حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
ثم شرع في الكلام على الكناية الظاهرة بالعطف على قوله وبفك الرقبة بقوله ( وبلا ملك ) لي عليك ( أو ) لا ( سبيل لي عليك ) ولا يصدق في عدم إرادة العتق ( إلا ) أن يكون ذلك ( لجواب ) عن كلام قبله وقع من العبد كأن يكلم سيده بكلام لا يلق فقال له أحد هذين اللفظين المتقدمين وقال لم أرد العتق فيصدق ( وبكوهبت لك نفسك ) أو خدمتك أو عملك في حياتك أو تصدقت عليك بخراجك [ ص: 362 ] حياتك أو أعطيتك نفسك فيعتق ولا يعذر بجهل ولا يحتاج في هذا إلى نية وأشار إلى الكناية الخفية بقوله ( وبكاسقني ) الماء ( أو اذهب أو اعزب ) أي ابعد ودخل بالكاف كل كلام ولكن إنما ينصرف للعتق ( بالنية ) أي بنية العتق أي بنيته بما ذكر العتق وإلا فلا فقوله بالنية راجع لقوله وبكاسقني . . . إلخ لا لما قبله أيضا ; لأن الكناية الظاهرة كالصريح في عدم الاحتياج للنية ( وعتق ) العبد ( على البائع ) دون المشتري إن علق عتقه ( هو ) أي البائع ( والمشتري على البيع والشراء ) بأن قال السيد : إن بعته فهو حر وقال المشتري : إن اشتريته فهو حر ثم باعه سيده لذلك المشتري الذي علق عتقه على شرائه فيعتق على البائع ولو تقدم القبول من المشتري على الإيجاب من البائع ، فإنه سبق صوري ويرد البائع الثمن إن قبضه على مشتريه واتبع به في ذمته إن أعسر ( و ) عتق على المشتري ( بالاشتراء الفاسد في ) قوله لعبد ( إن اشتريتك ) فأنت حر وعليه قيمته يوم الشراء ; لأن عتقه عليه يفوت رده على بائعه ومثل شرائه شراء بعضه ، وإنما عتق بالفاسد ; لأن الحقائق الشرعية تطلق على فاسدها كصحيحها ( كأن ) ( اشترى ) العبد ( نفسه ) من سيده شراء ( فاسدا ) ، فإنه يعتق لتشوف الشارع للحرية ويأخذ السيد من العبد ما اشترى به نفسه وكأنه انتزعه منه وأعتقه ( و ) عتق على السيد ( الشقص ) الذي يملكه من عبد وكمل عليه ( فيه ) إن كان مليا ( و ) عتق عليه ( المدبر وأم الولد ) أي ينجز عليه عتقهما وكذا مكاتبه كما في المدونة ( و ) عتق عليه ( ولد عبده ) الكائن [ ص: 363 ] ( من أمته ) أي أمة العبد ( وإن ) حدث الولد ( بعد يمينه ) وقبل حنثه فحكمه كمن وجد قبل يمينه لكن هذا في صيغة الحنث كقوله علي عتق عبيدي لأدخلن الدار أو إن لم أدخلها فعبيدي أحرار .

وأما في صيغة البر فهو على بر فلا يدخل ما حدث حمله بعد اليمين كما لو حدث ملكه بعده بخلاف الحمل السابق فيدخل في يمينه في البر أيضا لوجوده في الجملة وعتق عليه الشقص وما بعده في التعليق ( والإنشاء ) بشين معجمة فهو بالجر عطف على مقدر كما ذكرنا ويصح رفعه على أنه مبتدأ حذف خبره أي والإنشاء فيما ذكر كالتعليق ( فيمن يملكه ) راجع لجميع ما قبله أي والشقص وما بعده في قوله كل مملوك أملكه حر ( أو ) كل مملوك ( لي ) حر ( أو رقيقي أو عبيدي أو مماليكي ) أحرار أي فإنه يعتق عليه من ذكر ( لا ) يعتق ( عبيد عبيده ) إذا قال واحدا مما ذكر لعدم تناوله عبيد العبيد إذ ليسوا مملوكين له بل لعبيده والعبد يملك عندنا حتى ينتزع سيده ما له ( كأملكه أبدا ) أي إن من قال كل عبد أملكه أبدا أو في المستقبل فهو حر فلا يلزمه عتق لا فيمن عنده ولا فيمن يتجدد في المستقبل ; لأنه يمين حرج ومشقة كقوله كل امرأة أتزوجها طالق وسواء علق كقوله إن دخلت الدار فكل عبد أملكه حر أبدا أو في المستقبل أو لم يعلق


( قوله : ولا يصدق في عدم إرادة العتق ) ظاهره أنه لا يصدق في نيته عدم إرادة العتق بهما وفيه أنه يخالف ما مر له من أن الكناية الظاهرة يصرفها عن العتق النية والقرينة فلعل الأولى ولا يعتبر عدم إرادته للعتق فتأمل .

( قوله : فقال له أحد هذين اللفظين ) أي جوابا لكلامه والمراد باللفظين المتقدمين لا ملك لي عليك [ ص: 362 ] ولا سبيل لي عليك ( قوله : ولا يحتاج في هذا إلى نية ) أي تصرف تلك الألفاظ للعتق بل متى قال لفظا من هذه الألفاظ لعبده لزمه العتق نواه أو لم ينوه قبل العبد أو لم يقبل ، فإن نوى بشيء من هذه الألفاظ غير العتق لم يلزمه العتق ( قوله أو اعزب ) بضم الزاي المعجمة قال تعالى { لا يعزب عنه مثقال ذرة } ( قوله ودخل بالكاف كل كلام ) ظاهره حتى صريح الطلاق ، فإذا قال لرقيقه أنت طالق ونوى به العتق ، فإنه يلزمه إذ هو أولى من اسقني الماء لكن يعكر على ذلك قولهم كل ما كان صريحا في باب لا يكون كناية في غيره وانظره .

( قوله : لأن الكناية الظاهرة كالصريح في عدم الاحتياج للنية ) أي وإنما يفترقان من جهة أن الصريح لا ينصرف للغير ولو بالنية بل بالبساط والقرينة ، وأما الكناية الظاهرة فتنصرف عنه للغير بالنية أو القرينة ولا فرق في ذلك بين بابي الطلاق والعتق والحاصل أن الصريح في بابي الطلاق والعتق هو ما لا ينصرف للغير ولا بالنية بل بالقرينة والبساط والكناية الظاهرة في البابين ما لا ينصرف عنه إلا بالنية أو القرينة ولا يتوقف صرفهما له على نية ، والكناية الخفية في البابين ما لا تنصرف له إلا بالنية هذا هو التحقيق خلافا لما في عبق من مخالفة الكناية الظاهرة هنا للكناية الظاهرة في الطلاق تأمل ( قوله : وعتق على البائع ) ظاهره ولو كان البيع فاسدا أو بخيار بعد مضيه ( قوله : والمشتري ) أي مريد الشراء .

( قوله : فيعتق على البائع ) أي بمجرد قوله بعت ولو قبل أن يقول المشتري اشتريت ، وإن كان العقد يتوقف على الطرفين الإيجاب والقبول ; لأن البائع إنما علق على فعل نفسه وما ذكره المصنف من عتقه على البائع هو المشهور وقيل : إنه يعتق على المشتري قال اللخمي وهو القياس ; لأن العتق إنما يقع بتمام البيع وهو حينئذ قد انتقل لملك المشتري انظر بن ومحل الخلاف إذا حصل التعليق من كل من البائع والمشتري كما قال المصنف ، فإن علق البائع فقط عتق بالبيع ولو فاسدا اتفاقا وينقض البيع ويرد البائع الثمن ، وأما لو قال : إن بعت السلعة الفلانية فهي صدقة فالأظهر وجوب التصدق بثمنها وقيل يندب وعلى كل حال لا ينتقض البيع بخلاف العتق ( قوله : واتبع به في ذمته إن أعسر ) أي ولا يرد العتق ( قوله : الفاسد ) أي وأولى الصحيح ( قوله : في قوله لعبد : إن اشتريتك فأنت حر ) أي فبمجرد شرائه يعتق عليه ولو كان الشراء فاسدا ولو مجمعا على فساده .

( قوله : وعليه ) أي على المشتري لبائعه قيمته وظاهره كان الشراء متفقا على فساده أو مختلفا في فساده مع أن القاعدة أن البيع المختلف في فساده إذا فات يمضي بالثمن فلعل كلام الشارح محمول على المتفق على فساده أو أنه من جملة المستثنى من القاعدة كالبيع وقت نداء الجمعة فتأمل ( قوله : شراء بعضه ) أي في كونه يعتق عليه بمجرد الشراء ( قوله : لأن الحقائق الشرعية تطلق على فاسدها إلخ ) ، فإذا قال : إن اشتريتك فأنت حر اشتراه شراء فاسدا صدق عليه أنه اشتراه شرعا ، وإن قلت : البيع الفاسد لا ينتقل به الملك فمقتضاه عدم لزوم العتق للمشتري شراء فاسدا لعدم دخول العبد في ملكه قلت روعي تشوف الشارع للحرية مع تسليط البائع للمشتري على إيقاع العتق فأوقعه ( قوله : ويأخذ السيد من العبد ما اشترى به نفسه ) أي إذا كان غير خمر ونحوه ، وأما إذا كان الذي اشترى به نفسه خمرا أو خنزيرا ، فإن كان مضمونا في ذمة العبد عتق وغرم قيمة رقبته لسيده يوم عتقه ، وإن كان معينا أريق الخمر وسرح الخنزير أو قتل ولزم العتق ولا يتبع العبد بقيمة ولا غيرها .

