موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين

القاسمي - محمد جمال الدين القاسمي

صفحة جزء
وأما التشهد : فإذا جلست له فاجلس متأدبا وصرح بأن جميع ما تدلي به من الصلوات والطيبات أي من الأخلاق الطاهرة لله ، وكذلك الملك لله وهو معنى التحيات ، وأحضر في قلبك النبي - صلى الله عليه وسلم - وقل : " سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته " ، وليصدق أملك في أنه يبلغه ويرد عليك ما هو أوفى منه ، ثم تسلم على نفسك وعلى عباد الله الصالحين ، ثم تأمل أن يرد الله سبحانه عليك سلاما وافيا بعدد عباده الصالحين ، ثم تشهد له تعالى بالوحدانية " ولمحمد " [ ص: 41 ] نبيه - صلى الله عليه وسلم - بالرسالة مجددا عهد الله سبحانه بإعادة كلمتي الشهادة ومستأنفا للتحصن بها ، ثم ادع في آخر صلاتك بالدعاء المأثور مع التواضع والخشوع والضراعة والابتهال وصدق الرجاء بالإجابة ، وأشرك في دعائك أبويك وسائر المؤمنين ، واقصد عند التسليم السلام على الملائكة والحاضرين ، وانو ختم الصلاة به ، واستشعر شكر الله سبحانه على توفيقه لإتمام هذه الطاعة ، ثم أشعر قلبك الوجل والحياء من التقصير في الصلاة ، وخف أن لا تقبل صلاتك وأن تكون ممقوتا بذنب ظاهر أو باطن فترد صلاتك في وجهك وترجو مع ذلك أن يقبلها بكرمه وفضله .

هذا تفصيل صلاة الخاشعين ( الذين هم في صلاتهم خاشعون ) [ المؤمنون : 2 ] ( والذين هم على صلواتهم يحافظون ) [ المعارج : 34 ] و ( الذين هم على صلاتهم دائمون ) [ المعارج : 23 ] والذين هم يناجون الله على قدر استطاعتهم في العبودية . فليعرض الإنسان نفسه على هذه الصلوات فبالقدر الذي يسر له منها ينبغي أن يفرح ، وعلى ما يفوته ينبغي أن يتحسر ، وفي مداواة ذلك ينبغي أن يجتهد . وأما صلاة الغافلين فهي مخطرة إلا أن يتغمده الله برحمته . نسأله تعالى أن يتغمدنا برحمته ومغفرته إذ لا وسيلة لنا إلا الاعتراف بالعجز عن القيام بطاعته .

ومفتاح مزيد الدرجات هي الصلوات ، قال الله عز وجل : ( قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون ) [ المؤمنون : 1 ، 2 ] فمدحهم بعد الإيمان بصلاة مخصوصة وهي المقرونة بالخشوع ، ثم ختم أوصاف المفلحين بالصلاة أيضا فقال : ( والذين هم على صلواتهم يحافظون ) [ المعارج : 34 ] ثم قال تعالى في ثمرة تلك الصفات : ( أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون ) [ المؤمنون : 10 ، 11 ] فوصفهم بالفلاح أولا وبوراثة الفردوس آخرا . وما عندي أن هذرمة اللسان مع غفلة القلب تنتهي إلى هذا الحد ، ولذلك قال الله عز وجل في أضدادهم ; ( ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ) [ المدثر : 42 ، 43 ] فالمصلون هم ورثة الفردوس وهم المشاهدون لنور الله تعالى والمتمتعون بقربه ودنوه من قلوبهم ; فنسأل الله أن يجعلنا منهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية