صفحة جزء
مسألة : روى الطبراني في تاريخه الكبير والمسعودي في تاريخه وغيرهما : " إن أول من رمى بالقوس العربية آدم عليه السلام ، وذلك أنه لما أمره الله بالزراعة حين أهبط من الجنة وزرع ، أرسل الله طائرين عليه يأكلان ما زرع ويخرجان ما بذر ، فشكا إلى الله ذلك ، فهبط عليه جبريل وبيده قوس ووتر وسهمان ، فقال آدم : ما هذا يا جبريل ؟ فأعطاه القوس وقال : هذا قوة الله ، وأعطاه الوتر وقال : هذه شدة الله ، وأعطاه السهمين وقال : هذه نكاية الله ، وعلمه الرمي بهما ، فرمى الطائرين فقتلهما وجعلها عدة في غربته وأنسا عند وحشته ، ثم صار إلى إبراهيم الخليل ثم إلى ولده إسماعيل ، وفي رواية : قال له جبريل : خذها ونش أب ، ومنه اشتق اسم النشاب . واختلف في قوس إبراهيم عليه السلام ، هل هي القوس التي هبطت على [ ص: 432 ] آدم من الجنة أو غيرها ، فمنهم من قال : إنها هي ، وإن آدم خبأها كما خبأ عصا موسى ، ومنهم من قال : إنها غيرها ، وإن الله أهبط على إبراهيم قوسا من الجنة ، وكان ولده إسماعيل أرمى أهل زمانه ، وعنه أخذ الرمي بأرض الحجاز ، والذي ذكر أن إبراهيم صنعها هي قوس النبع ، وصح أن ترك الرمي بعد تعلمه معصية ، رواه مسلم من حديث عقبة بن عامر ، وثبت أنه صلى الله عليه وسلم رمى بالقوس وركب الخيل مسرجة ومعراة ، وتقلد بالسيف وطعن بالرمح ، وكان عنده ثلاث قسي : قوس تدعى الروحاء ، وقوس تسمى البيضاء ، وقوس تسمى الصفراء ، وقال : " إن الله ليدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة : صانعه المحتسب فيه الخير ، والرامي به ، ومنبله ، وارموا واركبوا ، وإن ترموا أحب إلي من أن تركبوا ، وكل شيء يلهو به المؤمن باطل إلا تأديبه فرسه ورميه عن قوسه وملاعبة امرأته " فهل هذه الأخبار صحيحة ؟ بينوا لنا ذلك ، وإن كان عندكم زيادة فتفضلوا بها .

الجواب : أما المنقول عن الطبري أولا فلم أر له أصلا في الحديث ، وراجعت تاريخ الطبري في ترجمة آدم وإبراهيم وإسماعيل عليهما السلام فلم أجده فيه ، ولا يبعد صحته ; فإن الله تعالى علم آدم علم كل شيء ، وقد ورد الحديث بأن أول من نطق بالعربية إسماعيل ، ورأيت من صرح بأن أول من تكلم بها آدم حتى تقادمت العربية فحرفت وصارت سريانية ، فجاء إسماعيل وفتق الله لسانه بها ، وأما حديث عقبة بن عامر فهو في صحيح مسلم كما ذكر ، وأما كونه صلى الله عليه وسلم رمى بالقوس وركب الخيل ، فصحيح ثابت في الأحاديث المشهورة ، ومن ركوبه الخيل معرورات ركوبه فرس أبي الدحداح ليلة فزع أهل المدينة ، ثم رجع وهو يقول : لن تراعوا لن تراعوا . وأما تقلده السيف . . .

وأما حديث إن الله ليدخل بالسهم الواحد - الحديث بطوله ، فأخرجه أبو داود والترمذي والنسائي من حديث عقبة بن عامر ، والطبراني في الأوسط من حديث أبي هريرة ، وله شواهد كثيرة ، وأما زيادة على ذلك إجابة لما التمس السائل ، فروى ابن أبي الدنيا في كتاب الرمي من طريق الضحاك بن مزاحم عن ابن عباس قال : أول من عمل القسي إبراهيم ، عمل لإسماعيل قوسا ولإسحاق قوسا ، فكانوا يرمون بهما ، فعلمهم الرمي ، وكان أول من اتخذ القوس الفارسية نمروذ ، وروى من حديث أبي رافع مرفوعا : " حق الولد على الوالد أن يعلمه الكتابة والسباحة والرمي " وفي الصحيح : " ارموا بني [ ص: 433 ] إسماعيل فإن أباكم كان راميا " وفي صحيح مسلم في تفسير قوله تعالى : ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ) " ألا إن القوة الرمي " قالها ثلاثا ، وروى الطبراني من حديث أبي الدرداء : " من مشى بين الغرضين كان له بكل خطوة حسنة " . وروى ابن أبي الدنيا من حديث أبي هريرة : " تعلموا الرمي فإن بين الهدفين روضة من رياض الجنة " وروى الطبراني في الصغير عن عائشة مرفوعا : " ما على أحدكم إذا ألح به همه أن يتقلد قوسه فينفي بها همه " وأسانيدها ضعيفة ، وروي في الكبير من حديث أبي عمرو الأنصاري البدري : " من رمى بسهم في سبيل الله قصر أو بلغ كان له نورا يوم القيامة " وسنده ضعيف أيضا ، والأحاديث المتعلقة بالرمي كثيرة ، وقد ألفت كتابا في الرمي سميته غرس الأنشاب في الرمي بالنشاب ، وكتابا في الخيل سميته جر الذيل في علم الخيل .

التالي السابق


الخدمات العلمية