حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
ثم شرع يتكلم على الجزية وأحكامها فقال درس ( فصل ) عقد الجزية ( عقد الجزية ) [ ص: 201 ] ( إذن الإمام لكافر ) ، ولو قرشيا ( صح سباؤه ) بالمد أي أسره وخرج بالإمام غيره فلا يصح عقدها منه إلا بإذن الإمام وخرج بقوله صح سباؤه المرتد فلا يصح سباؤه ; لأنه لا يقر على ردته والمعاهد قبل انقضاء عهده والراهب والراهبة الحران ( مكلف ) فلا تؤخذ من صغير ، ومجنون ( حر ) لا من عبد فإن بلغ الصبي أو عتق العبد أو أفاق المجنون أخذت منه ولا ينتظر حول بعد البلوغ ، وكذا ما بعده ، ومحل أخذها منهم إن تقدم لضربها على الأحرار حول فأكثر وتقدم له ، هو عندنا حول صبيا أو عبدا ( قادر ) على أدائها ولو بعضا فلا يؤخذ من معدم شيء منها ( مخالط ) لأهل دينه ولو راهب كنيسة أو شيخا فانيا أو زمنا أو أعمى لا من راهب منعزل بدير مثلا لا رأي له وإلا قتل ، ولا يبقى حتى تضرب عليه الجزية ( لم يعتقه مسلم ) ببلد الإسلام فإن أعتقه كافر أو مسلم ببلد الحرب أخذت منه ( سكنى ) معمول أذن أي أذن الإمام في سكنى ( غير مكة والمدينة ) ، وما في حكمهما من أرض الحجاز ( واليمن ) ; لأنه من جزيرة العرب المشار إليها بقوله صلى الله عليه وسلم { لا يبقين دينان بجزيرة العرب } ( ولهم الاجتياز ) بجزيرة العرب غير مقيمين وكذا لهم إقامة ثلاثة أيام لمصالحهم إن دخلوا لمصلحة كجلب طعام ( بمال ) متعلق بسكنى أي أذن الإمام لكافر أن يسكن في غير جزيرة العرب على ما يبذلونه له بل في الحقيقة الجزية نفس المال المضروب عليهم لاستقرارهم تحت حكم الإسلام وصونهم ( للعنوي أربعة دنانير ) شرعية إن كان من أهل الذهب ( أو أربعون درهما ) شرعيا إن كانوا من أهل الفضة ، وأهل مصر أهل ذهب ، وإن تعومل فيها بالفضة [ ص: 202 ] ( في ) كل ( سنة ) قمرية ( والظاهر ) عند ابن رشد أخذها ( آخرها ) أي السنة كما هو نص الشافعي ، وهو القياس كالزكاة ، وقال أبو حنيفة أولها ، وكذلك الصلحية إذا وقعت مبهمة ( ونقص الفقير ) ، وأخذ منه ( بوسعه ) ، ولو درهما فإن أيسر بعد لم يؤخذ منه ما نقص لضيقه ( ولا يزاد ) على ما ذكر لكثرة يسار ( وللصلحي ) ، وهو من فتحت بلده صلحا ( ما شرط ) ورضي به الإمام أو نائبه فإن لم يرض الإمام فله مقاتلته ولو بذل أضعاف العنوي ( وإن أطلق ) في صلحه ( فكالأول ) أي فعليه بذل ما يلزم العنوي ( والظاهر ) عند ابن رشد ( إن ) ( بذل ) الصلحي القدر ( الأول ) ( حرم قتاله ) وإن لم يرض الإمام ، وهذا مقابل لقوله وللصلحي ما شرط أي مع رضا الإمام والمعتمد الأول ، وكان حقه أن يعبر بالفعل ; لأنه من عنده لا من الخلاف .


( فصل : عقد الجزية ) ( قوله : عقد الجزية إلخ ) الإضافة على معنى اللازم أي العقد المنسوب للجزية فاندفع ما يقال الجزية اصطلاحا هي المال المأخوذ منهم فلا معنى لإضافة العقد إليه وإضافة العقد للجزية من إضافة المشروط للشرط ; لأن المراد بالعقد كما في الجواهر التزام تقريرهم في دارنا وحمايتهم والذب [ ص: 201 ] عنهم بشرط بذل الجزية والجزية العنوية ما لزم الكافر من مال لأمنه باستقراره تحت حكم الإسلام وصونه ( قوله : إذن الإمام ) لا بد في الكلام من حذف لأجل صحة الإخبار أي سبب عقد الجزية إذن الإمام ، أو عقد الجزية سببه إذن الإمام أو نائبه بلفظ أو إشارة مفهمة ( قوله : ولو قرشيا ) أي فتؤخذ الجزية منهم على الراجح قال المازري إنه ظاهر المذهب وهو مقتضى إطلاق المصنف ، وهذه طريقة ولابن رشد طريقة أخرى لا تؤخذ منهم إجماعا إما لمكانتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ; لأن قريشا أسلموا كلهم فإن وجد منهم كافر فمرتد ، وإذا ثبتت الردة فلا تؤخذ منهم ( قوله : فلا يصح عقدها منه إلا بإذن الإمام ) أي : لكنه وإن كان غير صحيح بغير إذن الإمام إلا أنه يمنع القتل والأسر وحينئذ فيرد لمأمنه حتى يعقدها معه الإمام أو نائبه .

( قوله : فلا يصح سباؤه ) علة لمحذوف أي فلا تؤخذ منه ; لأنه لا يصح إلخ ( قوله : والمعاهد ) أي وخرج المعاهد ، وهو الذي دخل بلادنا بأمان لقضاء غرض ثم يرجع لبلاده فلا تؤخذ منه الجزية ; لأنه لا يصح سباؤه ، وكذلك الراهب ( قوله : حر ) لعل المصنف استغنى بتذكير الأوصاف عن اشتراط الذكورية ، وإلا فالأنثى لا تضرب الجزية عليها خلافا لظاهره ( قوله : ولا ينتظر حول ) أي تمام الحول ( قوله : وكذا ما بعده ) أي ، ولا بعد الإفاقة ، ولا بعد العتق ( قوله : ومحل أخذها منهم ) أي من الصبي إذا بلغ ، والمجنون إذا أفاق ، والعبد إذا عتق ، ولا ينتظر حول بعد ذلك إن تقدم إلخ فإن اختل شرط من الشرطين انتظر الحول بعد البلوغ والإفاقة والعتق ( قوله : وإلا قتل ) أي : وإلا بأن كان له رأي ( قوله : ولا يبقى إلخ ) فيه نظر بل للإمام الاجتهاد فيه بالقتل وغيره كما تقدم . ا هـ بن .

( قوله : لم يعتقه مسلم ) اعلم أن العبد الكافر إذا عتق لا يخلو إما أن يعتق بدار الحرب وهذا تضرب عليه الجزية ; لأنه كواحد منهم سواء أعتقه حربي أو ذمي أو مسلم ، وإما أن يعتق بدار الإسلام وهذا إذا أعتقه مسلم لا تضرب عليه إلا إذا حارب وأسر ، وهذا خارج بقوله صح سباؤه ، وإن أعتقه ذمي ضربت عليه تبعا لسيده وإن كان لا يصح سباؤه ، وهذا وارد على المصنف فلو قال صح سبيه أو أعتقه ذمي لوفي به ، إذا علمت هذا فقوله : لم يعتقه مسلم لا حاجة إليه بعد قوله صح سباؤه لإغنائه عنه بل هو مضر لاقتضائه أن عتيق المسلم إذا حارب لا تضرب عليه . ا هـ . بن .

