حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
( وحرم ) على المقرض ( هديته ) أي هدية المقترض لرب المال ; لأنه مدين فيؤول للسلف بزيادة ، وإن جعل الضمير عائدا على المدين مطلقا كان أفيد ثم الحرمة ظاهرا وباطنا إن قصد المهدي بهديته تأخيره بالدين ونحوه ووجب ردها إن لم تفت وإلا فالقيمة ومثل المثلي وظاهرا فقط إن قصد وجه الله تعالى ( إن لم يتقدم ) قبل القرض ( مثلها ) فإن تقدم مثلها من المهدي للمهدى له صفة وقدرا لم يحرم ( أو ) لم ( يحدث موجب ) كصهارة أو جوار وكان الإهداء لذلك لا للدين ( كرب القراض وعامله ) تشبيه تام فيحرم هدية كل منهما للآخر إن لم يتقدم مثلها أو يحدث موجب ، وقوله ( ولو بعد شغل المال على الأرجح ) راجع لقوله وعامله فقط أي تمنع هدية العامل بعد شغل المال لربه نظرا للمآل أي لما بعد نضوض المال أي للاتهام على أنه إنما أهدى لربه ليبقى المال بيده بعد النضوض ليعمل به ثانيا ( وذي الجاه ) تحرم الهدية له إن لم يتقدم مثلها أو يحدث موجب .


( قوله أي هدية المقترض ) أي الهدية الكائنة من المقترض وكذا يقال فيما بعده إلا في ذي الجاه والقاضي فإن المراد الهدية الواصلة لهما والظاهر أن الحرمة متعلقة بكل من الآخذ والدافع في المسائل كلها قال خش في كبيره ليس المراد بالهدية حقيقتها فقط بل كل ما حصل به الانتفاع كركوب دابة المقترض والأكل في بيته على طريق الإكرام أو شرب فنجان قهوة أو جرعة ماء والتظلل بجداره ا هـ والمعتمد جواز الشرب والتظلل وكذلك الأكل إن كان لأجل الإكرام لا لأجل الدين كما قاله شيخنا ( قوله لرب المال ) إظهار في محل الإضمار ; لأن رب المال هو المقرض ( قوله مطلقا ) أي مقترضا أو غيره فيشمل مدين القرض والبيع والسلم ( قوله ثم الحرمة ظاهرا إلخ ) هذا التفصيل في الحرمة المتعلقة بآخذ الهدية ، وأما المتعلقة بالدافع فهي باطنية فقط ( قوله وإلا فالقيمة ) أي وإلا رد القيمة ورد مثل المثلي ( قوله وظاهرا فقط ) أي فيقضى عليه بردها إن كانت قائمة أو رد قيمتها أو مثلها إن فاتت ولا حرمة عليه فيما بينه وبين الله ( قوله إن قصد وجه الله ) أي لا مكافأة لرب الدين وإلا حرم أخذها على المعتمد والمكافأة المطلوبة في حديث { من صنع معكم معروفا فكافئوه ، فإن لم تكافئوه فادعوا له حتى تظنوا أنكم كافأتموه } فالمراد بها المكافأة على قانون الشرع قاله شيخنا ( قوله أو لم يحدث موجب ) أي للهدية من المدين لرب الدين ( قوله كرب القراض ) أي يحرم عليه إهداء العامل لئلا يقصد بذلك أن يستديم عمله وكذلك يحرم هدية العامل لرب المال ولو بعد شغل المال أما قبل شغل المال فبلا خلاف ; لأن لرب المال أخذه منه فيتهم أنه إنما أهدى إليه ليبقى المال بيده ، وأما بعد شغل المال فعلى المشهور ، وقيل يجوز وهما مبنيان على اعتبار الحال فيجوز لعدم قدرة المال على انتزاعه منه حينئذ أو المآل وهو أن يترقب من رب المال أنه بعد نضوض المال يعامله ثانيا لأجل هديته له ( قوله راجع لقوله وعامله فقط ) أي هذا إذا كانت هدية العامل قبل شغل المال بل ولو كانت بعد شغله ، ورد بلو على القائل بالجواز بعد الشغل لعدم قدرة رب المال على فسخ القراض . حينئذ إنما كانت المبالغة راجعة للعامل فقط ; لأن الخلاف فيه فقط وكان الأولى للمصنف أن يقول كعامله بالكاف .

( قوله وذي الجاه ) قال أبو علي المسناوي محل منع الأخذ على الجاه إذا كان الإنسان يمنع غيره بجاهه من غير مشي ولا حركة وأن قول المصنف وذي الجاه مقيد بذلك أي من حيث جاهه فقط كما إذا احترم زيد مثلا بذي جاه ومنع من أجل احترامه فهذا لا يحل له الأخذ من زيد ، ولذا قال ابن عرفة يجوز دفع الضيعة لذي الجاه للضرورة إن كان يحمي بسلاحه ، فإن كان يحمي بجاهه فلا ; لأنها ثمن الجاه ا هـ وبيانه أن ثمن الجاه إنما حرم ; لأنه من باب الأخذ على الواجب ولا يجب على الإنسان أن يذهب مع كل أحد ا هـ وفي المعيار سئل أبو عبد الله القوري عن ثمن الجاه فأجاب بما نصه اختلف علماؤنا في حكم ثمن الجاه فمن قائل بالتحريم بإطلاق ، ومن قائل بالكراهة بإطلاق ، ومن مفصل فيه وأنه إن كان ذو الجاه يحتاج إلى نفقة وتعب وسفر فأخذ أجر مثله فذلك جائز وإلا حرم ا هـ قال أبو علي المسناوي وهذا التفصيل هو الحق وفي المعيار أيضا سئل أبو عبد الله العبدوسي عمن يحرس الناس في المواضع المخيفة ويأخذ منهم على ذلك فأجاب ذلك جائز [ ص: 225 ] بشرط أن يكون له جاه قوي بحيث لا يتجاسر عليه عادة ، وأن يكون سيره معهم بقصد تجويزهم فقط لا لحاجة له وأن يدخل معهم على أجرة معلومة أو يدخل على المسامحة بحيث يرضى بما يدفعونه له ا هـ وفي المعيار أيضا سئل بعضهم عن رجل حبسه السلطان ظلما فبذل مالا لمن يتكلم في خلاصه بجاهه أو غيره هل يجوز أم لا ؟ فأجاب نعم يجوز صرح به جماعة منهم القاضي أبو الحسين ونقله عن القفال ا هـ بن .

{ تنبيه } لو جاءت مغرمة على جماعة وقدر أحدهم على الدفع عن نفسه لكن حصته تؤخذ من باقيهم فهل له ذلك وهو ما قاله الداودي أو يكره وهو اختيار الشيخين أو يحرم وبه قال ابن المنير وعزاه في المواق لسحنون ، فإن تحقق أن حصته لا تؤخذ من باقيهم كان له الدفع عن نفسه قولا واحدا وعمل فيما يأخذه المكاس من المركب بتوزيعه على الجميع ; لأنهم نجوا به .

التالي السابق


الخدمات العلمية