حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
( ولو جاء ) المحارب القاتل ( تائبا ) قبل القدرة عليه إذ توبته لا تسقط حقوق الآدميين ( وليس للولي ) أي ولي المقتول ( العفو ) عن القاتل قبل مجيئه تائبا لأن الحق لله .

وأما بعد مجيئه تائبا فله العفو لأن قتله حينئذ قصاص لا حرابة ( وندب ) للإمام النظر بالمصلحة ولا يتعين عليه شيء بخصوصه لأن أو في الآية للتخيير فالأولى ( لذي التدبير ) من المحاربين ( القتل ) لأن القطع مثلا لا يدفع ضرورة ( و ) لذي ( البطش ) إذا لم يقتل أحدا ( القطع ) من خلاف ( ولغيرهما ولمن وقعت منه ) الحرابة ( فلتة ) بلا قتل أحد ( النفي والضرب ) بالاجتهاد وما ذكره المصنف من الندب وهو المذهب ( والتعيين ) فيما يندب فعله ( للإمام لا لمن قطعت يده ونحوها ) من جرح وأخذ مال فلا كلام له لأن ما يفعله الإمام بالمحارب ليس عن شيء معين ، وإنما هو عن جميع ما وقع منه في حرابته من إخافة وأخذ مال وجرح وغير ذلك لا لخصوص ما وقع لهذا الشخص ( وغرم كل ) أي كل واحد بانفراده من المحاربين إذا أخذوا شيئا [ ص: 351 ] من الأموال ( عن الجميع ) لأنهم كالحملاء فكل من قدر عليه منهم أخذ بجميع ما أخذه هو وأصحابه ( مطلقا ) أي سواء كان ما أخذه أصحابه باقيا أم لا جاء المحارب تائبا أم لا نابه شيء مما نهبوه أم لا لتقوي بعضهم ببعض فكانوا كالحملاء كما تقدم ومثلهم البغاة والغصاب واللصوص ( واتبع ) المحارب ( كالسارق ) ، فإن سقط عنه الحد بمجيئه تائبا أغرم مطلقا أيسر أو أعسر ، وإن قتل أو قطع أغرم إن أيسر من الأخذ إلى القطع أو القتل فيؤخذ من تركته ; لأن اليسار المتصل كقيام المال وإلا فلا غرم ، والنفي كالقطع على الراجح وقيل كسقوط الحد فيغرم فيه مطلقا ( ودفع ما بأيديهم لمن طلبه ) أي ادعاه إن وصفه كما توصف اللقطة ( بعد الاستيناء و ) بعد ( اليمين ) من الطالب خوف أن يأتي غيره بأثبت مما أتى به ولا يؤخذ منه حميل ، وإنما يدفعه له الإمام ويشهد عليه ، فإن جاء غيره بأثبت منه نزعه منه ودفعه لذلك الغير ( أو بشهادة رجلين ) عدلين ( من الرفقة ) وأولى من غيرهم بلا استيناء ولذا أخر البينة عن الاستيناء فتجوز شهادة بعضهم لبعض ما لم يشهد العدل لأبيه أو ابنه أو نحوهما وأولى لنفسه على أن ما يصدر من الشخص لنفسه لا يسمى شهادة ، وإنما هو دعوى فلا حاجة لقوله ( لا لأنفسهما ) وبقي الرجل والمرأتان أو أحدهما مع يمين الطالب والظاهر أنه كالعدلين لثبوت الأموال بذلك فكأنه احترس بالرجلين عن الرجل بلا يمين معه من الطالب .


