حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
( أو نسي عبد ) ، أو جارية ( صنعة ) عند الغاصب ( ثم عاد ) لمعرفتها فلا يفوت فإن لم يعد فات ( أو خصاه ) أي خصى الغاصب العبد ( فلم ينقص ) عن ثمنه فإن نقص خير ربه بين أخذ قيمته ، وأخذه مع أرش لنقص ( أو جلس على ثوب غيره في صلاة ) ، أو في مجلس يجوز فيه الجلوس معه فقام رب الثوب فانقطع فلا ضمان على الجالس بخلاف من وطئ على نعل غيره فمشى صاحبها فانقطع فإنه يضمن ( أو دل لصا ) ، أو ظالما على شيء فأخذه فلا ضمان على الدال ، والمعتمد الضمان ، بل جزم به ابن رشد ولم يحك فيه خلافا [ ص: 452 ] لكن عند تعذر الرجوع على اللص ونحوه ومثل الدلالة ما لو حبس شيئا عن ربه حتى أخذه لص ، أو ظالم ( أو أعاد ) الغاصب ( مصوغا ) بعد أن كسره ( على حاله ) فلا ضمان .

( و ) إن أعاده ( على غيرها فقيمته ) على الغاصب وليس له أخذه لفواته ( ككسره ) فيلزمه القيمة لربه ، وهو الذي رجع إليه ابن القاسم بعد قوله يأخذه وقيمة الصياغة ورجع المرجوع عنه ويمكن تمشية المصنف عليه بجعله تشبيها في قوله لا إن هزلت أي فلا يضمن قيمته ، بل يأخذه أي مع قيمة الصياغة إن كانت مباحة إذ الصياغة المحرمة كالعدم ( أو غصب منفعة ) لذات من دابة ، أو دار ، أو غيرهما أي قصد بغصبه لذات الانتفاع بها فقط كالركوب ، والسكنى ، واللبس مدة ، ثم يردها لربها ، وهو المسمى بالتعدي ( فتلفت الذات ) بسماوي فلا يضمن الذات ، وإنما يضمن قيمة المنفعة أي ما استولى عليه منها ; لأنها التي تعدى عليها ( ، أو ) غصب طعاما و ( أكله مالكه ضيافة ) ، أو بغير إذن الغاصب فلا يضمنه وسواء علم المالك أنه له أم لا ; لأن ربه باشر إتلافه ( أو نقصت ) السلعة المغصوبة أي قيمتها ( للسوق ) أي لتغيره من غير تغير في ذاتها فلا ضمان على الغاصب في نقص القيمة [ ص: 453 ] بل يأخذها مالكها ولا شيء له إذ لا اعتبار بتغير السوق في هذا الباب بخلاف التعدي فإن لربها أن يلزم الغاصب قيمتها إن تغير سوقها يوم التعدي ( أو رجع بها ) أي بالدابة ( من سفر ولو بعد ) ولم تتغير في ذاتها فلا يضمن قيمة .

وأما الكراء فيضمنه خلافا للتتائي ( كسارق ) أي لدابة ولم تتغير في بدنها فلربها أخذها ولا شيء له على السارق ولو تغير سوقها .


( قوله فلم ينقص عن ثمنه ) أي وكذا لو زاد ثمنه عند ابن عبدوس ومشى عليه ابن الحاجب ( قوله فإن نقص خير ربه ) أي ومثله ما لو زاد ثمنه عند ابن رشد ; لأن الخصاء نقص عند الأعراب ونحوهم من الذين لا رغبة لهم في الخصاء دون الأغنياء واستحسن هذا ابن عبد السلام ( قوله في صلاة ) ظاهره ولو كان كل منهما عاصيا بها كتنفل كل ، والحال أن عليه فريضة ذاكرا لها ، أو عند طلوع الشمس ، أو عند غروبها ( قوله ، أو في مجلس إلخ ) أشار بذلك إلى أنه لا مفهوم لقوله في صلاة وقوله يجوز فيه الجلوس معه ، خرج المجالس المحرمة ، والمكروهة فيضمن فيهما ( قوله فلا ضمان على الجالس ) أي ; لأنه مما تعم به البلوى في الصلاة ، والمجالس ( قوله بخلاف من وطئ إلخ ) مثل وطء النعل قطع حامل حطب ثياب مار بطريق كما في المدونة فيضمن الخياطة ، وأرش النقص عند عدم الإنذار وينبغي عدم الضمان معه كما هو مذهب الشافعي ومن أسند جرة زيت مثلا لباب رجل ففتح الباب فانكسرت الجرة فقيل يضمنها فاتح الباب ; لأن العمد ، والخطأ في أموال الناس سواء .

وقيل يضمنها بشرط أن لا يكون شأن الباب الفتح ، وإلا فلا يضمنها كمن أحرق فرنه دار جاره بلا تفريط فإنه لا يضمن ( قوله فإنه يضمن ) كتب شيخنا على عبق أنه يضمن قيمة المقطوعة مع أرش الأخرى ولكن المأخوذ مما يأتي آخر الباب في رفو الثوب أنه يضمن خياطة المقطوعة ، وأرش الأخرى ، والفرق بين مسألة النعل ، والصلاة أن الصلاة ونحوها يطلب فيها الاجتماع دون الطرق إذ لا حق له في مزاحمة غيره ، كذا قيل ، قال شيخنا العدوي قد يقال إن الأسواق مظنة المزاحمة وصرح في حاشية خش أن الذي ينبغي في مسألة النعل عدم الضمان قياسا على مسألة الثوب في الصلاة ; لأن العلة في عدم ضمان الثوب ، وهي عموم البلوى موجودة في النعل وكذا هو في شب ( قوله ، أو ظالما ) أي غاصبا ، أو محاربا ( قوله فلا ضمان على الدال ) هذا هو الجاري على قول ابن القاسم بعدم الضمان بالغرور القولي كما قال ابن يونس والمازري ولكنه ضعيف ا هـ .

بن [ ص: 452 ] قوله لكن عند إلخ ) أي لكن ضمان الدال عند تعذر الرجوع على اللص وليس المراد أنه على هذا المعتمد لا ضمان على اللص ، وإنما الضمان على الدال إذ لم يقله أحد ، كيف واللص مباشر لأخذ المال وفي بن أنه على القول المعتمد يكون للمالك غريمان يخير في اتباع أيهما فإن تبع اللص فلا رجوع له على الدال ، وإن تبع الدال رجع على اللص ( قوله فلا ضمان ) أي ويأخذه صاحبه ولا يغرم قيمة الصياغة .

وأما لو باعه الغاصب فكسره المشتري ، وأعاده لحاله لم يأخذه مالكه إلا بدفع أجرة الصياغة لذلك المشتري لعدم تعديه ، وهذا في مشتر غير عالم بالغصب ، وإلا فكالغاصب في كونه لا أجرة له في صياغته وينبغي في الأول ، وهو ما إذا كان المشتري غير عالم بالغصب أن يرجع المغصوب منه على الغاصب بما دفعه للمشتري من أجرة الصياغة .

( قوله وليس له أخذه لفواته ) الفرق بينه وبين ما تقدم من تخييره مع الفوات في مسألة ما إذا احتاج لكبير حمل مع أن المغصوب المقوم قد فات في كل منهما أن هذا غير شيئه حكما وما تقدم عن شيئه ا هـ .

عبق ( قوله ككسره ) أي من غير إعادة ( قوله فيلزمه القيمة لربه ) أي ; لأن كسره يفوته على ربه ( قوله يأخذه وقيمة الصياغة ) أي بناء على أن الكسر لا يفيته .

والحاصل أن كسر المصوغ ، وإعادته لحاله لا يفيته عند ابن القاسم وكسره ، وإعادته على غير حالته الأولى يفيته اتفاقا ، وأما كسره من غير إعادة فهل يفيته على ربه ، أو لا يفيته عليه ؟ قولان لابن القاسم ، فالفوات هو ما رجع إليه ابن القاسم وعدم الفوات هو ما رجع عنه ولكنه المعتمد وقول المصنف ككسره إن جعل تشبيها في لزوم القيمة كان ماشيا على المرجوع إليه ، وإن جعل تشبيها في قوله لا إن هزلت جارية كان ماشيا على المرجوع عنه .

( قوله كالعدم ) أي وحينئذ إذا غصب الحلي المحرم وكسره أخذه ربه مكسورا من غير أخذ أجرة للصياغة ( قوله ، أو غصب منفعة ) تعبيره بغصب فيه مسامحة ; لأن هذا تعد ( قوله فتلفت الذات بسماوي ) أي .

وأما لو أتلف الغاصب الذات فإنه يضمنها فلا فرق في الإتلاف بين غصب الذات ، والمنافع ، وإنما يفترقان في تلف الذات بالسماوي ( تنبيه ) لو تلفت الذات بسماوي وحصل تنازع هل غصب الذات فيضمن ، أو تعدى على المنافع فلا يضمن اعتبرت القرائن فإن لم تكن قرينة فتردد كما قال شيخنا ( قوله أي ما استولى عليه منها ) أي من المنفعة ولو كان جزءا يسيرا من الزمن ( قوله ، وأكله مالكه ) أي قبل أن يفوت عند الغاصب بطبخ مثلا ، وإلا فبمجرد الفوات ضمن الغاصب قيمته ولو أكله ربه ضيافة فإن أكله ربه بعد الفوات بغير إذن الغاصب ضمن كل منهما للآخر القيمة فالغاصب يضمن قيمته وقت الاستيلاء عليه وربه يضمن للغاصب قيمته وقت الأكل ( قوله ، أو بغير إذن الغاصب ) أي ، أو أكرهه الغاصب على أكله فلا مفهوم لقوله ضيافة ( قوله ; لأن ربه باشر إتلافه ) أي ، والمباشر يقدم على المتسبب في الضمان إذا ضعف السبب ، والسبب هنا ضعيف وما ذكره المصنف من عدم ضمان الغاصب إذا أكله ربه مقيد كما قال ابن عبد السلام بما إذا كان الطعام مناسبا لحال مالكه كما لو هيأه للأكل لا للبيع ، وإلا ضمنه الغاصب لربه ويسقط عن الغاصب من قيمته قيمة الذي انتفع به ربه أن لو كان من الطعام الذي شأنه أكله كما إذا كان الطعام يساوي عشرة دراهم ويكفي مالكه من الطعام الذي يليق به نصف درهم فإن الغاصب يغرم له تسعة دراهم ونصفا ، قال شيخنا ينبغي أن يكون اعتبار هذا القيد إذا كان أكله مكرها ، أو غير عالم .

وأما إن أكله طائعا عالما بأنه ملكه فلا ضمان على الغاصب ، بل ضمانه من المالك ولو كان ذلك الطعام غير مناسب لحاله ومقيدا بما إذا أكله ربه قبل فوته عند الغاصب كما قلنا .

والحاصل أن كلام المصنف مقيد بقيدين كما علمت ( قوله ، أو نقصت إلخ ) أي ومن باب ، أولى ما إذا زادت قيمتها لتغير السوق ، وهي عند الغاصب .

والحاصل أن كلا من نقصان القيمة وزيادتها لتغير السوق لا يفيت المغصوب على ربه فيتعين أخذه له ولا رجوع له على الغاصب بشيء لأجل نقص القيمة ، وإذا أراد الغاصب [ ص: 453 ] أخذه ودفع القيمة ، وأبى ربه أجبر الغاصب على دفعه له ( قوله ، بل يأخذها مالكها ولا شيء له ) وسواء طال زمان إقامتها عند الغاصب أم لا ( قوله في هذا الباب ) أي باب غصب الذوات ( قوله فإن لربها أن يلزم الغاصب قيمتها ) أي وله أن يأخذ عين شيئه ولا شيء له على المتعدي ( قوله . وأما الكراء فيضمنه )

أي كما شهره المازري فالمنفي في كلام المصنف ضمان القيمة فقط وقوله خلافا لتت أي فإنه قال لا يضمن قيمة ولا كراء أي لا يضمن قيمة لعدم الفوات ولا كراء ; لأن الغلة الناشئة عن تحريك الغاصب له بناء على ما مر من مذهب المدونة وقد علمت أن الراجح خلافه ( قوله ولا شيء له على السارق ولو تغير سوقها ) أي فإذا رجع السارق بها من سفر لم يضمن قيمتها ، وإنما يلزمه كراؤها فقول المصنف كسارق تشبيه تام أي أنه تشبيه في الأمرين أي عدم الفوات بتغير السوق وبسفره عليها مع بقائها على حالها لم تتغير في ذاتها .

التالي السابق


الخدمات العلمية