صفحة جزء
ذكر الأحاديث الواردة في أن أهل الفترة يمتحنون يوم القيامة ، فمن أطاع منهم أدخل الجنة ، ومن عصى أدخل النار .

الحديث الأول : أخرج الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه في مسنديهما ، والبيهقي في " كتاب الاعتقاد " وصححه ، عن الأسود بن [ ص: 247 ] سريع ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أربعة يمتحنون يوم القيامة ، رجل أصم لا يسمع شيئا ، ورجل أحمق ، ورجل هرم ، ورجل مات في فترة ، فأما الأصم فيقول : رب لقد جاء الإسلام وما أسمع شيئا ، وأما الأحمق فيقول : رب لقد جاء الإسلام والصبيان يحذفوني بالبعر ، وأما الهرم فيقول : رب لقد جاء الإسلام وما أعقل شيئا ، وأما الذي مات في الفترة فيقول : رب ما أتاني لك رسول ، فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه ، فيرسل إليهم أن ادخلوا النار ، فمن دخلها كانت عليه بردا وسلاما ، ومن لم يدخلها يسحب إليها .

الحديث الثاني : أخرج أحمد وإسحاق بن راهويه في مسنديهما ، وابن مردويه في تفسيره ، والبيهقي في " الاعتقاد " ، عن أبي هريرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أربعة يمتحنون ، فذكر مثل حديث الأسود بن سريع سواء .

الحديث الثالث : أخرج البزار في مسنده ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يؤتى بالهالك في الفترة ، والمعتوه ، والمولود ، فيقول الهالك في الفترة : لم يأتني كتاب ولا رسول ، ويقول المعتوه : أي رب ، لم تجعل لي عقلا أعقل به خيرا ولا شرا ، ويقول المولود : لم أدرك العمل ، قال : فيرفع لهم نار ، فيقال لهم : ردوها - أو قال : ادخلوها - فيدخلها من كان في علم الله سعيدا لو أدرك العمل ، ويمسك عنها من كان في علم الله شقيا لو أدرك العمل ، فيقول تبارك وتعالى : وإياي عصيتم ، فكيف برسلي بالغيب ؟ في إسناده عطية العوفي ، فيه ضعف ، والترمذي يحسن حديثه ، وهذا الحديث له شواهد تقتضي الحكم بحسنه وثبوته .

الحديث الرابع : أخرج البزار وأبو يعلى في مسنديهما ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يؤتى بأربعة يوم القيامة ، بالمولود ، والمعتوه ، ومن مات في الفترة وبالشيخ الفاني ، كلهم يتكلم بحجته ، فيقول الله تبارك وتعالى لعنق من جهنم : ابرزي ، فيقول لهم : إني كنت أبعث إلى عبادي رسلا من أنفسهم ، وإني رسول نفسي إليكم ، ادخلوا هذه ، فيقول من كتب الله عليه الشقاء : يا رب أتدخلناها ومنها كنا نفرق ، ومن كتب له السعادة فيمضي فيقتحم فيها مسرعا ، فيقول الله : قد عصيتموني فأنتم لرسلي أشد تكذيبا ومعصية ، فيدخل هؤلاء الجنة ، وهؤلاء النار .

الحديث الخامس : أخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن أبي هريرة قال : إذا كان يوم القيامة ، جمع الله أهل الفترة ، والمعتوه ، والأصم ، والأبكم ، والشيوخ الذين لم يدركوا الإسلام ، ثم أرسل إليهم رسولا أن ادخلوا النار ، فيقولون : كيف ولم تأتنا رسل ؟ قال : وايم الله ، لو دخلوها لكانت عليهم بردا وسلاما ، ثم يرسل إليهم ، فيطيعه من كان يريد أن يطيعه ، قال أبو هريرة : اقرءوا إن شئتم ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) إسناده صحيح على شرط الشيخين ، ومثله لا يقال [ ص: 248 ] من قبل الرأي ، فله حكم الرفع .

الحديث السادس : أخرج البزار ، والحاكم في مستدركه ، عن ثوبان ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا كان يوم القيامة جاء أهل الجاهلية يحملون أوثانهم على ظهورهم ، فيسألهم ربهم ، فيقولون : ربنا لم ترسل إلينا رسولا ، ولم يأتنا لك أمر ، ولو أرسلت إلينا رسولا لكنا أطوع عبادك ، فيقول لهم ربهم : أريتكم إن أمرتكم بأمر تطيعوني ؟ فيقولون : نعم ، فيأمرهم أن يعمدوا إلى جهنم فيدخلوها ، فينطلقون حتى إذا دنوا منها وجدوا لها تغيظا وزفيرا ، فرجعوا إلى ربهم ، فيقولون : ربنا أجرنا منها ، فيقول لهم : ألم تزعموا أني إن أمرتكم بأمر تطيعوني ؟ فيأخذ على ذلك مواثيقهم فيقول : اعمدوا إليها فادخلوها ، فينطلقون حتى إذا رأوها فرقوا ورجعوا فقالوا : ربنا فرقنا منها ، ولا نستطيع أن ندخلها ، فيقول : ادخلوها داخرين ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لو دخلوها أول مرة كانت عليهم بردا وسلاما . قال الحاكم : صحيح على شرط البخاري ومسلم .

الحديث السابع : أخرج الطبراني ، وأبو نعيم ، عن معاذ بن جبل ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يؤتى يوم القيامة بالممسوخ عقلا ، وبالهالك في الفترة ، وبالهالك صغيرا ، فيقول الممسوخ عقلا : يا رب لو آتيتني عقلا ما كان من آتيته عقلا بأسعد بعقله مني ، وذكر في الهالك في الفترة والصغير نحو ذلك ، فيقول الرب : إني آمركم بأمر فتطيعون ؟ فيقولون : نعم ، فيقول : اذهبوا فادخلوا النار ، قال : ولو دخلوها ما ضرتهم ، فتخرج عليهم فرائص ، فيظنون أنها قد أهلكت ما خلق الله من شيء ، فيرجعون سراعا ، ثم يأمرهم الثانية فيرجعون كذلك ، فيقول الرب : قبل أن أخلقكم علمت ما أنتم عاملون ، وعلى علمي خلقتكم ، وإلى علمي تصيرون ، ضميهم ، فتأخذهم .

قال الكيا الهراسي في تعليقه في الأصول في مسألة شكر المنعم : اعلم أن الذي استقر عليه آراء أهل السنة قاطبة أنه لا مدرك للأحكام سوى الشرع المنقول ، ولا يتلقى حكم من قضيات العقول ، فأما من عدا أهل الحق من طبقات الخلق ، كالرافضة ، والكرامية ، والمعتزلة ، وغيرهم ، فإنهم ذهبوا إلى أن الأحكام منقسمة ، فمنها ما يتلقى من الشرع المنقول ، ومنها ما يتلقى من قضيات العقول ، قال : وأما نحن فنقول : لا يجب شيء قبل مجيء الرسول ، فإذا ظهر وأقام المعجزة تمكن العاقل من النظر ، فنقول : لا يعلم أول الواجبات إلا بالسمع ، فإذا جاء الرسول وجب عليه النظر ، وعند هذا يسأل المستطرفون : ما الواجب الذي هو طاعة وليس بقربة ؟ وجوابه : أن النظر الذي هو أول الواجبات طاعة وليس بقربة ؛ لأنه ينظر للمعرفة ، فهو مطيع وليس بمتقرب ؛ لأنه إنما [ ص: 249 ] يتقرب إلى من يعرفه ، قال: وقد ذكر شيخنا الإمام في هذا المقام شيئا حسنا ، فقال : قبل مجيء الرسول تتعارض الخواطر والطرق ، إذ ما من خاطر يعرض له إلا ويمكن أن يقدر أن يخطر خاطر آخر على نقيضه ، فتتعارض الخواطر ويقع العقل في حيرة ودهشة ، فيجب التوقف إلى أن تنكشف الغمة ، وليس ذلك إلا بمجيء الرسول ، وهاهنا قال الأستاذ أبو إسحاق : إن قول " لا أدري " نصف العلم ، ومعناه أنه انتهى علمي إلى حد وقف عند مجازه العقل - وهذا إنما يقوله من دقق في العلم وعرف مجاري العقل مما لا يجري فيه ويقف عنده . انتهى .

وقال الإمام فخر الدين الرازي في " المحصول " : شكر المنعم لا يجب عقلا خلافا للمعتزلة ؛ لنا أنه لو تحقق الوجوب قبل البعثة لعذب تاركه ، فلا وجوب . أما الملازمة فبينة . وأما أنه لا تعذيب فلقوله سبحانه : ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) نفى التعذيب إلى غاية البعثة فينتفي ، وإلا وقع الخلف في قول الله ، وهو محال ، انتهى .

وذكر أتباعه مثل ذلك ، كصاحب " الحاصل والتحصيل " ، والبيضاوي في منهاجه .

وقال القاضي تاج الدين السبكي في شرح مختصر ابن الحاجب على مسألة شكر المنعم : تتخرج مسألة من لم تبلغه الدعوة ، فعندنا يموت ناجيا ولا يقاتل حتى يدعى إلى الإسلام ، وهو مضمون بالكفارة والدية ، ولا يجب القصاص على قاتله على الصحيح .

وقال البغوي في " التهذيب " : أما من لم تبلغه الدعوة فلا يجوز قتله قبل أن يدعى إلى الإسلام ، فإن قتل قبل أن يدعى إلى الإسلام وجب في قتله الدية والكفارة ، وعند أبي حنيفة لا يجب الضمان بقتله ، وأصله أنه عندهم محجوج عليه بعقله ، وعندنا هو غير محجوج عليه قبل بلوغ الدعوة إليه ؛ لقوله : ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) فثبت أنه لا حجة عليه قبل مجيء الرسول ، انتهى .

وقال الرافعي في الشرح : من لم تبلغه الدعوة لا يجوز قتله قبل الإعلام والدعاء إلى الإسلام ، ولو قتل كان مضمونا ، خلافا لأبي حنيفة ، وبني الخلاف على أنه محجوج عليه بالعقل عنده ، وعندنا من لم تبلغه الدعوى لا تثبت عليه الحجة ، ولا تتوجه المؤاخذة ، قال تعالى : ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) انتهى .

وقال الغزالي في " البسيط " : من لم تبلغه الدعوة يضمن بالدية والكفارة لا بالقصاص على الصحيح ؛ لأنه ليس مسلما على التحقيق ، وإنما هو في معنى المسلم .

وقال ابن الرفعة في " الكفاية " : لأنه مولود على الفطرة ولم يظهر منه عناد .

[ ص: 250 ] وقال النووي في " شرح مسلم " في مسألة أطفال المشركين : المذهب الصحيح المختار الذي صار إليه المحققون أنهم في الجنة ؛ لقوله تعالى : ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) قال : وإذا كان لا يعذب البالغ لكونه لم تبلغه الدعوة ، فغيره أولى ، انتهى .

فإن قلت : هذا المسلك الذي قررته هل هو عام في أهل الجاهلية كلهم ؟ قلت : لا ، بل هو خاص بمن لم تبلغه دعوة نبي أصلا ، أما من بلغته منهم دعوة أحد من الأنبياء السابقين ثم أصر على كفره فهو في النار قطعا ، وهذا لا نزاع فيه . وأما الأبوان الشريفان ، فالظاهر من حالهما ما ذهبت إليه هذه الطائفة من عدم بلوغهما دعوة أحد ، وذلك لمجموع أمور : تأخر زمانهما ، وبعد ما بينهما وبين الأنبياء السابقين ، فإن آخر الأنبياء قبل بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم عيسى عليه السلام ، وكانت الفترة بينه وبين بعثة نبينا نحو ستمائة سنة ، ثم إنهما كانا في زمن جاهلية ، وقد طبق الجهل الأرض شرقا وغربا ، وفقد من يعرف الشرائع ويبلغ الدعوة على وجهها ، إلا نفرا يسيرا من أحبار أهل الكتاب مفرقين في أقطار الأرض ، كالشام وغيرها ، ولم يعهد لهما تقلب في الأسفار سوى إلى المدينة ، ولا عمرا عمرا طويلا بحيث يقع لهما فيه التنقيب والتفتيش ، فإن والد النبي صلى الله عليه وسلم لم يعش من العمر إلا قليلا .

قال الإمام الحافظ صلاح الدين العلائي في كتابه " الدرة السنية في مولد سيد البرية " : كان سن عبد الله حين حملت منه آمنة برسول الله صلى الله عليه وسلم نحو ثمانية عشر عاما ، ثم ذهب إلى المدينة ليمتار منها تمرا لأهله ، فمات بها عند أخواله من بني النجار والنبي صلى الله عليه وسلم حمل على الصحيح ، انتهى .

وأمه قريبة من ذلك ، لا سيما وهي امرأة مصونة محجبة في البيت عن الاجتماع بالرجال ، والغالب على النساء أنهن لا يعرفن ما الرجال فيه من أمر الديانات والشرائع ، خصوصا في زمان الجاهلية الذي رجاله لا يعرفون ذلك فضلا عن نسائه ؛ ولهذا لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم تعجب من بعثته أهل مكة وقالوا : ( أبعث الله بشرا رسولا ) . وقالوا : ( ولو شاء الله لأنزل ملائكة ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين ) . فلو كان عندهم علم من بعثة الرسل ما أنكروا ذلك ، وربما كانوا يظنون أن إبراهيم بعث بما هم عليه ، فإنهم لم يجدوا من يبلغهم شريعة إبراهيم على وجهها ؛ لدثورها وفقد من يعرفها ، إذ كان بينهم وبين زمن إبراهيم أزيد من ثلاثة آلاف سنة ، فاتضح بذلك صحة دخولهما في هذا المسلك .

[ ص: 251 ] ثم رأيت الشيخ عز الدين بن عبد السلام قال في أماليه ما نصه : كل نبي إنما أرسل إلى قومه ، إلا نبينا صلى الله عليه وسلم قال : فعلى هذا يكون ما عدا قوم كل نبي من أهل الفترة إلا ذرية النبي السابق ، فإنهم مخاطبون ببعثة السابق ، إلا أن تدرس شريعة السابق فيصير الكل من أهل الفترة . هذا كلامه ، فبان بذلك أن الوالدين الشريفين من أهل الفترة بلا شك ؛ لأنهما ليسا من ذرية عيسى ولا من قومه ، ثم يرشح ما قال حافظ العصر أبو الفضل بن حجر : إن الظن بهما أن يطيعا عند الامتحان - أمران :

أحدهما : ما أخرجه الحاكم في " المستدرك " وصححه عن ابن مسعود قال : قال شاب من الأنصار : لم أر رجلا كان أكثر سؤالا لرسول الله صلى الله عليه وسلم منه : يا رسول الله ، أرأيت أبواك في النار ؟ فقال : ما سألتهما ربي فيطيعني فيهما ، وإني لقائم يومئذ المقام المحمود . فهذا الحديث يشعر بأنه يرتجي لهما الخير عند قيامه المقام المحمود ، وذلك بأن يشفع لهما فيوفقا للطاعة إذا امتحنا حينئذ كما يمتحن أهل الفترة ، ولا شك في أنه يقال له عند قيامه ذلك المقام : سل تعط ، واشفع تشفع كما في الأحاديث الصحيحة ، فإذا سأل ذلك أعطيه .

الأمر الثاني ما أخرجه ابن جرير في تفسيره عن ابن عباس في قوله تعالى : ( ولسوف يعطيك ربك فترضى ) قال : من رضا محمد صلى الله عليه وسلم أن لا يدخل أحد من أهل بيته النار ؛ ولهذا عمم الحافظ ابن حجر في قوله : الظن بآل بيته كلهم أن يطيعوا عند الامتحان .

وحديث ثالث : أخرج أبو سعيد في شرف النبوة والملا في سيرته ، عن عمران بن حصين قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سألت ربي أن لا يدخل النار أحدا من أهل بيتي ، فأعطاني ذلك . أورده الحافظ محب الدين الطبري في كتابه " ذخائر العقبى " .

وحديث رابع أصرح من هذين : أخرج تمام الرازي في فوائده بسند ضعيف عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا كان يوم القيامة شفعت لأبي وأمي وعمي أبي طالب وأخ لي كان في الجاهلية . أورده المحب الطبري - وهو من الحفاظ والفقهاء - في كتابه " ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى " وقال : إن ثبت فهو مؤول في أبي طالب على ما ورد في الصحيح من تخفيف العذاب عنه بشفاعته ، انتهى .

وإنما احتاج إلى تأويله في أبي طالب دون الثلاثة : أبيه وأمه وأخيه - يعني من الرضاعة - لأن أبا طالب أدرك البعثة ولم يسلم ، والثلاثة ماتوا في الفترة .

وقد ورد هذا الحديث من طريق آخر أضعف من هذا الطريق من حديث ابن عباس ، أخرجه أبو نعيم وغيره ، وفيه [ ص: 252 ] التصريح بأن الأخ من الرضاعة .

فهذه أحاديث عدة يشد بعضها بعضا ، فإن الحديث الضعيف يتقوى بكثرة طرقه ، وأمثلها حديث ابن مسعود ، فإن الحاكم صححه ، ومما يرشح ما نحن فيه ما أخرجه ابن أبي الدنيا ، قال : ثنا القاسم بن هاشم السمسار ، ثنا مقاتل بن سليمان الرملي ، عن أبي معشر ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سألت ربي أبناء العشرين من أمتي فوهبهم لي .

ومما ينضم إلى ذلك - وإن لم يكن صريحا في المقصود - ما أخرجه الديلمي عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أول من أشفع له يوم القيامة أهل بيتي ، ثم الأقرب فالأقرب . وما أورده المحب الطبري في ذخائر العقبى ، وعزاه لأحمد في المناقب ، عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا معشر بني هاشم ، والذي بعثني بالحق نبيا ، لو أخذت بحلقة الجنة ما بدأت إلا بكم . وهذا أخرجه الخطيب في تاريخه ، من حديث يغنم عن أنس .

وما أورده أيضا وعزاه لابن البختري ، عن جابر بن عبد الله ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ما بال أقوام يزعمون أن رحمي لا ينتفع ، بلى حتى تبلغ حكم - وهم أحد قبيلتين من اليمن - إني لأشفع فأشفع ، حتى إن من أشفع له ليشفع فيشفع ، حتى إن إبليس ليتطاول طمعا في الشفاعة . ونحو هذا ما أخرجه الطبراني من حديث أم هانئ ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما بال أقوام يزعمون أن شفاعتي لا تنال أهل بيتي ، وإن شفاعتي تناول حاء وحكم .

لطيفة : نقل الزركشي في " الخادم " ، عن ابن دحية ، أنه جعل من أنواع الشفاعات التخفيف عن أبي لهب في كل يوم اثنين ؛ لسروره بولادة النبي صلى الله عليه وسلم ، وإعتاقه ثويبة حين بشر به ، قال : وإنما هي كرامة له صلى الله عليه وسلم .

تنبيه : ثم رأيت الإمام أبا عبد الله محمد بن خلف الأبي ، بسط الكلام على هذه المسألة في " شرح مسلم " عند حديث : إن أبي وأباك في النار . فأورد قول النووي فيه ، أن من مات كافرا في النار ، ولا تنفعه قرابة الأقربين ، ثم قال : قلت : انظر هذا الإطلاق .

وقد قال السهيلي : ليس لنا أن نقول ذلك فقد قال صلى الله عليه وسلم : لا تؤذوا الأحياء بسب الأموات .

وقال تعالى : ( إن الذين يؤذون الله ورسوله ) ولعله يصح ما جاء أنه صلى الله عليه وسلم سأل الله سبحانه ، فأحيا له أبويه ، فآمنا به ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم فوق هذا ، ولا يعجز الله سبحانه شيء ، ثم أورد قول النووي ، وفيه أن من مات في الفترة على ما كانت عليه العرب من عبادة الأوثان في النار [ ص: 253 ] وليس هذا من التعذيب قبل بلوغ الدعوة ؛ لأنه بلغتهم دعوة إبراهيم وغيره من الرسل ، ثم قال : قلت : تأمل ما في كلامه من التنافي ؛ فإن من بلغتهم الدعوى ليسوا بأهل فترة ، فإن أهل الفترة هم الأمم الكائنة بين أزمنة الرسل ، الذين لم يرسل إليهم الأول ولا أدركوا الثاني ، كالأعراب الذين لم يرسل إليهم عيسى ولا لحقوا النبي صلى الله عليه وسلم ، والفترة بهذا التفسير تشمل ما بين كل رسولين ، ولكن الفقهاء إذا تكلموا في الفترة فإنما يعنون التي بين عيسى والنبي صلى الله عليه وسلم . ولما دلت القواطع على أنه لا تعذيب حتى تقوم الحجة ، علمنا أنهم غير معذبين ، فإن قلت : صحت أحاديث بتعذيب أهل الفترة كصاحب المحجن وغيره .

قلت : أجاب عن ذلك عقيل بن أبي طالب بثلاثة أجوبة :

الأول : أنها أخبار آحاد ، فلا تعارض القاطع .

الثاني : قصر التعذيب على هؤلاء ، والله أعلم بالسبب .

الثالث : قصر التعذيب المذكور في هذه الأحاديث على من بدل وغير الشرائع ، وشرع من الضلال ما لا يعذر به ، فإن أهل الفترة ثلاثة أقسام :

الأول : من أدرك التوحيد ببصيرته ، ثم من هؤلاء من لم يدخل في شريعته ، كقس بن ساعدة ، وزيد بن عمرو بن نفيل ، ومنهم من دخل في شريعة حق قائمة الرسم ، كتبع وقومه .

التالي السابق


الخدمات العلمية