حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
ولما جرت عادة أهل المذهب بذكر مسائل تتعلق بالمسجد هنا نظرا إلى أنه مباح للناس كالموات في الجملة ، وإن كان الأنسب ذكرها في كتاب الصلاة تبعهم المصنف فذكرها بقوله ( وجاز بمسجد سكنى لرجل ) لا لمرأة فيحرم عليها ، أو يكره ( تجرد ) بالسكنى فيه ( للعبادة ) من صلاة وغيرها وإلا كره ( وعقد نكاح ) أي مجرد إيجاب وقبول من غير ذكر شروط ولا رفع صوت ، أو تكثير كلام ، وإلا كره ( وقضاء دين ) يسير يخف معه الوزن والعدد وإلا كره ( وقتل عقرب ) أو فأر ، أو حية فيه ، وإن لم ترده وجاز قتلها في الصلاة إن أرادته كما تقدم في فضل الجماعة ( ونوم بقائلة ) أي نهار وكذا بليل لمن لا منزل له ، أو عسر الوصول إليه ( وتضييف ) لضيف ( بمسجد بادية ) ( و ) جاز ( إناء ) أي إعداده ( لبول ) أو غائط ( إن خاف ) بالخروج منه لما ذكر ( سبعا ) أو لصائم يخرجه بعد الأمن إذ لا يجوز المكث بالنجاسة فيه ( كمنزل تحته ) أي المسجد يجوز ( ومنع عكسه ) أي سكنى المنزل بأهله فوقه إذا حدث بناؤه بعد تحبيسه لا بغير أهله ، أو بناؤه قبل جعله مسجدا [ ص: 71 ] ( فلا يمنع ) ( كإخراج ريح ) في مسجد فيمنع لحرمته ، وإن لم يكن به أحد ( ومكث بنجس ) غير معفو عنه فيمنع والمتنجس كالنجس ولو ستر بطاهر وقيل إن ستر به جاز فيوضع النعل المتنجس في شيء يكنه ولو على القول الأول للضرورة ( وكره أن يبصق بأرضه و ) إن فعل ( حكه ) وهذا في المبلط والمفروش فوق فرشه وكذا المحصب فوق الحصباء وأما المترب فيجوز كتحت فرشه وفرش المحصب أو خلال الحصباء وهذا ما لم يكثر حتى يقذره ، وإلا منع .


( قوله : هنا ) أي في باب إحياء الموات وهو ظرف لقوله " بذكر مسائل " أي ولما جرت عادة أهل المذهب بذكرهم هنا مسائل تتعلق بالمسجد . ( قوله : نظرا ) أي وإنما ذكروها هنا نظرا وقوله كالموات في الجملة أي فهو كالموات بالنظر لبعض أحواله وهو الإباحة لكل مسلم ، وإن كان الموات قد يختص به محييه بخلاف المسجد فإنه لا يختص به أحد . ( قوله : وإن كان الأنسب إلخ ) الواو للحال ، وإن زائدة . ( قوله : تبعهم المصنف ) أي في ذكرها هنا . ( قوله : وجاز بمسجد سكنى لرجل تجرد إلخ ) أي ما لم يحجر فيه ويضيق على المصلين وإلا منع . ( قوله : لا لمرأة فيحرم عليها ) أي السكنى فيه ولو تجردت للعبادة ; لأنها قد تحيض وقد يلتذ بها أحد من أهل المسجد فتنقلب العبادة معصية وظاهره الحرمة ولو كانت عجوزا لا أرب للرجال فيها ; لأن كل ساقطة لها لاقطة . ( قوله : أو يكره ) أي ويحتمل أن يقال بكراهة سكناها حيث تجردت للعبادة والتعليل المذكور الذي عللت به الحرمة تعليل بالمظنة . ( قوله : وغيرها ) أي كقراءة قرآن وذكر وتعلم علم وتعليمه . ( قوله : وإلا كره ) أي وإلا يكن متجردا للعبادة فيكره سكناه فيه وهذا ضعيف والمعتمد المنع كما صرح به في التوضيح ونص ابن الحاجب ولا ينبغي أن تتخذ المساجد سكنا إلا لمتجرد للعبادة قال في التوضيح الظاهر أن لا ينبغي هنا للحرمة ; لأن السكنى في المسجد على غير وجه التجريد للعبادة ممتنعة ; لأنها تغير له عما حبس له وعلى ولي الأمر هدم المقاصير التي اتخذت في بعض الجوامع للسكنى ما لم يكن الباني لها هو الواقف ا هـ بن . ( قوله : وعقد نكاح ) قد استحبه بعضهم للبركة ولأجل شهرة النكاح . ( قوله : وإلا كره ) أي وإلا يكن الدين يسيرا بل كان كثيرا كره قضاؤه فيه . ( قوله : وجاز قتلها في الصلاة ) أي سواء كان بمسجد أو بغيره . ( قوله : لمن لا منزل له ) هذا راجع لجواز نوم الليل وأما نوم النهار فلا بأس به مطلقا انظر بن . ( قوله : وتضييف ) أي إنزال الضيف بمسجد البادية ، وإطعامه فيه الطعام الناشف كالتمر لا إن كان مقذرا كالبطيخ ، أو طبيخ فيحرم إلا بنحو سفرة تجعل تحت الإناء فيكره ومثل مسجد البادية مسجد القرية الصغيرة وأما التضييف في مسجد الحاضرة فيكره ولو كان الطعام ناشفا كما هو ظاهر كلامهم ا هـ شيخنا عدوي .

( قوله : بمسجد بادية ) رجحه عبق للأمرين قبله واعترضه بن بأنه يفيد أن التقيد بالبادية يرجع لنوم القائلة أيضا وفيه نظر بل النوم في القائلة جائز في أي مسجد كان مسجد بادية ، أو حاضرة ، وإنما التقيد بالبادية في التضييف والمبيت ليلا . ( قوله : وجاز إناء ) أي وجاز لمن بات فيه إعداد إناء واتخاذه لبول وظاهر المصنف كان الإناء مما يرشح كالفخار أم لا كالزجاج لكن إن وجد ما لا يرشح تعين ولا يعدل إلا عند عدم ما لا يرشح قال ابن رشد فإن لم يجد من بات في المسجد إناء والحال أنه يخاف سبعا إن خرج لحاجته بال فيه وتغوط ، وإن لم يضطر للنوم فيه بأن كان غير ساكن فيه ابن العربي وكذا الغريب إذا لم يجد من يدخل عنده دابته فإنه يدخلها في المسجد . ( قوله : كمنزل تحته ) أي كما تجوز السكنى بمنزل تحته ولو بأهله وأما قبر في أرضه فلا يجوز الدفن فيه ; لأنه يؤدي لنبشه إلا لمصلحة تعود على الميت كما في حاشية السيد على عبق واختاره شيخنا العدوي ولا الغرس فيه وإن [ ص: 71 ] وقع قلع .

( قوله : فلا يمنع ) أي بل يكره كما تقدم في الإجارة ولا فرق فيما ذكر بين كون المسجد معدا للكراء ، أو الصلاة . ( قوله : كإخراج ريح ) أي كما يمنع إخراج ريح فيه لا في غيره كما قد يتوهم وعدوله عن خروج لإخراج يقتضي أن الممنوع تعمد إخراجه وأما خروجه غلبة فلا شيء فيه ولابن العربي يجوز إرسال الريح في المسجد اختيارا كما يرسله في بيته إذا احتاج لذلك أي بأن كان إبقاؤه من غير إخراجه يؤذيه ا هـ وهو ضعيف ومع ضعفه مقيد بما إذا كان لا يترتب على إخراجه أذية حاضر ، وإلا حرم ; لأن الأذية حرام إجماعا . ( قوله : لحرمته ) أي لوجوب احترامه وتعظيمه ، وإخراج الريح فيه ينافي ذلك . ( قوله : ومكث بنجس ) أي منع مكث وكذا مرور فيه بنجس . ( قوله : والمتنجس كالنجس ) المراد بالمتنجس الذي هو كالنجس والمتنجس بعين النجاسة وأما لو أزيل عينها وبقي حكمها فلا يمنع المكث به فيه .

( قوله : ولو ستر ) أي النجس ، أو المتنجس بطاهر . ( قوله : وقيل إن ستر به ) أي وقيل يجوز المكث والمرور بالنجس والمتنجس إذا ستر بطاهر والراجح الأول . ( قوله : وكره أن يبصق ) أي أو يمخط وقوله بأرضه أي أو حائطه ومحل الكراهة فيهما إذا قل ، وإلا حرم للتقدير وحاصل المسألة أن المسجد إما أن يكون مبلطا أو محصبا ، أو متربا وفي كل إما أن يبصق فوق فرشه ، أو تحته أو بأرضه والحال أنه لا فرش فيه فإن كان البصق فوق الفرش كان مكروها مطلقا ، وإن كان تحته فهو جائز إن كان متربا ، أو محصبا وكره إن كان مبلطا ، وإن كان البصق بأرضه والحال أنه غير مفروش فيكره إن كان مبلطا ويجوز إن كان متربا ، أو محصبا للشارح تفصيل آخر في المحصب فجعل البصق فوق الحصباء مكروها وفي خلالها والحال أنه غير مفروش جائزا وهو خلاف النقل .

( قوله : وإن فعل حكه ) أشار الشارح إلى أن قول المصنف وحكه استئناف وجعله البساطي عطفا على أن يبصق مقدرا فيه المتعلق والمعنى وكره حكه بأرضه والمطلوب مسحه بكخرقة .

والحاصل أن الحك على التقرير الأول مطلوب لإزالة البصاق والمخاط وعلى التقرير الثاني فهو مكروه كراهة ثانية غير كراهة البصق والنقل مساعد لما قاله البساطي كما قرره شيخنا العدوي . ( قوله : والمفروش فوق فرشه ) أي سواء كان مبلطا ، أو محصبا ، أو متربا . ( قوله : فيجوز ) أي البصق فيه فوق التراب وقوله : كتحت فرشه أي المترب وقوله : وفرش المحصب أي وتحت فرش المحصب وأما تحت فرش المبلط فيكره . ( قوله : أو خلال الحصباء ) قال بن لم أر من ذكر هذا التفريق في المحصب بل أطلقوا الجواز فيه أي سواء كان في خلال الحصباء ، أو فوقها وهو ظاهر نقل المواق .

التالي السابق


الخدمات العلمية