حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
، وذكر المانع الثالث بقوله ( وإن ) تمكن من البيت و ( حصر ) بأمر من الأمور الثلاثة ( عن الإفاضة ) يعني عرفة ، ولو عبر به كان أخصر وأظهر ( أو فاته الوقوف بعرفة بغير ) أي غير ما مر من العدو ، وما معه ( كمرض أو خطأ عدد أو حبس بحق لم يحل ) في ذلك كله ( إلا بفعل عمرة ) إن شاء التحلل ، ولما كان فعل العمرة يوهم أنه يجدد إحراما رفعه بقوله ( بلا ) تجديد ( إحرام ) بالمعنى السابق ، وإلا فلا بد من نية التحلل بها فيطوف ، ويسعى ويحلق بنية التحلل ، ويكفيه الإحرام السابق ، وكان حقه أن يأتي بقوله المتقدم ، وكره إبقاء إحرامه إن قارب مكة أو دخلها هنا فإن هذا محله ( ولا يكفي قدومه ) أي طواف قدومه وسعيه بعده عن طواف العمرة وسعيها التي طلب بها للإحلال بعد الفوات [ ص: 96 ] ( وحبس ) من فاته الوقوف ندبا ( هديه معه ) ليأخذه معه لينحره بمكة إذا تحلل بالعمرة ( إن لم يخف عليه ) من عطبه عنده ، ولو أمكن إرساله فإن خاف عليه بعثه إن أمكن ، وهذا في المريض ، ومن في حكمه كمن حبس بحق ، ولم يصل مكة ( ولم يجزه ) أي من فاته الوقوف هدي قلده أو أشعره قبل الفوات ( عن ) هدي ( فوات ) للحج سواء بعثه إلى مكة أو أبقاه حتى أخذه معه ; لأنه بالتقليد والإشعار وجب لغير الفوات فلا يجزي عن الفوات بل عليه هدي آخر للفوات .

( وخرج ) وجوبا كل من فاته الحج وتمكن من البيت ، وأراد التحلل بعمرة ( للحل ) ، ويلبي منه من غير إنشاء إحرام ( إن أحرم ) بحجة أو لا ( بحرم أو أردف ) الحج فيه ليجمع في إحرامه لتحلله بين الحل والحرم ويقضي حجه في العام القابل ( وأخر دم الفوات ) الذي ترتب عليه لأجله ( للقضاء ) أي لعامه ليجتمع له الجابر النسكي والمالي ، وأفهم كلامه وجوب القضاء ولو كان الفائت نفلا ، وهو كذلك بخلاف ما إذا حصره العدو عن النفل فلا قضاء ( وأجزأ إن قدم ) عام الفوات وخاف الواجب ( وإن أفسد ) إحرامه أولا ، وقلنا يجب إتمامه فتمادى ( ثم فات أو بالعكس ) بأن فاته ثم أفسده قبل شروعه في عمرة التحلل بل ( وإن ) حصل منه الإفساد ( بعمرة التحلل ) أي شرع فيها فلم يتمها حتى أفسد ( تحلل ) وجوبا في الصورتين ، ولا يجوز له البقاء على إحرامه لما فيه من التمادي على الفساد وخرج إلى الحل إن أحرم بحرم أو أردف فيه على ما تقدم ( وقضاه ) أي الحج ( دونها ) أي العمرة في الصورة الثانية فلا يقضيها ; لأنها في الحقيقة تحلل لا عمرة ( وعليه ) في الصورتين ( هديان ) هدي للفوات يؤخره للقضاء ، وهدي للفساد [ ص: 97 ] يؤخره أيضا ، وعليه هدي ثالث أيضا لقران القضاء أو تمتعه إن كان أحرم أولا متمتعا أو مفردا ، وقضى متمتعا أو أحرم أولا قارنا ، وقضى قارنا ، ولا هدي في القران أو التمتع الفاسد كما أشار له بقوله ( لا ) يجب ( دم قران ومتعة ) الواو بمعنى أو ( للفائت ) ; لأنه آل أمره إلى عمرة ، ولم يتم القران أو التمتع ( ولا يفيد ) المحرم ( لمرض ) أصالة بأن يكون صحيحا ، وينوي إن مرض تحلل أو زيادة بأن يكون مريضا ، وينوي إن زاد عليه المرض تحلل ( أو غيره ) كعدو أو حبس ( نية التحلل ) من الإحرام ( بحصوله ) أي المانع من إتمام الحج ، والباء سببية متعلقة بالتحلل أي فهو عند حصوله باق على إحرامه حتى يحدث نية التحلل على الوجه المتقدم ، ولا تكفيه النية السابقة على وجود العذر .


( قوله : بأمر من الأمور الثلاثة ) أي العدو والفتنة والحبس ظلما ( قوله : يعني عرفة ) أي فسماها إفاضة مجازا من إطلاق اسم المسبب على السبب ، وذلك ; لأن طواف الإفاضة يتسبب عن الدفع من عرفة قاله عبق ( قوله : أو فاته الوقوف بغير ) قال ح هذا ، وإن كان كالحصر عن الوقوف في كونه لا يحل إلا بفعل عمرة لكن يخالفه المحصر من جهة أنه لا قضاء عليه للتطوع كالمحصر عنهما المتقدم بخلاف من فاته الوقوف فعليه القضاء ، ولو كان تطوعا كما في النوادر وغيرها . ا هـ . بن ( قوله : أو خطأ عدد ) صورته كما قال ابن عبد السلام أن يعلموا أول الشهر ثم إنهم سهوا ووقفوا في الثامن ، ولم يتبين لهم الخطأ إلا بعد مضي العاشر ( قوله : أو حبس بحق ) قيد بقوله بحق ; لأن هذا من أمثلة قوله بغير ، ومفهومه دخل في قوله ، وإن حصر بأمر من الأمور الثلاثة عن الإفاضة ( قوله : إن شاء التحلل ) أي ، وإن شاء بقي على إحرامه للعام القابل لكن إن دخل مكة أو قاربها فالأفضل له التحلل ، ويكره بقاؤه لقابل ، وإن كان بعيدا عنها فيخير بين البقاء والإحلال على حد سواء ( قوله : بالمعنى السابق ) أي ، وهو نية الدخول في حرمات العمرة ( قوله : ولا يكفي إلخ ) أي ، ولا يكفي طواف القدوم والسعي بعده الحاصلين قبل الفوات عن طواف وسعي العمرة التي ينوي بها التحلل بعد الفوات .

قال خش لعل هذا مبني على القول بأن إحرامه لا ينقلب عمرة من أوله [ ص: 96 ] بل من وقت نية فعل العمرة ، وقد ذكر ح الخلاف في هذا فقال قال في العتبية عن ابن القاسم إن أتى عرفة بعد الفجر فليرجع إلى مكة ، ويطوف ، ويسعى ويحلق ، وينوي بها عمرة ، وهل تنقلب عمرة من أصل الإحرام أو من وقت ينوي فعل العمرة مختلف فيه . ا هـ .

فقد ذكر الخلاف وبين أن محله إذا نوى العمرة . ( قوله : وحبس إلخ ) حاصله أن المريض والمحبوس بحق إذا فات كلا منهما الوقوف ، وكان معه هدي ساقه في إحرامه تطوعا أو لنقص فلا يخلو إما أن يخاف عليه العطب إذا بقي عنده لطول زمن المرض والحبس أو لا يخاف عليه العطب ، وفي كل إما أن يجد من يرسله لمكة أو لا فإن كان لا يخاف عليه إذا بقي فإنه يحبسه عنده رجاء أن يخلص ، وينحر هديه في محله أمكنه إرساله لمكة أو لا ، وإن كان يخاف عليه إذا بقي عنده إن أمكنه إرساله لمكة أرسله ، وإلا ذبحه في أي محل كان . وأما إن كان المانع له من الوقوف عدوا أو فتنة أو حبسا ظلما فمتى قدر على إرساله لمكة بأن وجد من يرسله معه إليها أرسله كأن يخاف عليه العطب إذا بقي عنده أم لا ، وإن لم يجد من يرسله معه ذبحه في أي محل كان كأن يخاف عليه العطب إذا بقي عنده أم لا فعلم أن الهدي لا يحبس معه إلا إذا كان الفوات لمرض أو حبس بحق ، وكان لا يخاف عليه إذا بقي عنده ، ولا يحبس في غير ذلك .

واعلم أن حبس هدي المريض والمحبوس بحق مندوب ، سواء كان الهدي واجبا أو تطوعا كما في نقل ح عن سند ، وقال الشيخ سالم الحبس واجب في الهدي الواجب ، ومندوب في هدي التطوع ، وجعل الشيخ أحمد الزرقاني الحبس واجبا ، وأطلق ولكن حمل عج كلامه على الهدي الواجب وحينئذ فيكون موافقا للشيخ سالم وشارحنا مشى على كلام سند والأظهر ما قاله الشيخ سالم كما قرره شيخنا ( قوله : ولم يجزه عن فوات ) حاصله أن من أحصر عن الوقوف حتى فاته الحج ، وكان عنده هدي تطوع قلده أو أشعره وساقه في إحرامه قبل فوات الحج فإنه لا يجزئه عن دم الفوات سواء بعثه إلى مكة أو تركه عنده حتى أخذه معه لينحره بمكة إذا تحلل بالعمرة ، وأخذه معه في حجة القضاء ; لأن ذلك الهدي بالتقليد أو الإشعار وجب لغير الفوات فلا يجزئ عنه بل يلزمه هدي آخر للفوات مع حجة القضاء ( قوله : حتى أخذه معه ) أي لينحره بمكة إذا تحلل بالعمرة أو أخذه معه في حجة القضاء ( قوله : من غير إنشاء إحرام ) أي نية الدخول في حرمات العمرة . ( قوله : إن أحرم بحرم ) أي إن أحرم بالحج مفردا من الحرم لكونه مقيما بمكة أو كان آفاقيا ، ودخل مكة محرما بعمرة ثم أردف الحج على العمرة في الحرم قبل طواف العمرة أو فيه ( قوله : ليجمع في إحرامه إلخ ) علة لقوله وخرج للحل إلخ ( قوله : ويقضي حجه في العام القابل ) أي ، ويقضي ذلك الذي فاته الوقوف وتحلل بعمرة ، حجه في العام القابل إذا كان الفوات لمرض أو خطأ عدد أو حبس بحق ، وأما لو كان فوات الوقوف لعدو أو فتنة أو حبس ظلما فلا يطالب بالقضاء ، وهذا في التطوع ، وأما حجة الفرض فلا بد من قضائها مطلقا .

( قوله : ما إذا حصره العدو ) أي أو الفتنة أو الحبس ظلما .

( قوله : فتمادى ) أي على ذلك الإحرام الفاسد ليتمه ( قوله : تحلل وجوبا ) أي بعمرة فيغلب الفوات على الفساد ، سواء كان ذلك الفساد سابقا على الفوات أو كان لاحقا له ، ولا يغلب الفساد بحيث يطالب بإتمام المفسد ( قوله : وخرج إلى الحل ) أي ، وإذا أراد أن يتحلل خرج إلى الحل إلخ ( قوله : في الصورة الثانية ) أي ما إذا حصل منه الإفساد بعد أن شرع في عمرة التحلل ( قوله : لأنها في الحقيقة تحلل لا عمرة ) أي بدليل ما مر من عدم تجديد إحرام لها ( قوله : وعليه هديان ) أي إن [ ص: 97 ] قضى مفردا سواء كان أحرم أولا مفردا أو متمتعا ، وأما لو كان أحرم أولا متمتعا ، وقضى متمتعا أو كان أحرم أولا قارنا ، وقضى قارنا أو كان أحرم أولا مفردا ، وقضى متمتعا فعليه ثلاث هدايا في كل صورة من هذه الصور الثلاث هدي للفساد ، وهدي للفوات ، وهدي للقران أو التمتع الحاصل في القضاء ، ولا شيء عليه في القران أو التمتع الفاسد الذي فات كما أشار له المصنف بقوله لا دم قران أو متعة للفائت ، وهذا حاصل قول الشارح ، وعليه دم ثالث إلخ ( قوله : يؤخره أيضا ) الذي ذكره شيخنا أن هدي الفساد يقدمه ، وهدي الفوات يؤخره إلى القضاء ، وكذلك في شرح العمروسي ( قوله : لأنه آل أمره ) أي أمر كل منهما ( قوله : ولا يفيد إلخ ) حاصله أن الإنسان إذا نوى عند إحرامه أو شرط باللفظ أنه متى حصل له مرض أو حصر من عدو أو من فتنة أو حبس ظلما أو بحق أو غير ذلك من كل ما يمنعه من تمام نسكه كان متحللا من غير تجديد نية التحلل في الحصر عن الأمرين معا ، ومن غير فعل عمرة في الحصر عن الوقوف فإن تلك النية ، وذلك الاشتراط لا يفيده ، ولو حصل له ذلك المانع فهو عند وجوده باق على إحرامه حتى يحدث نية التحلل أو يتحلل بعمرة على ما مر تفصيله ، وإنما كان ذلك لا يفيده ; لأنه شرط مخالف لسنة الإحرام ، وهذا هو المذهب خلافا لمن قال إن تلك النية السابقة أو الشرط السابق يفيده حينئذ فلا يحتاج لنية تحلل أو لإحداث عمرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية