صفحة جزء
مسألة : في أي سنة كان فرض الجهاد ؟ .

الجواب : روى أحمد ، والترمذي ، والحاكم ، وغيرهم عن ابن عباس قال : لما أخرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة قال أبو بكر : أخرجوا نبيهم : ( إنا لله وإنا إليه راجعون ) ليهلكن ، فنزلت : ( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا ) الآية ، قال أبو بكر : فعرفت أنه سيكون قتال ، قال ابن عباس : فهي أول آية نزلت في القتال ، قال ابن الحصار من أئمة المالكية في كتابه " الناسخ والمنسوخ " : استنبط بعضهم من هذا الحديث أنها نزلت في سفر الهجرة .

وأخرج البيهقي في دلائل النبوة عن مجاهد قال : خرج ناس مؤمنون مهاجرين من مكة إلى المدينة ، فأتبعهم كفار قريش فأذن الله لهم في قتالهم ، فأنزل الله : ( أذن للذين يقاتلون ) الآية فقاتلوهم .

وأخرج ابن أبي حاتم في تفسيره عن ابن عباس : أن نفرا من قريش ، ومن أشراف كل قبيلة اجتمعوا ليدخلوا دار الندوة ، فاعترضهم إبليس ، فذكر القصة قال : فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنتي عشرة سنة بمكة ، ثم أذن الله له بالخروج إلى المدينة ، وأمرهم بالهجرة ، وافترض عليهم القتال ، فأنزل الله : ( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا ) الآيتان ، فكان هاتان الآيتان أول ما نزل في الحرب .

وأخرج ابن أبي حاتم عن عروة بن الزبير قال : إن أول آية نزلت في الجهاد حين ابتلي المسلمون بمكة ، وسطت بهم [ ص: 288 ] عشائرهم ليفتنوهم عن الإسلام ، وأخرجوهم من ديارهم ، فأنزل الله ( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا ) الآية ، وذلك حين أذن الله لرسوله صلى الله عليه وسلم بالخروج ، وأذن لهم بالقتال .

وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان قال : إن مشركي أهل مكة كانوا يؤذون المسلمين بمكة ، فاستأذنوا النبي صلى الله عليه وسلم في قتالهم بمكة ، فلما خرج إلى المدينة أنزل الله : ( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا ) ، وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله : ( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا ) قال : أذن لهم في قتالهم بعد ما عفي عنهم عشر سنين ، هذه الآثار كلها : متضافرة على أن ذلك كان في السنة الأولى من الهجرة ، غير أن هذه الآية مبيحة لا موجبة ، وقد نص الإمام الشافعي - رضي الله عنه - على أن القتال كان قبل الهجرة ممنوعا ، ثم أبيح بعد الهجرة ، ثم وجب بآيات الأمر ، فلعل الإيجاب كان في آخر السنة الأولى ، أو أول السنة الثانية وفيها كان مبدأ الغزوات ، وذكر القاضي عياض أن فرض الجهاد العام كان عام الفتح سنة ثمان في براءة ؛ لقوله تعالى : ( وقاتلوا المشركين كافة ) وهذا لا ينافي ما سبق ؛ لأن فرضيته قبل ذلك كانت مخصوصة ، وهذا الآية فرضت على العموم .

وقد روى النسائي ، والحاكم عن ابن عباس : أن ناسا أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا نبي الله : " كنا في عز ونحن مشركون ، فلما آمنا صرنا أزلة ، قال : " إني أمرت بالعفو فلا تقاتلوا القوم " فلما حوله الله إلى المدينة أمره بالقتال فكفوا ، فأنزل الله : ( ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم ) الآية ، وهذا أيضا ظاهر في أن فرض القتال كان في سنة الهجرة ، وفي بعض طرق الحديث ، فلما كانت الهجرة ، وأمروا بالقتال كره القوم ذلك ، فأنزل الله الآية ، ثم رأيت ابن سعد في الطبقات ذكر : أن أول لواء عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم لخمسة في رمضان على رأس سبعة أشهر من مهاجره وبعثه في ثلاثين رجلا لغير قريش ، ثم بعث سرية عبيدة بن الحارث إلى بطن رابغ في شوال ، على رأس ثمانية أشهر من مهاجره ، وبعثه في ستين رجلا ، ثم بعث سرية سعد بن أبي وقاص إلى الخرار في ذي القعدة ، على رأس تسعة أشهر من مهاجره ، وبعثه في عشرين رجلا ، فهذا كله يدل على أن فرض الجهاد كان في السنة الأولى من الهجرة ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية