صفحة جزء
مسألة : وقع السؤال عن حديث : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فعليه الجمعة ، إلا مريض أو امرأة أو مسافر أو صبي أو مملوك " . رواه الدارقطني من حديث جابر بن عبد الله ، فإن هذا الاستثناء من كلام تام موجب ، فيكون ما بعد " إلا " واجب النصب ، فما وجه رفعه؟ وخاض الناس في توجيه ذلك ، والذي عندي في الجواب أن هذه الكلمات الواقعة بعد " إلا " منصوبة ، ولكن كتبت بلا ألف ، وهذا ذكره الأئمة في أحاديث كثيرة . قال النووي في شرح مسلم في حديث ابن عباس في الإسراء " وأرى مالكا خازن النار " - : وقع في أكثر الأصول " مالك " بالرفع ، وهذا قد ينكر ويقال : هذا لحن لا يجوز في العربية ، ولكن عندي جواب حسن ، وهو أن لفظة " مالك " منصوبة ، ولكن أسقطت الألف في الكتابة ، وهذا يفعله المحدثون كثيرا ، فيكتبون : سمعت أنسا بغير ألف ويقرءونه بالنصب ، فكذلك " مالك " كتبوه بغير ألف ويقرءونه بالنصب ، فهذا -إن شاء الله -من أحسن ما يقال فيه ، هذا كلام النووي . وقال أيضا في باب الحج : " وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة ، ولأهل الشام الجحفة ، ولأهل نجد قرن " - هكذا وقع في أكثر النسخ " قرن " بغير ألف بعد النون ، وهو مصروف ; لأنه اسم لجبل ، ويقرأ منونا ، وإنما حذفوا الألف منه كما جرت عادة بعض [ ص: 348 ] المحدثين يكتبون سمعت أنس بغير ألف ويقرأ بالتنوين ، وقال القرطبي في شرح مسلم في كتاب النكاح في قول عائشة : كان صداقه لأزواجه ثنتي عشر أوقية ونش : قوله : " ونش " هو معرب منون غير أنه وقع هنا نش على لغة من يقف على المنون بالسكون بغير ألف . وقال الشيخ ولي الدين العراقي في شرح سنن أبي داود قوله : سمعت خلاس الهجري - كذا في أصلنا بغير ألف ، فقد يتوهم أنه غير مصروف ، وليس كذلك ، إذ لا مانع له من الصرف ، وهذا اصطلاح لبعضهم أنه يستغني عن كتابة الألف بجعل فتحتين فوق آخر الكلمة ، لكن قد يغفل الكاتب تلك الفتحتين فيقع في الإبهام . وقال أيضا في حديث عمرو بن ميمون : قدم علينا معاذ بن جبل اليمن ، فسمعت تكبيره مع الفجر رجل أجش الصوت -يجوز في قوله : " أجش الصوت " النصب على الحال والرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف . وقد ضبطناه في أصلنا بالوجهين ، قوله : أجش الصوت ، وأما قوله : رجل ، فهو مكتوب في أصلنا بغير ألف ، فإما أن يكون مرفوعا ، أو منصوبا وكتبه بغير ألف ، وكثير من النساخ يفعل ذلك ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية