صفحة جزء
47 - حسن التسليك في حكم التشبيك

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى : قال البخاري في صحيحه : " باب تشبيك الأصابع في المسجد وغيره " وأورد فيه حديث أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ، وشبك بين أصابعه " ، وحديث أبي هريرة : " صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي فصلى بنا ركعتين ثم سلم فقام إلى خشبة معروضة في المسجد فاتكأ عليها كأنه غضبان ، ووضع يده اليمنى على اليسرى وشبك بين أصابعه " ، قال الحافظ ابن حجر في شرحه : حديث أبي موسى دال على جواز التشبيك مطلقا ، وحديث أبي هريرة دال على جوازه في المسجد فهو في غيره أجوز .

ووقع في بعض نسخ البخاري قبل هذين الحديثين حديث آخر نصه : حدثنا حامد بن عمر ثنا بشر ثنا عاصم ، ثنا واقد عن أبيه ، عن ابن عمر قال : شبك النبي صلى الله عليه وسلم أصابعه ، قال الحافظ مغلطاي : هذا الحديث ليس موجودا في أكثر نسخ الصحيح ، وقال الحافظ ابن حجر : هو ثابت في رواية حماد بن شاكر عن البخاري قال ابن بطال : المقصود من هذه الترجمة معارضة ما ورد في النهي عن التشبيك في المسجد ، وقد وردت فيه مراسيل ومسند من طرق غير ثابتة ، وقال ابن المنير : التحقيق أنه ليس بين الأحاديث تعارض إذ المنهي عنه فعله على وجه العبث ، وجمع الإسماعيلي بأن النهي مقيد بما إذا كان في الصلاة أو قاصدا إليها ، إذ منتظر الصلاة في حكم المصلي ، وقيل : إن صورته تشبه صورة [ ص: 13 ] الاختلاف ، فكره ذلك لمن هو في حكم الصلاة ، حتى لا يقع في المنهي عنه ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم للمصلين : " ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم ، وقال الحافظ مغلطاي في شرح البخاري : زعم بعضهم أن هذه الأحاديث التي أوردها البخاري في هذا الباب معارضة لحديث النهي عن التشبيك ، وقال ابن بطال : إن حديث النهي ليس مساويا لهذه الأحاديث في الصحة ، وقال الأكثر : حديث النهي مخصوص بالصلاة وهو قول مالك : روى عنه أنه قال : إنهم لينكرون تشبيك الأصابع في المسجد وما به بأس ، وإنما يكره في الصلاة ، ورخص فيه ابن عمر ، وسالم ابنه ، فكانا يشبكان بين أصابعهما في الصلاة ، ثم قال مغلطاي : والتحقيق أنه ليس بين حديث النهي عن التشبيك وبين تشبيكه صلى الله عليه وسلم بين أصابعه معارضة ; لأن النهي إنما ورد عن فعله في الصلاة أو في المضي إليها ، وفعله صلى الله عليه وسلم للتشبيك ليس في صلاة ولا في المضي إليها ، فلا معارضة إذن وبقي كل حديث على حياله انتهى .

قلت : ومن الأحاديث في تشبيكه صلى الله عليه وسلم ما أخرجه البخاري ، والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمر ، قال : " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بفناء الكعبة محتبيا بيده هكذا - زاد البيهقي - وشبك بين أصابعه " . وأخرج أبو داود عن عبد الله بن عمرو بن العاص : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " كيف بكم وبزمان يغربل الناس فيه غربلة تبقى حثالة من الناس قد مرجت عهودهم وأماناتهم ، واختلفوا فكانوا هكذا وشبك بين أصابعه " .

وأخرج البزار عن ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كيف أنتم في قوم مرجت عهودهم وأيمانهم وأماناتهم ، وصاروا هكذا وشبك بين أصابعه " .

وأخرج الطبراني عن سهل بن سعد الساعدي قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال : " كيف ترون إذا أخرتم في زمان حثالة من الناس قد مرجت عهودهم ونذورهم فاشتبكوا فكانوا هكذا وشبك بين أصابعه ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم قال : تأخذون ما تعرفون وتدعون ما تنكرون ، ويقبل أحدكم على خاصة نفسه ويذر أمر العامة .

وأخرج الطبراني عن عبادة بن الصامت قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كيف أنت إذا كنت في حثالة من الناس واختلفوا حتى يكونوا هكذا وشبك بين أصابعه ؟ قال : الله ورسوله أعلم قال : خذ ما تعرف ودع ما تنكر " .

وأخرج الشافعي ، وأحمد ، وأبو داود ، والنسائي بسند صحيح على شرط مسلم ، عن جبير بن مطعم قال : لما كان يوم خيبر وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم ذوي القربى في بني هاشم وبني المطلب ، وترك بني نوفل وبني عبد [ ص: 14 ] شمس فانطلقت أنا وعثمان بن عفان حتى أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا : يا رسول الله هؤلاء بنو هاشم لا ننكر فضلهم للموضع الذي وضعك الله به منهم ، فما بال إخواننا بني المطلب أعطيتهم وتركتنا وقرابتنا واحدة ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أنا وبنو المطلب لا نفترق في جاهلية ولا إسلام ، وإنما نحن وهم شيء واحد وشبك بين أصابعه " .

وأخرج البيهقي في الزهد عن أبي ذر قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا أبا ذر كيف أنت إذا كنت في حثالة وشبك بين أصابعه ؟ قلت : يا رسول الله ما تأمرني ؟ اصبر ، اصبر ، اصبر خالقوا الناس بأخلاقهم وخالفوهم في أعمالهم " .

وأخرج الترمذي عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا دفن العبد الكافر يقول له القبر لا مرحبا ولا أهلا ، ثم يلتئم عليه حتى تلتقي أضلاعه ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصابع يديه فشبكها " . وأخرج مسلم ، وأبو داود عن جابر في حديث الحج قال : قام سراقة بن جعشم فقال : يا رسول الله ألعامنا هذا أم لأبد ؟ فشبك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه في الأخرى ، وقال : " دخلت العمرة في الحج مرتين " .

وأخرج ابن عساكر عن ابن مسعود ، قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أي المؤمنين أعلم ؟ قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : إذا اختلفوا وشبك بين أصابعه أبصرهم بالحق ، وإن كان في عمله تقصير ، وإن كان يزحف زحفا " .

التالي السابق


الخدمات العلمية