( قوله : والشقص إلخ ) أي إنه إذا قال : إن فعلت كذا فكل عبيدي أحرار أو كل مماليكي أحرار أو كل عبد أو مملوك أملكه حر أو كل حر أو كل عبد لي أو مملوك حر وفعل ذلك الشيء ، فإنه يعتق عليه كل عبد يملكه ويعتق عليه أيضا الشقص [ ص: 363 ] الذي يملكه من عبد وينجز عليه عتق مدبره وأم ولده ومكاتبه ويعتق عليه أيضا ولد عبده الكائن من أمة العبد أو من أمة السيد ( قوله : أي أمة العبد ) أي وأولى من أمة السيد واحترز بقوله من أمته عن ولد عبده من حرة أو من أمة أجنبي ( قوله : وأما في صيغة البر ) أي كإن دخلت الدار فعبيدي أحرار ( قوله : فهو على بر ) أي حتى يدخل ، فإذا دخل حنث بخلافه بصيغة الحنث ، فإنه على حنث حتى يدخل ، فإذا دخل بر ( قوله : كما لو حدث ملكه بعد ) أي بعد يمينه ، فإنه لا يلزم فيه شيء أصلا سواء كانت الصيغة صيغة بر أو حنث كما في المدونة ولا يقاس على الأولاد الحادث حملها بعد اليمين فيفرق فيها بين صيغة الحنث والبر كما قال الشيخ كريم الدين البرموني ; لأن الفروع تعد كامنة في الأمهات انظر بن .

( قوله : بخلاف الحمل السابق إلخ ) حاصله أن ما كان حملا حين اليمين يعتق في كل من صيغة البر والحنث ، وإنما يفترقان فيما حدث الحمل به بعد اليمين فيعتق في صيغة الحنث ; لأن الأمهات مرتهنات باليمين لا يستطيع وطأهن ولا بيعهن ولا تعتق في صيغة البر على الأصوب الذي رجع إليه ابن القاسم ( قوله : عطف على مقدر ) أي وهو في التعليق إن قلت عطف الإنشاء على التعليق يوهم أن التعليق ليس من الإنشاء مع أنه منه قلت هو من عطف العام على الخاص أو يراد بالإنشاء ما قابل التعليق .

( قوله : كل مملوك إلخ ) هذا مثال للإنشاء ، وأما مثال التعليق فنحو إن دخلت الدار فكل مملوك أملكه حر .

( قوله : لا عبيد عبيده ) عورضت هذه المسألة بما في نذور المدونة فيمن حلف لا يركب دابة فلان فركب دابة عبده ، فإنه يحنث ورأى بعضهم أنه اختلاف قول وفرق اللخمي بأن الأيمان يراعى فيها النيات ، والقصد في هذه اليمين عرفا دفع المنة ، والمنة تحصل بركوب دابة العبد انظر بن .

( قوله : إذا قال واحدا مما ذكر ) أي من قوله كل مملوك أملكه حر إلخ ( قوله : لعدم تناوله ) أي كل واحد من هذه الألفاظ المذكورة ( قوله : كقوله كل امرأة أتزوجها طالق ) أي فلا يلزمه طلاق فيمن تحته ولا فيمن يتزوجها وسواء كان هناك تعليق أو لا ( قوله : أو لم يعلق ) أي كل مملوك أملكه أبدا أو في المستقبل فهو حر فهذه أربعة وذلك لأنه إما أن يقيد بأبدا أو في المستقبل أو لا يقيد وفي كل منهما إما أن يعلق أو لا يعلق ، فإن قيد فلا يلزمه فيها عتق لا لمن في ملكه ولا لمن يتجدد ملكه اتفاقا ، وأما إذا لم يقيد بأبدا ولا بقوله في المستقبل فلا يلزمه شيء فيمن يتجدد اتفاقا سواء علق أو لا كقوله كل مملوك أملكه حر أو إن دخلت الدار فكل مملوك أملكه حر ، وأما من عنده وفي ملكه فيلزمه عتقه سواء كان الحلف تعليقا أم لا على أحد قولين حكاهما ابن عرفة فيهما والثاني عدم لزوم عتقه فيهما وعليه مشى الشارح فيما يأتي وهو المعتمد فالخلاف إنما هو فيمن عنده لا فيمن يتجدد هذا هو الصواب كما في بن خلافا لما في عبق

التالي السابق


الخدمات العلمية