حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
[ درس ] ( فصل ) في بيوع الآجال

وهي بيوع ظاهرها الجواز لكنها تؤدي إلى ممنوع ، ولذا قال ( ومنع ) عند مالك ومن تبعه ( للتهمة ) أي لأجل ظن قصد ما منع شرعا سدا للذريعة ( ما ) أي بيع جائز في الظاهر ( كثر قصده ) أي قصد الناس له للتوصل إلى الربا الممنوع وذلك ( كبيع وسلف ) أي كبيع جائز في الظاهر يؤدي إلى بيع وسلف ، فإنه يمنع للتهمة على أنهما قصد البيع والسلف الممنوع كأن يبيع سلعتين بدينارين لشهر ثم يشتري إحداهما بدينار نقدا فآل أمر البائع إلى أنه خرج من يده سلعة ودينارا نقدا أخذ عنهما عند الأجل دينارين أحدهما عن السلعة وهو بيع والآخر عن الدينار وهو سلف ولكن ما ذكره المصنف في هذا ضعيف والمعتمد ما قدمه من أن منع البيع والسلف إذا شرط الدخول عليه بالفعل لا الاتهام على ذلك ، كذا قيل وفيه نظر لما سيأتي للمصنف من الفروع المبنية على ذلك ( وسلف بمنفعة ) أي وكبيع يؤدي إلى ذلك كبيعه سلعة بعشرة لشهر ويشتريها بخمسة نقدا فآل أمره لدفع خمسة نقدا يأخذ عنها بعد الأجل عشرة ( لا ما قل ) قصده فلا يمنع لضعف التهمة [ ص: 77 ] ( كضمان بجعل ) أي كبيع جائز في الظاهر يؤدي لذلك كبيع ثوبين بدينار لشهر ثم يشتري منه عند الأجل أو دونه أحدهما بدينار فيجوز ولا ينظر لكونه دفع له ثوبين ليضمن له أحدهما وهو الثوب الذي اشتراه مدة بقائه عنده بالآخر لضعف تهمة ذلك لقلة قصد الناس إلى ذلك ، وأما صريح ضمان بجعل فلا خلاف في منعه ; لأن الشارع جعل الضمان والجاه والقرض لا تفعل إلا لله تعالى فأخذ العوض عليها سحت ( أو أسلفني ) بقطع الهمزة المفتوحة ( وأسلفك ) بضم الهمزة ونصب الفعل أي وكبيع أدى إلى ذلك كبيعه ثوبا بدينارين إلى شهر ثم يشتريه منه بدينار نقدا ودينار إلى شهرين فآل أمر البائع أنه دفع الآن دينارا سلفا للمشتري ويأخذ عند رأس الشهر دينارين أحدهما عن ديناره والثاني سلف منه يدفع له مقابله عند رأس الشهر الثاني فلا يمنع لضعف التهمة ; لأن الناس في الغالب لا يقصدون إلى السلف إلا ناجزا لا بعد مدة .


( فصل في بيوع الآجال ) .

( قوله : تؤدي إلى ممنوع ) أي وهو اجتماع بيع وسلف أو سلف جر منفعة أو ضمان بجعل .

( قوله : ومنع للتهمة ) إما عطف على قوله وفسد منهي عنه بناء على ما صرح به السعد في شرح تصريف الغزي وغيره من أن الفصل بالترجمة ليس مانعا من العطف فوجوده لا يضر ; لأنه جملة معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه أو أن الواو للاستئناف لما صرح به ابن هشام في شرح بانت سعاد من أن أكثر ما تقع واو الاستئناف في أوائل الفصول والأبواب ومطالع القصائد .

( قوله ما كثر إلخ ) نائب فاعل منع أي منع البيع الذي كثر قصد الناس إليه لأجل التهمة وظاهره ، وإن لم يقصده فاعله وفي المواق عن ابن رشد أنه لا إثم على فاعله فيما بينه وبين الله حيث لم يقصد الأمر الممنوع وقوله : كبيع إلخ مثال لما كثر قصده وفي الكلام حذف أي كبيع يؤدي لبيع وسلف .

( قوله : كبيع وسلف ) أدخلت الكاف الصرف المؤخر والدين بالدين والمبادلة المتأخرة فالبيع المؤدي لشيء مما ذكر ممنوع لكثرة قصد الناس إليه للتوصل للممنوع المذكور .

( قوله : فإنه يمنع للتهمة على أنهما قصدا البيع والسلف الممنوع ) أي لأن التهمة على قصد ذلك تنزل منزلة اشتراط ذلك والنص عليه بالفعل .

( قوله : فآل أمر البائع إلى أنه خرج من يده سلعة ودينارا ) أي لأن السلعة التي خرجت من يده ثم عادت إليها ملغاة .

( قوله : كذا قيل ) قائله عبق قال ح اعلم أنه لا خلاف في منع صريح بيع وسلف ، وكذلك ما أدى إليه وهو جائز في ظاهره لا خلاف في المذهب في منعه صرح بذلك ابن بشير وتابعوه وغيرهم انتهى فقول عبق وما ذكره هنا ضعيف إلخ غير صحيح لما علمت ولا منافاة بين ما هنا وما تقدم وذلك لأن الصور ثلاث : بيع وسلف بشرط ولو بجريان العرف وهذه هي التي تكلم المصنف على منعها سابقا ، وبيع وسلف بلا شرط لا صراحة ولا حكما وهذه هي التي أجازوها وقد ذكرها الشارح فيما مر وتهمة بيع وسلف وذلك حيث يتكرر البيع وهي التي تكلم على منعها المصنف هنا فما أجازوه سابقا غير ما منعوه هنا ; لأن ما هنا فيه التهمة بالدخول على شرط بيع وسلف انظر بن .

( قوله : وسلف بمنفعة ) هذا مثال ثان لما كثر قصد الناس إليه لأجل التوصل للممنوع ، فإن قلت : البيع إنما منع لأدائه لسلف جر نفعا فكان يغني عن قوله كبيع وسلف . قوله : وسلف بمنفعة قلت الشيء قد يكون مقصودا لذاته كسلف بمنفعة وقد يكون وسيلة كالبيع والسلف فبين المصنف أن كلا منهما يقتضي المنع ، فلو اقتصر على ما يقصد لذاته لم يعلم حكم كثرة القصد لما يكون وسيلة ضرورة أن قصد المقاصد أقوى من قصد الوسائل .

( قوله : فآل أمره لدفع إلخ ) أي فآل أمر البائع إلى أن شيئه رجع إليه ودفع الآن خمسة يأخذ عنها بعد ذلك عشرة .

( قوله : لا ما قل ) أي لا يمنع بيع جائز في الظاهر قل قصد الناس إليه للتوصل إلى ممنوع لضعف التهمة [ ص: 77 ] وقوله : كضمان بجعل إلخ مثال لما قل وفي الكلام حذف أي كبيع جائز مؤد لضمان بجعل وأشار الشارح بتقدير ما إلى أن المعطوف بلا محذوف وهو الموصول الاسمي وحذفه مع بقاء صلته جائز ومثلوا له بقوله تعالى { آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم } أي والذي أنزل إليكم لاختلاف المنزلين .

( قوله : كضمان بجعل ) إطلاق الضمان هنا تجوز ; لأنه ليس فيه شغل ذمة أخرى بالحق ، وإنما المراد الحفظ ، كذا قال عبق وفيه نظر ; لأن للضمان عند الفقهاء إطلاقين أخص وهو شغل ذمة أخرى بالحق وأعم وهو الحفظ والصون الموجب تركه للغرم ومنه قولنا : وإنما ينتقل ضمان الفاسد بالقبض ومنه ضمان الرهان وضمان المبيع ومن هذا الإطلاق الضمان هنا فهو حقيقة لا مجاز ا هـ بن .

( قوله : فيجوز ولا ينظر إلخ ) حكى ابن بشير وابن شاس في البيع المؤدي لضمان بجعل قولين مشهورين قال في التوضيح والجواز ظاهر المذهب ولذا اقتصر عليه المصنف ا هـ بن .

( قوله : ليضمن له أحدهما ) أي ليحفظ له أحدهما .

( قوله : بالآخر ) أي بالثوب الآخر .

( قوله : وأما صريح ضمان بجعل ) أي سواء كان الضمان بالمعنى الأخص أو بالمعنى الأعم فالأول ظاهر وذلك كأن يكون عليك دين لإنسان فيضمنك شخص في ذلك الدين والثاني كأن تسلفه اثني عشر على شرط أن يرد لك عشرة كما في الصور الآتية .

( قوله : سحت ) فسروه بأنه كسب ما لا يحل .

( قوله : بقطع الهمزة المفتوحة ) إنما فتحت الهمزة في الأول وضمت في الثاني ; لأنه من باب الأفعال ، وباب الأفعال تفتح همزة أمره وتضم همزة مضارعه نحو أكرمني وأكرمك .

( قوله : ونصب الفعل ) أي بأن مضمرة بعد واو المعية في جواب الأمر أي ليكن مني مع سلف منك أي ليكن من كل منهما سلف للآخر .

( قوله : فآل أمر البائع إلخ ) أي لأن السلعة التي خرجت من يده وعادت إليها ملغاة فكأنه لم يحصل لها بيع أصلا .

( قوله : سلف منه ) أي من المشتري للبائع وقوله : يدفع أي البائع للمشتري مقابله .

( قوله : لا يقصدون إلى السلف إلخ ) أي إن الشأن أنهم يقصدون السلف حالا بما يدفعونه .

( قوله : لا بعد مدة ) أي ولا يقصدون أن ما يدفعونه قد يئول أمره إلى كونه سلفا كما في دفع المشتري الأول الدينارين عند رأس الشهر

التالي السابق


الخدمات العلمية