صفحة جزء
تحفة الأنجاب بمسألة السنجاب

بسم الله الرحمن الرحيم

ورد علي سؤال صورته : ما قول مولانا شيخ الإسلام حافظ العصر مجتهد الوقت عالم أهل الأرض المبعوث في المائة التاسعة في شعر السنجاب ونحوه من شعور الميتة هل يطهر بالدباغ تبعا للجلد ، أو لا ؟ ولسنا نسألكم عن مشهور مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه ، فإن الأظهر من قوليه عند الجمهور عدم الطهارة ، بل نسألكم عما يقتضيه الدليل والنظر من حيث الاجتهاد ، والمسؤول أن يكون الجواب على طريقة الاجتهاد وأصحاب الاختيارات .

[ ص: 13 ] الجواب : الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى ، الكلام على هذه المسألة يحتاج إلى تحرير مقدمتين : الأولى في أن الشعر هل ينجس بالموت ، أو لا ينجس به ، بل يبقى على طهارته ؟ والثانية في مذاهب العلماء في طهارة الجلد بالدباغ وعدمها وحجج كل منهما .

أما المقدمة الأولى : فقد اختلف العلماء في نجاسة الشعر بالموت فذهب جماعة إلى نجاسته منهم عطاء ، والشافعي فيما حكاه عنه جمهور أصحابه : البويطي ، والمزني ، والربيع المرادي ، وحرملة ، وأصحاب القديم ، وصححه جمهور المصححين .

وقال أكثر الأئمة : إن الشعر لا ينجس بالموت . منهم عمر بن عبد العزيز ، والحسن البصري ، وحماد بن أبي سليمان الكوفي ، وأبو حنيفة ، ومالك ، والشافعي في آخر قوليه ، قال صاحب الحاوي : حكى ابن شريح ، عن أبي القاسم الأنماطي ، عن المزني ، عن الشافعي أنه رجع عن تنجس الشعر ، وذهب إليه أيضا أحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه ، والمزني ، وابن المنذر ، وداود ، وقال أبو حنيفة : لا ينجس شيء من الشعر بالموت إلا شعر الخنزير واحتج هؤلاء بقول الله تعالى ( ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين ) وهذا عام في كل حال وبقوله صلى الله عليه وسلم في الميتة : " إنما حرم أكلها " رواه الشيخان ، وبأن الشعر لا تحله الحياة بدليل أنه إذا جز لا يألم صاحبه ، فلا يحله الموت المقتضي للتنجيس ، فلا يكون نجسا ، بل يبقى على طهارته كما كان قبل الموت ، وبأن المقتضي لتنجيس اللحم والجلد ما فيها من الزهومة ، ولا زهومة في الشعر ، فلا =ينجس ، وحكى العبدري ، عن الحسن ، وعطاء ، والأوزاعي ، والليث بن سعد أن الشعر ينجس بالموت ، ولكن يطهر بالغسل ، واحتجوا بحديث أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم : " لا بأس بجلد الميتة إذا دبغ ، ولا بشعرها إذا غسل " رواه الدارقطني وسنده ضعيف ، وبالقياس على شعر غيرها إذا حلت فيه نجاسة ، فإنه يطهر بالغسل كسائر الجامدات إذا طرأت نجاستها ، وحكى الربيع الجيزي عن الشافعي أن الشعر تابع للجلد يطهر بطهارته وينجس بنجاسته ، وهذا أقوى المذاهب كما سنذكره .

التالي السابق


الخدمات العلمية