صفحة جزء
مسألة : أرض من أراضي مصر بيد جماعة بكرية يستغلونها ، فسألهم السلطان عن مستندهم فأظهروا محضرا ثابتا على حاكم شافعي أنها وقف السلطان صلاح الدين بن أيوب عليهم بشهادة جماعة مستندهم السماع ، وإن لم يصرحوا به ، وحكم بموجب ذلك فهل يستحقون ذلك ؟ وهل للإمام أن يقف بعض أراضي مصر على مثل هذه الجهة من غير أن يشتريها من بيت المال ؟ وهل للمخالف الذي يرى أن مصر فتحت عنوة وأن أراضيها لا تملك أن يتعرض لإبطال ذلك ؟ .

الجواب : نعم للإمام أن يقف بعض أراضي بيت المال من غير شراء على مثل الجهة المذكورة على الأصح في المذهب ، فقد نص الشافعي على ما يشهد لذلك وصرح بصحته القاضي حسين ، وأفتى به ابن أبي عصرون ، وأسعد الميهني والشاشي ، وابن الصلاح ، والنووي ، وقال ابن الرفعة في المطلب : إنه المذهب ، وصرح كل منهم بأنه لا يجوز لمن يأتي بعد تغييره ، وأما السبكي فاختار لنفسه أنه لا يجوز للإمام الوقف ، لكن ما وجدناه موقوفا لأحد من الأئمة ليس لنا أن نغيره .

فالحاصل أن عدم التغيير متفق عليه .

وقد حكى ابن الصلاح في مجاميعه صورة استفتاء في أراضي وقفها الخليفة أو السلطان نائب الخليفة على رجل ثم عقبه هل يصح ؟ وهل يجوز لأحد من الولاة تغييره وصرفه إلى جهة أخرى ؟ فأجاب علماء ذلك العصر من سائر المذاهب أن الوقف صحيح ولا يملك أحد من خلق الله اعتراضه ولا تغييره ، ومن جملة من أفتى في هذه الواقعة ابن أبي عصرون ، وهو كان عين الشافعية في زمن السلطانين العادلين نور الدين الشهيد ، وصلاح الدين بن أيوب وكان مفتيهما وقاضيهما ، وقد نص العلماء على أنهما ما وقفا الذي وقفاه إلا بإفتائه ، فالحاصل أن وقف هذه الأرض على المذكورين صحيح ، ولا يجوز لأحد تغييره ولا نقله إلى جهة أخرى ، وثبوت ذلك بالشهادة المستندة إلى الاستفاضة حيث لم يصرحوا بذلك صحيح ، أما في الوقف فأصلا ، وأما في المستحقين فضمنا كما قاله ابن الصلاح ، وابن الفركاح ، وليس للمخالف الذي يرى أن مصر فتحت عنوة أن يتعرض لذلك بنقض ولا إبطال ؛ لأنه إن كان حكم بصحته في الأصل حاكم [ ص: 181 ] شافعي فذاك ، وإلا فمعناه أمران : أحدهما ثبوت الوقف بما ذكر ، وما ثبت وقفه قديما لا يتعرض له ؛ لأن الظاهر وقوعه مستجمعا للشرائط ، والثاني : حكم الشافعي المتأخر ، وأمر ثالث : وهو أن بعض المتأخرين ذكر أن أمر الإمام الأعظم وفعله يرفعان الخلاف كحكم الحاكم تفخيما لشأنه ، ونص العلماء على أن السلطان صلاح الدين ما وقف الذي وقفه حتى أفتاه بذلك علماء عصره من الشافعية ، والحنفية ، والحنابلة ، ولولا إرادة الاختصار لسقت عباراتهم في ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية