حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
ولما فرغ من الكلام على الولي المجبر شرع في تفصيل غير المجبر المشار إليه بقوله : ثم لا جبر فقال ( وقدم ) عند اجتماع أولياء غير مجبرين ( ابن ) ، ولو من زنا إن لم تكن مجبرة ( فابنه ) ، وإن سفل ( فأب فأخ ) لأب ( فابنه ) ، وإن سفل ( فجد ) لأب ( فعم فابنه ) ( وقدم ) في الأخ أو ابنه والعم أو ابنه ( الشقيق ) على الذي للأب ( على الأصح والمختار ) عند اللخمي لقوة الشقيق على الذي للأب ( فمولى ) أعلى وهو من أعتقها أو أعتق من أعتقها أو أعتق أباها ( ثم هل ) بعده المولى ( الأسفل ) وهو من أعتقته المرأة ( وبه فسرت ) المدونة ( أو لا ) ولاية له أصلا عليها ( وصحح ) وهو القياس ; لأن الولاية هنا إنما تستحق بالتعصيب قاله المصنف ( فكافل ) وهو القائم بأمورها حتى بلغت عنده أو بلغت عشرا بشروطها المتقدمة ( وهل ) محل تحقق ولايته عليها ( إن كفل ) المرأة ( عشرا ) من الأعوام ( أو أربعا أو ) إن كفل ( ما ) أي زمنا ( يشفق ) فيه أن يحصل فيه الشفقة بالفعل عليها ( تردد ) أظهره الأخير ( وظاهرها ) أي المدونة ( شرط الدناءة ) للمرأة المكفولة بأن يكون لا قدر لها وإلا فلا يزوجها إلا الحاكم والكافل حينئذ من جملة عامة المسلمين والمعتمد ظاهرها فشرط ولاية الكافل أمر إن مضى زمن يشفق فيها ودناءتها ( فحاكم ) هو السلطان أو القاضي إن كان لا يأخذ دراهم على تولية العقد وإلا فعدم فيزوجها بإذنها [ ص: 226 ] إن ثبت عنده صحتها أو خلوها مع مانع وأنه لا ولي لها أو عضلها أو غاب عنها غيبة بعيدة ورضاها بالزوج وأنه كفؤها في الدين والحرية والحال والمهر في غير المالكة أمر نفسها ، وأما الرشيدة فلها إسقاط الكفاءة فيما ذكر ( فولاية عامة مسلم ) أي فإن لم يوجد من ذكر فيتولى عقد نكاحها أي فرد من المسلمين بإذنها حيث علم خلوها من موانع النكاح ودخل في ذلك الزوج فيتولى الطرفين كما يأتي ( وصح ) النكاح ( بها ) أي بالولاية العامة ( في ) تزويج امرأة ( دنيئة ) كمسلمانية ومعتقة وفقيرة سوداء غير ذات نسب ولا حسب والظاهر أنها إن عدمت النسب والحسب فدنيئة ، ولو كانت جميلة ذات مال ( مع ) وجود ولي ( خاص ) ممن تقدم ( لم يجبر ) ، ولو لم يدخل الزوج بها فإن وجد المجبر لم يصح حتى في الدنيئة ( كشريفة ) أي كما يصح بالولاية العامة مع خاص لم يجبر في شريفة أي ذات قدر من حسب وعلو نسب وجمال ومال ( دخل ) الزوج بها ( وطال ) بأن ولدت ولدين غير توأمين أو مضى قدر ذلك كثلاث سنين ( وإن قرب ) في الشريفة بعد الدخول ( فللأقرب ) عند اجتماع أقرب وأبعد وللبعيد عند عدم القريب ( أو الحاكم إن ) عدم الولي العاصب أو وجد و ( غاب ) على ثلاثة أيام فأكثر ( الرد ) فإن غاب غيبة قريبة كتب إليه الحاكم ويوقف الزوج عنها ( وفي تحتمه ) أي تحتم الرد أي فسخ النكاح ( إن طال ) الزمن .

