صفحة جزء
العجاجة الزرنبية في السلالة الزينبية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى . مسألة : علي بن أبي طالب رضي الله عنه رزق من الأولاد الذكور أحدا وعشرين ولدا ، ومن الإناث ثماني عشرة على خلاف في ذلك ، والذين أعقبوا من ولده الذكور خمسة ، قال ابن سعد في الطبقات : كان النسل من ولد علي لخمسة : الحسن ، والحسين ، ومحمد بن الحنفية ، والعباس بن الكلابية ، وعمر بن التغلبية .

مسألة : فاطمة الزهراء رضي الله عنها رزقت من الأولاد خمسة : الحسن ، والحسين ، ومحسنا ، وأم كلثوم ، وزينب فأما محسن فدرج سقطا ، وأما الحسن والحسين فأعقبا الكثير الطيب ، وأما أم كلثوم فتزوجها عمر بن الخطاب رضي [ ص: 38 ] الله عنه ، وولدت له زيدا ورقية ، وتزوجها بعده ابن عمها عون بن جعفر بن أبي طالب فمات عنها ، ثم تزوجها بعده أخوه محمد فمات عنها ، ثم تزوجها بعده أخوه عبد الله بن جعفر فماتت عنده ، ولم تلد لأحد من الثلاثة شيئا ، وأما زينب ، فتزوجها ابن عمها عبد الله بن جعفر فولدت له عليا ، وعونا الأكبر ، وعباسا ، ومحمدا ، وأم كلثوم .

مسألة : أولاد زينب المذكورة من عبد الله بن جعفر موجودون بكثرة ، ونتكلم عليهم من عشرة أوجه :

أحدها : أنهم من آل النبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته بالإجماع ; لأن آله هم المؤمنون من بني هاشم والمطلب ، وأخرج مسلم ، والنسائي عن زيد بن أرقم قال : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا فقال : " أذكركم الله في أهل بيتي " ثلاثا فقيل لزيد بن أرقم : ومن أهل بيته ؟ قال : أهل بيته من حرم الصدقة بعده ، قيل : ومن هم ؟ قال : آل علي ، وآل عقيل ، وآل جعفر ، وآل عباس .

الثاني : أنهم من ذريته وأولاده بالإجماع ، وهذا المعنى أخص من الذي قبله .

قال البغوي في التهذيب : أولاد بنات الإنسان لا ينسبون إليه ، وإن كانوا معدودين في ذريته حتى لو أوصى لأولاد أولاد فلان يدخل فيه ولد البنت .

الثالث : أنهم هل يشاركون أولاد الحسن ، والحسين في أنهم ينسبون إلى النبي صلى الله عليه وسلم ؟ والجواب لا ، وهذا المعنى أخص من الوجه الذي قبله .

وقد فرق الفقهاء بين من يسمى ولدا للرجل وبين من ينسب إليه ; ولهذا قالوا : لو قال : وقفت على أولادي دخل ولد البنت ، ولو قال : وقفت على من ينسب إلي من أولادي لم يدخل ولد البنت ، وقد ذكر الفقهاء من خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه ينسب إليه أولاد بناته ، ولم يذكروا مثل ذلك في أولاد بنات بناته ، فالخصوصية للطبقة العليا فقط ، فأولاد فاطمة الأربعة ينسبون إليه ، أولاد الحسن والحسين ينسبون إليهما ، فينسبون إليه ، وأولاد زينب وأم كلثوم ينسبون إلى أبيهم عمر وعبد الله لا إلى الأم إلى أبيها صلى الله عليه وسلم لأنهم أولاد بنت بنته لا أولاد بنته ، فجرى الأمر فيهم على قاعدة الشرع في أن الولد يتبع أباه في النسب لا أمه ، وإنما خرج أولاد فاطمة وحدها للخصوصية التي ورد الحديث بها ، وهو مقصور على ذرية الحسن والحسين .

أخرج الحاكم في المستدرك عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لكل بني أم عصبة إلا ابني فاطمة أنا وليهما وعصبتهما " .

وأخرج أبو يعلى في مسنده عن فاطمة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لكل بني أم عصبة إلا ابني فاطمة أنا وليهما وعصبتهما " فانظر إلى لفظ الحديث كيف خص الانتساب والتعصيب بالحسن والحسين ، دون أختيهما لأن أولاد أختيهما إنما ينسبون إلى آبائهم . ولهذا جرى السلف والخلف [ ص: 39 ] على أن ابن الشريفة لا يكون شريفا ، ولو كانت الخصوصية عامة في أولاد بناته ، وإن سفلن لكان ابن كل شريفة شريفا تحرم عليه الصدقة ، وإن لم يكن أبوه كذلك ، كما هو معلوم ، ولهذا حكم صلى الله عليه وسلم بذلك لابني فاطمة دون غيرها من بناته ; لأن أختها زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تعقب ذكرا حتى يكون كالحسن والحسين في ذلك ، وإنما أعقبت بنتا وهي أمامة بنت أبي العاصي بن الربيع ، فلم يحكم لها صلى الله عليه وسلم بهذا الحكم مع وجودها في زمنه ، فدل على أن أولادها لا ينسبون إليها لأنها بنت بنته ، وأما هي فكانت تنسب إليه بناء على أن أولاد بناته ينسبون إليه ، ولو كان لزينب ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولد ذكر لكان حكمه حكم الحسن والحسين في أن ولده ينسبون إليه صلى الله عليه وسلم ، هذا تحرير القول في هذه المسألة ، وقد خبط جماعة من أهل العصر في ذلك ، ولم يتكلموا فيه بعلم .

الوجه الرابع : أنهم هل يطلق عليهم أشراف ؟ والجواب : إن اسم الشريف كان يطلق في الصدر الأول على كل من كان من أهل البيت سواء كان حسنيا أم حسينيا أم علويا ، من ذرية محمد بن الحنفية وغيره من أولاد علي بن أبي طالب ، أم جعفريا أم عقيليا أم عباسيا ، ولهذا تجد تاريخ الحافظ الذهبي مشحونا في التراجم بذلك يقول : الشريف العباسي ، الشريف العقيلي ، الشريف الجعفري ، الشريف الزينبي ، فلما ولي الخلفاء الفاطميون بمصر قصروا اسم الشريف على ذرية الحسن والحسين فقط ، فاستمر ذلك بمصر إلى الآن ، وقال الحافظ ابن حجر في كتاب الألقاب : الشريف ببغداد لقب لكل عباسي ، وبمصر لقب لكل علوي انتهى .

ولا شك أن المصطلح القديم أولى وهو إطلاقه على كل علوي وجعفري وعقيلي وعباسي كما صنعه الذهبي وكما أشار إليه الماوردي من أصحابنا ، والقاضي أبو يعلى بن الفراء من الحنابلة كلاهما في الأحكام السلطانية ، ونحوه قول ابن مالك في الألفية : وآله المستكملين الشرفا ، فلا ريب في أنه يطلق على ذرية زينب المذكورين أشراف ، وكم أطلق الذهبي في تاريخه في كثير من التراجم قوله : الشريف الزينبي ، وقد يقال : يطلق على مصطلح أهل مصر : الشرف أنواع عام لجميع أهل البيت ، وخاص بالذرية ، فيدخل فيه الزينبية وأخص منه شرف النسبة ، وهو مختص بذرية الحسن والحسين .

الوجه الخامس : أنهم تحرم عليهم الصدقة بالإجماع ; لأن بني جعفر من الآل .

السادس : أنهم يستحقون سهم ذوي القربى بالإجماع .

[ ص: 40 ] السابع : أنهم يستحقون من وقف بركة الحبش بالإجماع ; لأن بركة الحبش لم توقف على أولاد الحسن والحسين خاصة ، بل وقفت نصفين : النصف الأول على الأشراف وهم أولاد الحسن والحسين ، والنصف الثاني على الطالبيين وهم ذرية علي بن أبي طالب من محمد ابن الحنفية وإخوته ، وذرية جعفر بن أبي طالب ، وذرية عقيل بن أبي طالب ، وثبت هذا الوقف على هذا الوجه على قاضي القضاة بدر الدين يوسف السنجاوي في ثاني عشر ربيع الآخر سنة أربعين وستمائة ، ثم اتصل ثبوته على شيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام تاسع عشري ربيع الآخر من السنة المذكورة ، ثم اتصل ثبوته على قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة . ذكر ذلك ابن المتوج في كتابه "إيقاظ المتأمل" .

الثامن : هل يلبسون العلامة الخضراء ؟ والجواب أن هذه العلامة ليس لها أصل في الشرع ، ولا في السنة ، ولا كانت في الزمن القديم ، وإنما حدثت في سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة بأمر الملك الأشرف شعبان بن حسين ، وقال في ذلك جماعة من الشعراء ما يطول ذكره من ذلك قول أبي عبد الله بن جابر الأندلسي الأعمى صاحب شرح الألفية المشهور بالأعمى والبصير :

جعلوا لأبناء الرسول علامة إن العلامة شأن من لم يشهر     نور النبوة في وسيم وجوههم
يغني الشريف عن الطراز الأخضر

وقال الأديب شمس الدين محمد بن إبراهيم الدمشقي :

أطراف تيجان أتت من سندس     خضر بأعلام على الأشراف
والأشرف السلطان خصصهم بها     شرفا ليعرفهم من الأطراف



وحظ الفقيه في ذلك إذا سئل أن يقول : ليس هذه العلامة بدعة مباحة لا يمنع منها من أرادها من شريف وغيره ، ولا يؤمر بها من تركها من شريف وغيره ، والمنع منها لأحد من الناس كائنا من كان ليس أمرا شرعيا ; لأن الناس مضبوطون بأنسابهم الثابتة ، وليس لبس العلامة مما ورد به شرع فيتبع إباحة ومنعا - أقصى ما في الباب - أنه أحدث التمييز بها لهؤلاء عن غيرهم ، فمن الجائز أن يخص ذلك بخصوص الأبناء المنتسبين إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وهم ذرية الحسن والحسين ، ومن الجائز أن يعمم في كل ذريته وإن لم ينتسبوا إليه كالزينبية ، ومن الجائز أن يعمم في كل أهل البيت كباقي العلوية [ ص: 41 ] والجعفرية والعقيلية كل جائز شرعا ، وقد يستأنس فيها بقوله تعالى : ( ياأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين ) فقد استدل بها بعض العلماء على تخصيص أهل العلم بلباس يختصون به من تطويل الأكمام وإدارة الطيلسان ونحو ذلك ليعرفوا فيجلوا تكريما للعلم ، وهذا وجه حسن والله أعلم .

التاسع : هل يدخلون في الوصية على الأشراف ؟

والعاشر : هل يدخلون في الوقف على الأشراف ؟ والجواب : أنه إن وجد في كلام الموصي والواقف نص يقتضي دخولهم أو خروجهم اتبع ، وإن لم يوجد فيه ما يدل على هذا ولا هذا فقاعدة الفقه أن الوصايا والأوقاف تنزل على عرف البلد ، وعرف مصر من عهد الخلفاء الفاطميين إلى الآن أن الشريف لقب لكل حسني وحسيني خاصة فلا يدخلون على مقتضى هذا العرف ، وإنما قدمت دخولهم في وقف بركة الحبش ; لأن واقفها نص في وقفه على ذلك حيث وقف نصفها على الأشراف ، ونصفها على الطالبيين .

التالي السابق


الخدمات العلمية