( قوله : ولو جاء تائبا ) هذا مبالغة في وجوب قتل المحارب إذا قتل أي هذا إذا ظفرنا به قهرا عنه بل ولو جاء تائبا ( قوله : ولي المقتول ) أي الذي قتله ذلك المحارب ( قوله : قبل مجيئه تائبا ) أشار الشارح بذلك إلى أن قول المصنف وليس للولي العفو راجع لما قبل المبالغة ( قوله : لأن قتله حينئذ قصاص إلخ ) أنت خبير بأنه إذا كان قصاصا يكون ما أفاده المصنف من تعين قتله إذا جاء تائبا قبل القدرة عليه محمولا على ما إذا طلب الولي قتله وإلا فله العفو واعلم أنه حيث كان القتل في هذه الحالة قصاصا ، فإن قتل من لا يقتل به كذمي أو عبد لم يقتل به عند مجيئه تائبا بل عليه دية الأول وقيمة الثاني ( قوله : وندب للإمام النظر ) أي في حال المحارب الذي لم يصدر منه قتل وحاصله أن الحدود الأربعة واجبة لا يخرج الإمام عنها مخيرة لا يتعين واحد منها إلا أنه يندب للإمام أن ينظر ما هو الأصلح واللائق بحال ذلك المحارب ، فإذا ظهر له ما هو اللائق ندب له فعله ، فإن خالف وفعل غير ما ظهر له أنه الأصلح أجزأ مع الكراهة ( قوله : لذي التدبير ) أي في الحروب وفي الخلاص منها ( قوله : ولذي البطش ) أي القوة والشجاعة ( قوله : ولغيرهما ) أي من لا تدبير له ولا بطش ( قوله : ولمن وقعت منه فلتة ) وذلك بأن أخذ بفور خروجه ولم يقتل ولا أخذ مالا وإنما حصل منه إخافة الطريق وما ذكره المصنف من أن ما حصلت منه الحرابة فلتة يجرى عليه أحكام المحاربين هو الذي في المدونة على اختصار ابن يونس خلافا لقول اللخمي : إنه يؤدب فقط ولا يجرى عليه شيء من أحكام الحرابة ( قوله : وما ذكره المصنف من الندب ) أي من ندب فعل ما هو الأصلح والأليق بالمحارب من أنواع الحد وقوله وهو المذهب أي ومقابله قول القرافي إذا تبين للإمام الأصلح بالمحارب من أنواع الحد وجب على الإمام فعله ولا يجوز له العدول عنه ( قوله : والتعيين إلخ ) حاصله أن الإمام هو الذي يعين ما يفعله بالمحارب غير القاتل من العقوبات الأربع وأما من قطعت يده ونحوها بجناية المحارب فلا تعيين له في ذلك إذ لا حق له في ذلك ; لأن ما يفعله الإمام بالمحارب ليس عن شيء معين وإنما هو عن جميع ما فعله في حرابته من إخافة وأخذ مال وجرح ( قوله : وغرم كل عن الجميع ) اعلم أن محل غرمه عمن عداه حيث لزم [ ص: 351 ] من عداه الغرم إما لعدم إقامة الحد عليه بأن سقط عنه الحد لمجيئه تائبا أو هرب ولم يظفر به أو أقيم عليه الحد وكان يساره متصلا من حين أخذ المال لوقت الحد ، فإن كان من عداه أقيم عليه الحد أو كان معسرا بعد الحرابة وقبل الحد فلا يغرم عنه هذا المأخوذ وذلك لأن المأخوذ إنما يغرم عن غيره بطريق الضمان والضمان يقتضي لزوم المضمون ( قوله : من الأموال ) أي المحترمة سواء كانت لمسلم أو لذمي أو لمعاهد ( قوله : ومثلهم البغاة ) أي مثل المحاربين في أنه إذا ظفر بواحد يغرم عن الجميع البغاة والغصاب واللصوص كما في الرسالة ومشى عليه ابن رشد في سماع عيسى ونقله ح ومثله في التوضيح وقال بعضهم : حكم المحارب مخالف لحكم السارق وأن الواحد من السراق لا يضمن ما سرقه من معه ابن عبد السلام وهو ما حكاه بعض الشيوخ انظر بن ( قوله : واتبع كالسارق ) أي اتبع بغرم مثل المال حيث لم يكن موجودا ، وأما إذا كان موجودا تعين أخذه مطلقا سواء سقط عنه الحد أم لا .

( قوله : أغرم مطلقا ) أي سواء تلف المال باختياره أم لا كان موسرا أو معسرا ( قوله : وإلا فلا غرم ) أي وإلا بأن أعسر فيما بين الأخذ وإقامة الحد فلا غرم عليه ولو أيسر بعد ذلك ( قوله : على الراجح ) أي لأن النفي حد من جملة الحدود كالقطع ( قوله : فيغرم فيه مطلقا ) أي سواء كان موسرا أو معسرا ( قوله إن وصفه . . . إلخ ) الحاصل أن مدعي المال الذي بأيدي المحاربين إذا أخذ منهم لا يدفع له إذا لم يثبته بالبينة إلا بشروط ثلاثة بعد الاستيناء وبعد اليمين وبعد وصفه كاللقطة ، والشرط الأخير أهمله المصنف هنا وذكره في توضيحه تبعا لأبي الحسن واللخمي ومحل أخذ المدعي له بتلك الشروط كما قاله ابن شاس نقلا عن أشهب إذا أقر اللصوص أن ذلك المتاع مما قطعوا فيه الطريق ، فإن قالوا : هو من أموالنا كان لهم وإن كان كثيرا لا يملكون مثله ونقله ابن عرفة مقتصرا عليه انظر بن

( قوله : خوف إلخ ) علة للاستيناء ( قوله : ولا يؤخذ منه حميل ) قال في التوضيح هو ظاهر المدونة وقال سحنون بل بحميل وقال في مختصر الوقار : إن كان من أهل البلد فبحميل وإن كان من غيرهم فبلا حميل ; لأنه لا يجد حميلا ا هـ بن ( قوله ويشهد عليه ) أي عند دفعه له بأنه بيده على وجه الحوز لا الملك ( قوله نزعه منه ) أي إن كان موجودا وضمنه قيمته إن تلف

( قوله : أو بشهادة رجلين ) اشترط في المدونة عدالتهما كما في المواق وغيره ، وقول التحفة ومن عليه وسم خير قد ظهر إلخ يقتضي أن العمل على الاكتفاء بتوسم الخير ا هـ بن ( قوله : من الرفقة ) أي المقاتلين للمحاربين ( قوله : أو نحوهما ) أي كعبده مكاتبا أم لا ( قوله : لا لأنفسهما ) في ح إلا أن يكون ما لأنفسهما يسيرا فتجوز شهادتهم لأنفسهم بذلك القليل ولغيرهم بكثير أو قليل ولعله قياسا على الوصية وهذا هو المعول عليه خلافا لما في عبق من المنع مطلقا انظر بن

التالي السابق


الخدمات العلمية