موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين

القاسمي - محمد جمال الدين القاسمي

صفحة جزء
حقوق المسلم :

هي أن تسلم عليه إذا لقيته ، وتجيبه إذا دعاك ، وتشمته إذا عطس ، وتعوده إذا مرض ، وتشهد جنازته إذا مات ، وتبر قسمه إذا أقسم عليك ، وتنصح له إذا استنصحك ، وتحفظه بظهر الغيب إذا غاب عنك . ومنها أن تحب له ما تحب لنفسك ، وتكره له ما تكره لنفسك ، قال - صلى الله عليه وسلم - : [ ص: 141 ] " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضو منه تداعى سائره بالحمى والسهر " وعنه - صلى الله عليه وسلم - : " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا " .

ومنها : أن لا يؤذي أحدا من المسلمين بفعل ولا قول ، قال - صلى الله عليه وسلم - : " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ، والمؤمن من أمنه المؤمنون على أنفسهم وأموالهم ، والمهاجر من هجر السوء واجتنبه " وعنه - صلى الله عليه وسلم - : " لا يحل لمسلم أن يروع مسلما " .

ومنها : أن يتواضع لكل مسلم ولا يتكبر عليه ، قال - صلى الله عليه وسلم - : " إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد " .

ومنها : أن لا يسمع بلاغات الناس بعضهم على بعض ولا يبلغ بعضهم ما يسمع من بعض ، ففي الحديث : " لا يدخل الجنة قتات " .

ومنها : أن لا يزيد في الهجر لمن يعرفه على ثلاثة أيام مهما غضب عليه ، قال - صلى الله عليه وسلم - : " لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام " . وقالت " عائشة " رضي الله عنها : " ما انتقم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنفسه قط إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله " . وفي الحديث : " ما زاد الله رجلا بعفو إلا عزا " .

ومنها : أن يحسن إلى كل من قدر عليه منهم ما استطاع لا يميز بين الأهل وغير الأهل ، وفي أثر : " اصنع المعروف في أهله وفي غيره أهله ، فإن أصبت فهو أهله ، وإن لم تصب أهله فأنت من أهله " وفي آخر : " رأس العقل بعد الدين التودد إلى الناس واصطناع المعروف إلى كل بر وفاجر " ، ولم يكن يكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا أقبل عليه بوجهه ثم لم يصرفه عنه حتى يفرغ من كلامه .

ومنها : أن لا يدخل على أحد منهم إلا بإذنه بأن يستأذن ثلاثا فإن لم يؤذن له انصرف .

ومنها : أن يخالق الجميع بخلق حسن ويعامله بحسب طريقته .

[ ص: 142 ] ومنها : أن يوقر المشايخ ويرحم الصبيان ، وفي الحديث : " ليس منا من لم يوقر كبيرنا ولم يرحم صغيرنا " والتلطف بالصبيان من عادة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان إذا قدم من سفره تلقي بالصبيان ثم يأمر بهم فيرفعون إليه فيرفع منهم بين يديه ومن خلفه ، ويأمر أصحابه أن يحملوا بعضهم ، وكان يؤتى بالصبي الصغير ليدعو له بالبركة وليسميه فيأخذه فيضعه في حجره ، فربما بال الصبي ثم يغسل ثوبه - صلى الله عليه وسلم - بعد .

ومنها : أن يكون مع كافة الخلق مستبشرا طلق الوجه رقيقا ، قال - صلى الله عليه وسلم - : " أتدرون على من حرمت النار " قالوا : " الله ورسوله أعلم " ، قال : " على اللين الهين السهل القريب " وقال - صلى الله عليه وسلم - : " اتقوا النار ولو بشق تمرة فمن لم يجد فبكلمة طيبة " .

ومنها أن لا يعد مسلما بوعد إلا ويفي به ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " العدة عطية " وقال : " العدة دين " وقال : " ثلاث من كن فيه فهو منافق وإن صام وصلى : من إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان " .

ومنها : أن ينصف الناس من نفسه ولا يأتي إليهم إلا بما يحب أن يؤتى إليه ، قال - صلى الله عليه وسلم - : " يا أبا الدرداء أحسن مجاورة من جاورك تكن مؤمنا وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلما " .

ومنها : أن يزيد في توقير من تدل هيئته وثيابه على علو منزلته فينزل الناس منازلهم .

ومنها : أن يصلح ذات البين بين المسلمين مهما وجد إليه سبيلا ، قال - صلى الله عليه وسلم - : " أفضل الصدقة إصلاح ذات البين " وفي الحديث : " ليس بكذاب من أصلح بين اثنين فقال خيرا " وهذا يدل على وجوب الإصلاح بين الناس لأن ترك الكذب واجب ، ولا يسقط الواجب إلا بواجب آكد منه ، وقال - صلى الله عليه وسلم - : " كل الكذب مكتوب إلا أن يكذب الرجل في الحرب فإن الحرب خدعة ، أو يكذب بين اثنين فيصلح بينهما ، أو يكذب لامرأته ليرضيها " .

ومنها : أن يستر عورات المسلمين كلهم ، قال - صلى الله عليه وسلم - : " من ستر على مسلم ستره الله تعالى [ ص: 143 ] في الدنيا والآخرة " وقال - صلى الله عليه وسلم - : " لا يرى المؤمن من أخيه عورة فيسترها عليه إلا دخل الجنة " وقال - صلى الله عليه وسلم - : " يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان في قلبه لا تغتابوا الناس ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من يتبع عورة أخيه المسلم يتبع الله عورته ، ومن يتبع الله عورته يفضحه ولو كان في جوف بيته " . وروي عن بعض الخلفاء أنه كان يعس من الليل فسمع صوت رجل في بيت يتغنى ، فتسور عليه فوجد عنده امرأة وعنده خمر ، فقال : " يا عدو الله أظننت أن الله يسترك وأنت على معصيته " ؟ فقال : " وأنت أيها الأمير لا تعجل فإن كنت عصيت الله واحدة فقد عصيت الله في ثلاثا " قال الله تعالى : ( ولا تجسسوا ) [ الحجرات : 12 ] وقد تجسست ، وقال الله تعالى : ( وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ) [ البقرة : 189 ] وقد تسورت علي ، وقد قال الله تعالى : ( لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم ) [ النور : 27 ] الآية ، وقد دخلت بيتي بغير إذن ولا سلام ، فقال الأمير : " هل عندك من خير إن عفوت عنك " ؟ قال : " نعم والله لئن عفوت عني لا أعود إلى مثلها أبدا " ، فعفا عنه وخرج وتركه . وقد قال - صلى الله عليه وسلم - : " كل أمتي معافى إلا المجاهرين ، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل السوء سرا ثم يخبر به " وقال - صلى الله عليه وسلم - : " من أسمع خبر قوم وهم له كارهون صب في أذنه الآنك يوم القيامة " .

ومنها : أن يتقي مواضع التهم صيانة لقلوب الناس عن سوء الظن ولألسنتهم عن الغيبة ، فإنهم إذا عصوا الله بذكره وكان هو السبب فيه كان شريكا ، قال الله تعالى : ( ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم ) [ الأنعام : 108 ] وقال - صلى الله عليه وسلم - : " كيف ترون من سب أبويه " فقالوا : " وهل من أحد يسب أبويه " ؟ فقال : " نعم يسب أبوي غيره فيسبون أبويه " . وقال " عمر " رضي الله عنه : " من أقام نفسه مقام التهم فلا يلومن من أساء به الظن " .

ومنها : أن يشفع لكل من له حاجة من المسلمين إلى من له عنده منزلة ويسعى في قضاء حاجته بما يقدر ، قال - صلى الله عليه وسلم - : " اشفعوا تؤجروا " .

ومنها : أن يبدأ من يلقى بالسلام قبل الكلام ، ويصافحه عند السلام قال الله تعالى : ( وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها ) [ النساء : 86 ] وقال - صلى الله عليه وسلم - : " والذي نفسي بيده [ ص: 144 ] لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا ، أولا أدلكم على عمل إذا عملتموه تحاببتم " ، قالوا : بلى يا رسول الله ، قال " أفشوا السلام بينكم " وعنه - صلى الله عليه وسلم - : " يسلم الراكب على الماشي وإذا سلم عن القوم واحد أجزأ عنهم " . وكان " أنس " رضي الله عنه يمر على الصبيان فيسلم عليهم ، ويروى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه فعل ذلك ، وروي أنه - صلى الله عليه وسلم - مر في المسجد يوما وعصبة من الناس قعود فأومأ بيده بالسلام ، وقال - صلى الله عليه وسلم - : " إذا انتهى أحدكم إلى مجلس فليسلم فإن بدا له أن يجلس فليجلس ، ثم إذا قام فليسلم فليست الأولى بأحق من الأخيرة " . وروي أن من تمام التحية المصافحة . وقال " الحسن " : " المصافحة تزيد في الود " . ولا بأس بقبلة يد المعظم في الدين تبركا به وتوقيرا له ، وروي أنه - صلى الله عليه وسلم - أذن في تقبيل يده ورأسه . والانحناء عند السلام منهي عنه . والالتزام والتقبيل قد ورد عند القدوم من السفر . والأخذ بالركاب في توقير العلماء ورد به الأثر ، فعل ذلك " ابن عباس " بركاب " زيد بن ثابت " . وقال - صلى الله عليه وسلم - " لا يقم الرجل الرجل من مجلسه ثم يجلس فيه ولكن توسعوا وتفسحوا " . ويستحب للداخل إذا سلم ولم يجد مجلسا أن لا ينصرف بل يقعد وراء الصف . كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالسا في المسجد إذ أقبل ثلاثة نفر : فأقبل اثنان إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فأما أحدهما فوجد فرجة فجلس فيها ، وأما الثاني فجلس خلفهم ، وأما الآخر فأدبر ذاهبا ، فلما فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لهم " ألا أخبركم عن النفر الثلاثة : أما أحدهم فأوى إلى الله فآواه الله ، وأما الثاني فاستحيا فاستحيا الله منه ، وأما الثالث فأعرض فأعرض الله عنه " . وسلمت " أم هانئ " على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : " من هذه " فقيل له : " أم هانئ " فقال عليه السلام : " مرحبا يا أم هانئ " .

[ ص: 145 ] ومنها : أن يصون عرض أخيه ونفسه وماله عن ظلم غيره مهما قدر ، ويرد عنه ويناضل دونه وينصره ، فإن ذلك يجب عليه بمقتضى أخوة الإسلام ، وفي الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما من امرئ مسلم ينصر مسلما في موضع ينتهك فيه عرضه وتستحل حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصره ، وما من امرئ خذل مسلما في موطن تنتهك فيه حرمته إلا خذله الله في موضع يحب فيه نصرته " .

ومنها : تشميت العاطس ، قال عليه السلام في العاطس : " يقول الحمد لله على كل حال " ، ويقول الذي يشمته : " يرحمكم الله " ويرد عليه العاطس فيقول : " يهديكم الله ويصلح بالكم " ويستحب إذا عطس أن يغض صوته ويخمر وجهه ، وإذا تثاءب أن يضع يده على فيه .