( قوله : وأخذت منه ) أي وأما لو أعتقه مسلم ببلد الإسلام فلا تضرب عليه إلا إذا حارب وأسر ( قوله : لأنه ) أي اليمن ( قوله : ولهم الاجتياز ) أي المرور وظاهره : ولو لغير حاجة ككون طريقه من غيرها أقرب .

قوله : ( وكذا لهم إقامة ثلاثة أيام ) ليس هذا تحديدا بل لهم إقامة الأيام القلائل بنظر الإمام إن احتاجوا لذلك وكان دخولهم لمصلحة كما لو دخلوا بطعام واحتاجوا لإقامة الأيام لاستيفاء ثمنه وقضاء حوائجهم ( قوله : للعنوي ) أي على العنوي ، وهو نسبة للعنوة ، وهي القهر والغلبة ( قوله : أربعة دنانير شرعية ) أي ، وهي أكبر من دنانير مصر لأن الدينار الشرعي أحد وعشرون حبة خروب وسبع حبة ونصف سبع حبة ، وأما الدينار المصري فثمان عشرة حبة فتكون الأربعة دنانير الشرعية أربعة دنانير مصرية وثلثي دينار وثلاثة أسباع تسع دينار ( قوله : أو أربعون درهما شرعيا ) أي ، وهي أقل من دراهم مصر ; لأن الدرهم الشرعي أربعة عشرة خروبة وثمانية أعشار خروبة ونصف عشر خروبة والمصري ست عشرة خروبة فزيادة الأربعين المصرية على الأربعين الشرعية ست وأربعون خروبة ، وهي [ ص: 202 ] درهمان بالمصري وسبعة أثمان درهم فيكون الأربعون درهما شرعية سبعة وثلاثين مصرية وثمن درهم ( قوله : في كل سنة قمرية ) أي لا شمسية لئلا تضيع على المسلمين سنة في كل ثلاث وثلاثين سنة ( قوله : ونقص الفقير ) أي عند الأخذ لا عند الضرب لأنها لا تضرب إلا كاملة قاله شيخنا ( قوله : مبهمة ) أي غير معين وقتها فإنها تؤخذ آخر السنة ( قوله : لم يؤخذ منه ما نقص لضيقه ) أي ما نقصناه أولا لأجل ضيقه .

( قوله : وللصلحي ) أي ، وعلى الصلحي فاللام بمعنى على ، وقوله : ما شرط يحتمل جعل ضمير شرط راجعا للإمام أي على الصلحي المال الذي شرطه الإمام ، وعلى هذا فلا يحتاج لزيادة ورضي به الإمام ، ويحتمل رجوعه للصلحي ، وعليه فلا بد من ذلك القيد ، ولا قرينة في كلام المصنف عليه فالاحتمال الأول أولى كما قال اللقاني ( قوله : فله مقاتلته ) أي على المذهب كما قال البدر ، وهو قول ابن حبيب ( قوله : وإن أطلق في صلحه ) أي لم يعين قدرا معلوما بأن وقع الصلح على الجزية مبهمة ، ( وقوله : فعليه بذل ما يلزم العنوي ) أي ، وهو أربعة دنانير أو أربعون درهما في كل سنة . ( قوله : والمعتمد الأول ) أي ، وهو أنه إذا لم يرض الإمام بما بذله فله مقاتلته سواء بذل القدر الأول أو أكثر منه .

والحاصل أن الإمام تارة يصالحهم على الجزية مبهمة من غير أن يبين قدرها ، وفي هذه الحالة يلزمه قبول جزية العنوي إذا بذلوها ، وتارة يتراضى معهم على قدر معين وفي هذه الحالة يلزمهم ما تراضوا عليه معه ، وتارة لا يتراضون معه على قدر معين ولا على الجزية مبهمة ، وفي هذه الحالة إذا بذلوا الجزية العنوية هل يلزمه قبولها أو لا قولان الأول لابن رشد ورجحه بن والثاني لابن حبيب ورجحه البدر القرافي .

التالي السابق


الخدمات العلمية