صفحة جزء
الوجه الثالث : إذا تقرر أن أثر طاوس حكمه حكم الحديث المرفوع المرسل ، وإسناده إلى التابعي صحيح ، كان حجة عند الأئمة الثلاثة أبي حنيفة ومالك وأحمد مطلقا من غير شرط ، وأما عند الإمام الشافعي رضي الله عنه فإنه يحتج بالمرسل إذا اعتضد بأحد أمور مقررة في محلها ، منها مجيء آخر أو صحابي يوافقه ، والاعتضاد هاهنا موجود ، فإنه روي مثله عن مجاهد وعن عبيد بن عمير ، وهما تابعيان إن لم يكن عبيد صحابيا ، فهذان مرسلان آخران يعضدان المرسل الأول .

قال الترمذي في آخر كتابه : حدثنا أبو بكر ، عن علي بن عبد الله قال : قال يحيى بن سعيد : مرسلات مجاهد أحب إلي من مرسلات عطاء بن أبي رباح بكثير ، كان عطاء يأخذ عن كل ضرب ، قال علي : قلت ليحيى : مرسلات مجاهد أحب إليك أم مرسلات طاوس ؟ قال : ما أقربهما .

وأما إذا قلنا بثبوت الصحبة لعبيد بن عمير ، فإن الحديث يكون مرفوعا متصلا من طريقه ، وأثر طاوس شاهد قوي له يرقيه إلى مرتبة الصحة ، وقد احتج ابن عبد البر بأثر عبيد بن [ ص: 222 ] عمير هذا على ما ذهب إليه من اختصاص السؤال بالمنافق ، وأن الكافر الصريح لا يسأل ، ولولا ثبوته عنده وصحته ما احتج به .

وقد قال النووي في " شرح مسلم " : الحديث المرسل إذا روي من طريق آخر متصلا تبينا به صحة المرسل ، وجاز الاحتجاج به ، ويصير في المسألة حديثان صحيحان .

التالي السابق


الخدمات العلمية