ومنها : أنه إذا بلي بذي شر فينبغي أن يجامله ويتقيه ، قال بعضهم : خالص المؤمن مخالصة ، وخالق الفاجر مخالقة ، فإن الفاجر يرضى بالخلق الحسن في الظاهر " . وقال أبو الدرداء : " إنا لنبش في وجوه أقوام وإن قلوبنا لتلعنهم " وهذا معنى المداراة وهو مع من يخاف شره ، قال الله تعالى : ( ادفع بالتي هي أحسن ) [ المؤمنون : 96 وفصلت : 34 ] قال " ابن عباس " في معنى قوله تعالى : ( ويدرءون بالحسنة السيئة ) [ الرعد : 22 ، والقصص : 54 ] أي الفحش والأذى بالسلام والمدارة ، وقال في قوله تعالى : ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض ) [ البقرة : 251 والحج : 40 ] قال : " بالرغبة والرهبة والحياء والمداراة " وقالت " عائشة " رضي الله عنها : " استأذن رجل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " فقال : " ائذنوا له فبئس رجل العشيرة هو " فلما دخل ألان له القول حتى ظننت أن له عنده منزلة ، فلما خرج قلت له : " لما دخل قلت الذي قلت ثم ألنت له القول ! " فقال : " يا عائشة إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة من تركه الناس اتقاء فحشه " وفي الخبر : " ما وقى الرجل به عرضه فهو له صدقة " . وقال " محمد ابن الحنفية " : " ليس بحكيم من لا يعاشر بالمعروف من لا يجد من معاشرته بدا حتى يجعل الله له فرجا " .

ومنها : أن يختلط بالمساكين ويحسن إلى الأيتام ، كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : " اللهم أحيني [ ص: 146 ] مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين " . وقد روي أن " سليمان " عليه السلام في ملكه كان إذا دخل المسجد فرأى مسكينا جلس إليه وقال : " مسكين جالس مسكينا " وفي الخبر : " لا تغبطن فاجرا بنعمة فإنك لا تدري إلام يصير بعد الموت فإن من ورائه طالبا حثيثا " .

وأما اليتيم : " فقال - صلى الله عليه وسلم - : " من ضم يتيما حتى يستغني فقد وجبت له الجنة " وقال - صلى الله عليه وسلم - : " أنا وكافل اليتيم كهاتين " وهو يشير بأصبعيه ، وقال - صلى الله عليه وسلم - : " من وضع يده على رأس يتيم ترحما كانت له بكل شعرة تمر عليها يده حسنة " وقال - صلى الله عليه وسلم - : " خير بيت من المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه ، وشر بيت من المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه " .

ومنها : النصيحة لكل مسلم والجهد في إدخال السرور على قلبه ، قال - صلى الله عليه وسلم - : " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " وعنه : " من أقر عين مؤمن أقر الله عينه يوم القيامة " وعنه : " من فرج عن مؤمن مغموم أو أعان مظلوما غفر له " وعنه : " إن من أحب الأعمال إلى الله إدخال السرور على قلب المؤمن وأن يفرج عنه غما أو يقضي عنه دينا أو يطعمه من جوع " .

ومنها : أن يعود مرضاهم ، وأدب العائد : خفة الجلسة وقلة السؤال وإظهار الرقة والدعاء بالعافية وغض البصر عن عورات الموضع . وعند الاستئذان لا يقابل الباب ، ويدق برفق ، ولا يقول : " أنا " إذا قيل له من ؟ وفي الحديث عنه - صلى الله عليه وسلم - : " إذا عاد المسلم أخاه أو زاره قال الله تعالى : طبت وطاب ممشاك وتبوأت منزلا في الجنة " وعن " عثمان " رضي الله عنه قال : " مرضت فعادني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " بسم الله الرحمن الرحيم . أعيذك بالله الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد من شر ما تجد قاله مرارا " ويستحب للعليل أيضا أن يقول : " أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد " وقال " طاووس " : " أفضل العبادة أخفها " . وجملة أدب المريض حسن الصبر ، وقلة الشكوى والضجر ، والفزع إلى الدعاء ، والتوكل بعد الدواء على خالق الدواء .

ومنها : أن يشيع جنائزهم ، قال - صلى الله عليه وسلم - : " من شيع جنازة فله قيراط من الأجر ، فإن وقف حتى [ ص: 147 ] دفن فله قيراطان والقيراط مثل أحد " - جبل عظيم في المدينة المنورة - والقصد من التشييع قضاء حق المسلمين والاعتبار .

ومنها : أن يزور قبورهم ، والمقصود من ذلك الدعاء والاعتبار وترقيق القلب قال - صلى الله عليه وسلم - : " ما رأيت منظرا إلا والقبر أفظع منه " وعن " حاتم الأصم " : " من مر بالمقابر فلم يتفكر لنفسه ولم يدع لهم فقد خان نفسه وخانهم " . وقال " ميمون بن مهران " : " خرجت مع عمر بن عبد العزيز إلى المقبرة فلما نظر إلى القبور بكى وقال : " يا ميمون هذه قبور آبائي كأنهم لم يشاركوا أهل الدنيا في لذاتهم ، أما تراهم صرعى قد حلت بهم المثلات ، وأصاب الهوام من أبدانهم ، ثم بكى وقال : " والله ما أعلم أحدا أنعم ممن صار إلى هذه القبور وقد أمن من عذاب الله " .

وآداب المعزي : خفض الجناح وإظهار الحزن وقلة الحديث وترك التبسم .

وآداب تشييع الجنازة : لزوم الخشوع وترك الحديث وملاحظة الميت والتفكر في الموت والاستعداد له . والإسراع بالجنازة سنة .

فهذه جمل آداب تنبه على آداب المعاشرة مع عموم الخلق ، والجملة الجامعة فيه : أن لا تستصغر منهم أحدا حيا كان أو ميتا فتهلك لأنك لا تدري لعله خير منك ، فإنه ، وإن كان فاسقا ، فلعله يختم لك بمثل حاله ويختم له بالصلاح ، ولا تنظر إليهم في حال دنياهم بعين التعظيم فإن الدنيا صغيرة عند الله صغير ما فيها ، ولا تبذل لهم دينك لتنال من دنياهم فتصغر في أعينهم ثم تحرم دنياهم ، ولا تعادهم بحيث تظهر العداوة إلا إذا رأيت منكرا في الدين فتعادي أفعالهم القبيحة ، ولا تسكن إليهم في ثنائهم عليك في وجهك وحسن بشرهم لك فقد لا يكون لذلك حقيقة باطنا ، ولا تشك إليهم أحوالك فيكلك الله إليهم ، ولا تطمع أن يكونوا لك في الغيب والسر كما في العلانية فذلك طمع كاذب ، ولا تطمع فيما في أيديهم فتستعجل الذل ، وإذا سألت أخا منهم حاجة قضاها فهو أخ مستفاد ، وإن لم يقض فلا تعاتبه فيصير عدوا تطول عليك مقاساته ، ولا تشتغل بوعظ من لا ترى فيه مخايل القبول فلا يسمع منك ويعاديك ، وليكن وعظه عرضا واسترسالا من غير تنصيص على الشخص ، وإذ بلغك منهم غيبة أو رأيت منهم شرا فكل أمرهم إلى الله واستعذ بالله من شرهم ، ولا تشغل نفسك بالمكافأة فيزيد الضرر ، وكن فيهم سميعا لحقهم أصم عن باطلهم نطوقا بحقهم ، واحذر صحبة أكثر الناس فإنهم لا يقيلون عثرة ولا يغفرون زلة ولا يسترون عورة ، ويحاسبون على النقير والقطمير ويحسدون على القليل والكثير ، ولا تعول على مودة من لم تخبره حق الخبرة بأن تصحبه مدة فتجربه في أحواله ، أو تعامله بالدينار والدرهم أو تقع في شدة فتحتاج إليه أو تسافر معه ، فإن رضيته في هذه [ ص: 148 ] الأحوال فاتخذه أبا لك إن كان كبيرا ، وابنا لك إن كان صغيرا ، أو أخا إن كان مثلا لك ، فهذه جملة آداب المعاشرة مع أصناف الخلق .

التالي السابق


الخدمات العلمية