ؟ يقال للجاهل : لم لازمت جهلك ولم تتعلم بعد أن قيل لك : " طلب العلم فريضة على كل مسلم " .

التالي السابق


الخدمات العلمية