( قبله ) أي قبل الدخول دخل أم لا فقوله : قبله متعلق بطال وعدم تحتمه فللولي الإجازة وهو الظاهر والطول بالعرف ( تأويلان ) ( و ) صح النكاح حال وجود أولياء أقرب وأبعد [ ص: 227 ] ( بأبعد مع ) وجود ( أقرب ) كعم مع أخ وأب مع ابن وكغير شقيق مع شقيق ( إن لم يجبر ) الأقرب وإلا لم يصح على تفصيل يأتي في قوله : وإن أجاز مجبر إلخ ( ولم يجز ) راجع لقوله وصح بها وما بعده وشبه في الصحة فقط قوله : ( كأحد المعتقين ) ككل وليين متساويين غير مجبرين كعمين أو أخوين دون عدم الجواز ، إذ يجوز ابتداء على المرضي ، وأما المجبران كوصيين وشريكين في أمة فلا بد من الفسخ ، وإن أجاز الآخر .


( قوله : وقدم ابن ) أي وجوبا على الراجح وقيل : ندبا وعليهما يتخرج ما يأتي في قوله وصح بأبعد مع أقرب إن لم يجبر ولم يجز فروعي القول بوجوب الترتيب فحكم بعدم الجواز عند فقده وروعي القول بالندب فحكم بالصحة كذا قيل ، وقد يقال : إنه واجب غير شرط وهو المناسب لقوله ولم يجز وحينئذ فالصحة على كلا القولين تأمل .

( قوله : ولو من زنا ) أي بأن ثيبت البالغ بنكاح صحيح ، ثم زنت وأتت بولد فيقدم على الأب ، وأما إذا ثيبت بزنا وأتت منه بابن فإن الأب يقدم عليه ; لأنها في تلك الحالة مجبرة للأب كما يفهم مما مر إذا لم يفرق في الحرام بين أن ينشأ عنه ابن أم لا .

( قوله : وإن لم تكن مجبرة ) أي وإلا قدم المجبر على الابن سواء كان المجبر أبا أو وصيا .

( قوله : فأب ) أي شرعي أي وأما الأب الزاني فلا عبرة به كالأب من الرضاع .

( قوله : فأخ لأب ) صادق بأن يكون شقيقا أو لأب فقط وخرج الأخ للأم فإنه لا ولاية له خاصة ، وإن كان له ولاية من جهة أنه من أفراد عامة المسلمين .

( قوله : فأخ فابنه فجد ) ما ذكره من تقديم الأخ وابنه على الجد هنا كالولاء وإمامة الجنازة هو المشهور ومقابله أن الجد وأباه ، وإن علا يقدمان على الأخ وابنه قال عج :

بغسل وإيصاء ولاء جنازة نكاح أخا وابنا على الجد قدم     وعقل ووسطه بباب حضانة
وسوه مع الآباء في الإرث والدم

، ثم يلي ابن العم أبو الجد فعم الأب وهكذا يقدم الأصل على فرعه وفرعه على أصل أصله وقيل : إن الجد ، وإن علا يقدم على العم أي على عمها وابنه وعلى عم أبيها وابنه وعلى عم جدها وابنه .

( قوله : على الأصح ) أي عند ابن بشير والمختار أي عند اللخمي وهو قول مالك وابن القاسم وسحنون ومقابله وما رواه علي بن زياد عن مالك أن الشقيق من الإخوة وغيره في مرتبة واحدة فيقترعان عند التنازع فتبين أن الخلاف إنما هو منصوص في الأخوين كما قاله شيخنا .

( قوله : وهو من أعتقها ) أي وعصبته المتعصبون بأنفسهم ، وكذا يقال فيمن أعتق من أعتقها أو أعتق أباها ; لأن كلا من الثلاثة المذكورين وعصبته المتعصبين بأنفسهم يصدق عليه أنه مولى أعلى وترتيب عصبة كل واحد من المتعصبين بأنفسهم كترتيب عصبتها .

( قوله : إنما تستحق بالتعصيب ) أي والعتيق ليس من عصبتها وإنما لم يعبر المصنف بقولان ; لأن الثاني أصح من الأول ولم يقل خلاف ; لأنه إنما يعبر به إذا كان كل من القولين قد شهر وما هنا ليس كذلك .

( قوله : فكافل ) المراد بالمكفولة كما قال شيخنا من مات أبوها وغاب أهلها .

وحاصله أن البنت إذا مات أبوها وغاب أهلها وكفلها رجل أي قام بأمورها حتى بلغت عنده سواء كان مستحقا لحضانتها شرعا أو كان أجنبيا فإنه يثبت له الولاية عليها ويزوجها بإذنها فإن مات زوج المكفولة أو طلقها فهل تعود ولاية الكافل أو لا تعود . ثالثها تعود إن كان فاضلا ورابعها تعود الولاية إن عادت المرأة لكفالته وأشعر إتيان المصنف بالوصف مذكرا أن المرأة الكافلة لا ولاية لها وهو المذهب وقيل : لها الولاية لكنها لا تباشر العقد بل توكل من يعقد لمكفولتها .

( قوله : بشروطها ) أي بالشروط التي بلغت عشرا .

( قوله : وأظهره الأخير ) قال أبو محمد صالح : أقل الكفالة التي تثبت بها الولاية أربع سنين وقيل : عشر سنين والأولى أن لا تحد إلا بما يوجب الحنان والشفقة ا هـ أبو الحسن .

( قوله : وإلا ) أي بأن كان لها قدر بأن كانت ذات مال أو جمال .

( قوله : من جملة عامة المسلمين ) أي فلا يزوجها إلا عند عدم الحاكم حقيقة أو حكما .

( قوله : والمعتمد ظاهرها ) أي وقيل : إنه لا يشترط في ولاية الكافل الدناءة بل ولايته عامة للدنيئة والشريفة [ ص: 226 ] وما ذكره الشارح من أن المعتمد ظاهرها تبع فيه عج ، وقد اعتمد الشيخ إبراهيم اللقاني والبدر القرافي مقابله فكل من القولين قد رجح .

( قوله : إن ثبت عنده صحتها ) أي خلوها من المرض وقوله : وخلوها من مانع أي كالإحرام والعدة ( وقوله : وإنه كفؤها في الدين ) أي التدين والعمل بالأحكام الشرعية بحيث لا يكون شريبا ولا فاسقا .

( قوله : والحال ) أي السلامة من العيوب ، ولو من غير ما يوجب الخيار ، وقيل : إن المراد مساواته لها فيما هي عليه من صفات الكمال فهما تقريران والظاهر أن المراد ما هو أعم .

( قوله : والمهر ) أي وأن يثبت أن المهر مهر مثلها .

( قوله : في غير المالكة إلخ ) أي وإثبات الكفاءة في الأمور المذكورة إنما يحتاج له في غير المالكة إلخ .

( قوله : وأما الرشيدة ) أي وهي المالكة لأمر نفسها وقوله : فلها إسقاط إلخ أي فلا يحتاج في حقها لإثبات الكفاءة فيما ذكر ; لأن لها إسقاط إلخ .

( قوله : فيما ذكر ) أي من الدين والحرية والحال ومهر المثل .

. ( تنبيه ) لو عقد الحاكم من غير بحث عن هذه الأمور صح ما لم يثبت ما يبطل العقد .

( قوله : فولاية عامة مسلم ) المراد بالمسلم الجنس وإضافة عامة له من إضافة المؤكد بالكسر للمؤكد بالفتح أي فولاية المسلمين عامتهم أي كلهم فلا يختص بتلك الولاية شخص دون آخر بل لكل واحد فيها مدخل كانت المرأة شريفة أو دنيئة لقوله تعالى { والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض } ومتى قام بها واحد سقط عن الباقي على طريق الكفاية .

( قوله : وصح بها إلخ ) ظاهره عدم الجواز ابتداء ، وإن صح بعد الوقوع والحق الجواز كما هو نص المدونة وابن فتوح وابن عرفة وغيرهم .

( قوله : كمسلمانية ومعتقة ) ظاهره ، ولو كانت كل منهما ذات مال وجمال وحسب وهو ما قاله عج قال بن وهو غير صحيح ، إذ الذي في كلام زروق أن المسلمانية والمعتقة إنما تكون دنيئة إذا كانت غير معروفة بالمال والجمال والحسب ، ونصه فإن زوج بالولاية العامة مع وجود الخاصة فإن كانت دنيئة كالسوداء والمسلمانية ومن في معناهما ممن لا يرغب فيه لحسب ولا مال ولا جمال صح ا هـ ومقتضاه أن من يرغب فيها منهن لواحد مما ذكر فشريفة وهو ظاهر .

( قوله : ولا حسب ) هو ما يعد من مفاخر الآباء كالكرم والصلاح .

( قوله : والظاهر أنها ) أي المرأة وقوله : إن عدمت النسب أي علو النسب . وقوله : فدنيئة ، ولو كانت جميلة ذات مال أي ، وأما إن كانت ذات نسب وحسب كانت شريفة ، ولو فقيرة غير جميلة وهذا غير معول عليه بل المعول عليه ما قاله زروق .

( قوله : لم يجبر ) أي وأما لو عقد النكاح بالولاية العامة مع وجود الولي الخاص المجبر كالأب في ابنته والسيد في أمته كان النكاح فاسدا ويفسخ أبدا ، ولو أجازه المجبر .

( قوله : فللأقرب الرد ) أي وله الإجازة ، قال عبق فإن سكت الولي عند عقد الأجنبي لها مع حضوره العقد فهو إقرار له قال بن وفيه نظر فقد ذكر ابن لب عن ابن الحاج أنه لا اعتبار برضا الأقرب إذا لم يتول العقد ولا قدم من تولاه ولا يعد هذا إقرارا للنكاح ذكره في نوازله في عقد النكاح الخالي مع حضور الأخ الشقيق ورضاه دون تقديم منه .

( قوله : قبل الدخول ) أي وبعد العقد أي إن طال ما بين العقد والبناء حاصله أنه إذا عقد للشريفة بالولاية العامة مع وجود الولي الخاص غير المجبر وطال الزمان بعد العقد وقبل الدخول دخل أم لا فهل يتحتم الفسخ أو لا يتحتم ويخير الولي بين الإجازة والرد تأويلان وعلى التأويل الأول من تحتم الفسخ فانظر هل بطلاق أو بغيره .

( قوله : تأويلان ) الأول لابن التبان والثاني لابن سعدون .

( قوله : وصح ) أي مراعاة للقول بندب الترتيب المتقدم أو أن [ ص: 227 ] الوجوب غير شرطي .

( قوله : بأبعد ) أي ولو كان ذلك الأبعد هو الحاكم كما قاله ح فإذا لم ترض المرأة بحضور أحد من أقاربها وزوجها الحاكم كانت من أفراد هذه المسألة ، ولو لم ترض إلا بوكالة واحد أجنبي من آحاد المسلمين غير الحاكم جرى فيه قوله : سابقا وصح بها في دنيئة ، ثم إن المراد بالأبعد المؤخر عن الآخر في المرتبة وبالأقرب المتقدم عليه في الرتبة ، ولو كانت جهتهما متحدة فيشمل تزويج الأخ للأب مع وجود الشقيق وليس المراد الأقرب والأبعد في الجهة وإلا لأوهم أن تزويج الأخ للأب مع وجود الشقيق جائز ابتداء لاتحاد جهتهما مع أنه ليس كذلك .

( قوله : راجع لقوله وصح بها وما بعدها ) فيه نظر بل عدم الجواز خاص بقوله وبأبعد مع أقرب إلخ لما تقدم في قوله وصح بها في دنيئة إلخ ا هـ بن والذي تقدم فيها هو أن المشهور الجواز ابتداء ، وانظر ما الفرق بين المسألتين حيث حكم بالجواز في الأولى دون الثانية بل كان القياس العكس .

( قوله : في الصحة فقط ) أشار إلى أن الكاف للتشبيه لا للتمثيل لعدم شمول ما قبلها لما بعدها خلافا لعبق حيث جوز جعلها للتمثيل فانظره .

( قوله : كأحد إلخ ) أي كما يصح العقد إذا تولاه أحد المعتقين

التالي السابق


الخدمات العلمية