صفحة جزء
ذكر الأحاديث الواردة في إثم من ظلم شيئا من الأرض وطريق المسلمين

أخرج البخاري عن سعيد بن زيد قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " من ظلم من الأرض شيئا طوقه من سبع أرضين " وأخرج البخاري ، ومسلم عن سعيد بن زيد قال : أشهد لسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " من أخذ شبرا من الأرض ظلما فإنه يطوقه يوم القيامة من سبع أرضين " وأخرج البخاري ومسلم ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه كانت بينه وبين الناس خصومة في أرض فدخل على عائشة فذكر لها ذلك فقالت : يا أبا سلمة اجتنب الأرض فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين " وأخرج البخاري عن ابن عمر قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " من أخذ شيئا من الأرض بغير حقه خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين " وأخرج مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا يأخذ أحد شبرا من الأرض بغير حقه إلا طوقه الله إلى سبع أرضين يوم القيامة " وأخرج البزار في مسنده عن ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ملعون من تولى غير مواليه ملعون من ادعى إلى غير أبيه ملعون من غير علام الأرض " ، وأخرج البخاري في الأدب المفرد ، والحاكم في المستدرك عن علي بن أبي طالب قال : هذا ما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لعن الله من ذبح لغير الله ، ومن تولى لغير مواليه ، ولعن الله العاق لوالديه ، ولعن الله منتقص منار الأرض " ، وأخرج ابن أبي الدنيا في ذم الملاهي [ ص: 171 ] والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لعن الله من تولى غير مواليه ، ولعن الله من غير تخوم الأرض " ، وأخرج البيهقي عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " ملعون من غير حدود الأرض ملعون من تولى غير مواليه " ، وأخرج البزار في مسنده عن أبي رافع قال : وجدنا صحيفة في قراب سيف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد وفاته مكتوب فيها : " بسم الله الرحمن الرحيم ، فرقوا بين مضاجع الغلمان والجواري بل والأخوة والأخوات لسبع سنين واضربوا أبناءكم على الصلاة إذا بلغوا تسعا ، ملعون من ادعى إلى غير قومه أو إلى غير مواليه ، ملعون من اقتطع شيئا من تخوم الأرض " يعني بذلك طرق المسلمين ، وأخرج أحمد ، وابن حبان ، والطبراني ، عن يعلى بن مرة قال : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : أيما رجل ظلم شبرا من الأرض كلفه الله أن يحفره حتى يبلغ به سبع أرضين ، ثم يطوقه يوم القيامة حتى يقضي الله بين الناس " وفي لفظ لأحمد : " من أخذ أرضا بغير حقها كلف أن يحمل ترابها إلى المحشر " وفي رواية للطبراني : " من ظلم من الأرض شبرا كلف أن يحفره حتى يبلغ الماء ثم يحمله إلى المحشر " ، وأخرج أحمد ، والطبراني عن سعد بن أبي وقاص قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من أخذ شيئا من الأرض بغير حقه طوقه من سبع أرضين لا يقبل منه صرف ولا عدل " .

وأخرج ابن سعد في الطبقات ، والطبراني ، عن الحكم بن الحارث السلمي قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من أخذ من طريق المسلمين شبرا جاء به يوم القيامة يحمله من سبع أرضين " ، وأخرج أحمد والطبراني عن أبي مسعود قال : قلت : يا رسول الله أي الظلم أظلم ؟ فقال : " ذراع من الأرض ينتقصها المرء المسلم من حق أخيه فليس حصاة من الأرض يأخذها إلا طوقها يوم القيامة إلى قعر الأرض ولا يعلم قعرها إلا الله الذي خلقها " ، وأخرج ابن سعد ، وأحمد ، والطبراني عن أبي مالك الأشجعي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " أعظم الغلول عند الله ذراع من الأرض إذا اقتطعه طوقه من سبع أرضين " .

خاتمة : أرسلت بقضية هذا الرجل الذي أراد البروز إلى قاضي القضاة الشافعي ، وأرسلت له نقول المذهب وهذا المؤلف وعرفته أن الذي كانوا يحكمون به من الإذن في البروز بالروضة ونحوها باطل ليس بحكم الله ، ولا هو مذهب الشافعي فأذعن للحق ومنع نوابه من الحكم بذلك ، ثم أراد أن يرسل إلى الخصم ويحكم عليه بالمنع من البروز فأرسلت أقول له : إن أحسن من ذلك أن يحكم حكما عاما بالمنع من غير تعيين خصم [ ص: 172 ] ولا توجه دعوى ، فاستغرب ذلك فأرسلت أقول له أن ذلك جائز في مثل هذا ونحوه ، وقد حكم الشيخ تقي الدين السبكي نظير هذا الحكم وأبلغ منه وألف فيه مؤلفا فأرسلت إليه بمؤلف السبكي في ذلك فحكم بمنع البروز في الروضة منعا مطلقا إلى أن تقوم الساعة ونفذ هذا الحكم قاضي القضاة الحنبلي ، وقاضي القضاة المالكي ، وأرسلت بذلك وبهذا المؤلف إلى المقام الشريف مولانا السلطان فأحاط بذلك علما وتوعد أهل البروزات منعا وهدما ، وقد ختمت هذا المؤلف بقصيدة نظمت فيها المسألة لأن النظم أيسر للحفظ وأسير على الألسنة وسميتها : ( النهر لمن برز على شاطئ النهر ) وهي هذه :


بدأت ببسم الله في النظم للشعر وأثني بحمد الله في السر والجهر     وصلى إله العرش ما ذكر اسمه
على المصطفى المبعوث للسود والحمر     وهاتيك أبياتا يضاهي قريضها
إذا ما رأى الراؤون بالكوكب الدري     فمسنده لابن الفرات عذوبة
وبهجته الزهراء تعزى إلى الزهري     وألفاظه تحكي عن الماء رقة
وفيه معان كلها عن أبي بحر     شذاه إلى الآفاق طار فعرفه
وتحليقه في الجو كالورد والنسر     وذلك في حكم من الشرع بين
يفوق السنى البدري في ليلة البدر     به قال أصحاب المذاهب كلهم
وكل إمام قدوة عالم حبر     لقد عمت البلوى بأمر محرم
وظن مباحا ذاك كل امرئ غمر     ففي روضة المقياس جار بروز من
أراد بأن يسطو على البر والبحر     أتى في حريم النهر بعض بروزه
وسائره قد حل في بقعة النهر     وما قال هذا قط في الدهر عالم
ولم يستبحه في القديم أولو الخبر     وأعظم من ذا في البلية من عزا
إباحته للشافعية بالقسر     وما قال هذا الشافعي وصحبه
ولا أحد من قبل أو بعده يدري     يمينا وفجر والليالي بعشرها
وشفع ووتر ثم ليل إذا يسري     بل النص في كتب الإمام وصحبه
بأن حريم البحر والنهر إذ يجري     كلا ذين لا ملك عليه يحوزه
وإن بناء الناس فيه أخو حظر     ولا جاز إقطاع لديه ولا انزوى
إلى ملك بيت المال بيعا لمن يشري     ومن فيه يبني فليهد بناؤه
وننسفه في اليم نسفا على قدر [ ص: 173 ]     وفي حسرة يمشي على فقد جسره
وفي خسره أضحى إلى حشره يجري     وأما قديما قد رأينا مؤصلا
على نمط الجيران في السمت للجدر     فذلك نبقيه ونولي احترامه
لوضع بحق سابق غير ذي ختر     ومن رام نقلا يستفيد بعزوه
ليحكي نصوص العلم إن حل في صدر     ففي الأم نص الشافعي إمامنا
ومختصر عالي الذرى سامي القدر     وتعليقة القاضي الحسين وغيره
وكافي الخوارزمي ذي الفضل والذكر     وتهذيب محيي السنة البغوي مع
نقول كثير قد تجل عن الحصر     وفي الشرح نص الشافعي وروضة الن
واوي حيا قبره وابل القطر     كذا في فتاوى ابن الصلاح بيانه
وناهيك بالحبر النقي عن الأصر     وسار عليه في الكفاية نجمنا
أجل ففيه جاء إذ ذاك من مصر     وأوضحه في الابتهاج وغيره الإمام
التقي السبكي بالبسط والنشر     وفيه عن القفال لو رام نخلة
ليغرس بالشاطئ منعناه بالقهر     وبين ذاك الزركشي بشرحه
ومن بعد في الشرح الدميري ذو الفخر     وبينه الغزي في أدب القضا
فخذها نقولا من بحار أولي در     وخذ عن نقول المالكية مسندا
لكل إمام منهم عالم حبر     وفي مدخل ابن الحاج أعظم بسطه
وبين ما فيه من الإثم والضر     وحد حريم النهر ألف ذراعه
وذلك أعلى الحد في حرم النهر     وأما النقول المستفيضة عن أبي
حنيفة في هذا فأوفى من البحر     وحدوا حريم العين من كل جانب
بخمس ميء من أذرع هي ذو كسر     وأما نقول لابن حنبل جمة
وناهيك بالمغني فكن فيه ذا ذكر     ومذهبه في الجزر أضيق مذهب
لنص له أن ليس يبنى على جزر     ومذهبنا في ذاك أفسح مذهب
لأنهم قاسوا الحريم على البئر     وأدنى حريم البئر قد قيل خمسة
وعشرون ذرعا من ذراع أولي الشبر     وكل مكان عمه في زيادة
من الماء معدود من الأرض للنهر     وضابطه ما بين سطحين حفرة
إذ النهر مردود إلى مادة الحفر     فحفرة مجرى الماء نهر ومبدأ
الحريم من التسطيح قدرا على قدر     ومن رام في هذا البناء فإنه
أضر على المارين في البحر والبر [ ص: 174 ]     يقيم به في أكثر العام ماؤه
فلا يجد المارون طرقا إلى المر     ومن هاهنا مع هاهنا كل سالك
يمر وهذا البرز كالطود في البحر     وليس بها من يقطع الطرق غيره
فلله ممن يقطع الطرق في الظهر     وقد صح في الآثار تطويق سبعة
أراض لمن يجني من الأرض كالشبر     وقد صح أيضا لعنه وانخسافه
إلى الأرضين السبع في موقف الحشر     فمن رام مع هذا الوعيد بروزه
ففي العصر أن المعتدين لفي خسر     وألفت في منع البروز بشاطئ
على النهر تأليفا أسميه بالجهر     تضمن من هذي النقول عيونها
وأوضحت فيه ما تفرق في السفر     وقد صب حكم الشرع بالمنع هاكم
على كل ما رام البروز على النهر     لزوما لمنع في العموم لكل من
أراد بروزا في الحريم مدى الدهر     وهذا صحيح نافذ يستمر لا
يشان بإفساد ونقض ولا كسر     وقد حكم السبكي فيه نظيره
وألف تأليفا له عالي القدر     ومن لم يطع حكم الشريعة رده
إليها برغم راغم سطوة القهر     من الملك الحامي زمام شريعة
فأيده الرحمن بالعز والنصر     ونختم هذا النظم بالحمد دائما
لرب العلا المختص بالحمد والشكر     ونثني على الهادي بخير صلاته
وتسليمه فهو المشفع في الحشر     وآل له خصوا بكل مزية
وأصحابه الزاكين والأنجم الزهر     ونتبع هذا بالرضا عن أئمة
هم قدوة للخلق في كل ما عصر     إمامي أعني الشافعي ومالك
وأحمد والنعمان كل ذوو قدر     وسميت هذا النظم بالنهر زاجرا
لمن رام أن يبني على شاطئ النهر     فموضوعه بحر وبحر علومه
وعدته سبعون بيتا على بحر

ونختم بما أخرجه البيهقي في شعب الإيمان بسند ضعيف من طريق بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال : قلت يا رسول الله ما حق جاري ؟ قال : " إن مرض عدته " إلى أن قال : " ولا ترفع بناءك فوق بنائه فتسد عليه الريح " ، وأخرج ابن عدي في الكامل ، والبيهقي بسند ضعيف من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ليس بمؤمن من لم يأمن جاره بوائقه " قال : " أتدري ما حق الجار ؟ إذا استعانك [ ص: 175 ] أعنته " - إلى أن قال - ولا تستطيل عليه بالبناء تحجب عنه الريح إلا بإذنه " ، قال البيهقي : هذا شاهد للذي قبله يعتضد به .

التالي السابق


الخدمات العلمية