صفحة جزء
8 - الجواب الحاتم عن سؤال الخاتم

مسألة : التختم بالفضة هل له وزن معلوم لا تجوز الزيادة عليه ؟ وهل يجوز التختم بسائر المعادن كالنحاس والحديد ؟ وهل يجوز تعدد الخواتم من الفضة ؟ هل تختم النبي صلى الله عليه وسلم بالفضة أو بغيرها ؟ وهل تباح الفصوص في الخواتم للرجال ؟ وهل كان خاتم [ ص: 86 ] النبي صلى الله عليه وسلم بفص وما كان فصه ؟ وهل تختم في اليمين أو الشمال ؟ وهل كان فصه مما يلي ظاهر الكف أو باطنه ؟ وهل الحديث الذي ورد ( أن رجلا دخل عليه صلى الله عليه وسلم وفي يده خاتم نحاس فقال : ما لي أرى عليك رائحة أهل النار ؟ ) صحيح ومن رواه وهل يؤخذ منه التحريم أو الكراهة ؟ .

الجواب : أما الوزن فلم يتعرض له أصحابنا في كتب الفقه ولكن ورد في الحديث : ( ولا تتمه مثقالا ) قال الزركشي في الخادم : لم يتعرض أصحابنا لقدر الخاتم ولعلهم اكتفوا بالعرف فما خرج عنه إسراف ، وأما التختم بسائر المعادن ما عدا الذهب فغير حرام بلا خلاف ، لكن هل يكره ؟ وجهان :

أحدهما : نعم ؛ لحديث بريدة ( أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعليه خاتم من شبه فقال : ما لي أجد منك ريح الأصنام ؟ فطرحه ثم جاء وعليه خاتم من حديد فقال : ما لي أرى عليك حلية أهل النار ، فطرحه ، فقال : يا رسول الله من أي شيء أتخذه ، قال : اتخذه من ورق ولا تتمه مثقالا ) أخرجه أبو داود والترمذي وفي سنده رجل متكلم فيه ، فضعفه النووي في شرح المهذب لأجله ، ولكن ابن حبان صححه فأخرجه في صحيحه ، وهذا هو الحديث المسؤول عنه في السؤال .

والوجه الثاني : أنه لا يكره ، ورجحه النووي في الروضة وشرح المهذب قال : لضعف الحديث الأول ، ولما أخرجه أبو داود بإسناد جيد عن معيقيب الصحابي قال : ( كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم من حديد ملوي عليه فضة ) ، وأما التعدد فصرح به الدارمي من أصحابنا فقال : يكره للرجل أن يلبس فوق خاتمين فضة ، فمقتضاه جواز الخاتمين بلا كراهة ، وارتضاه الإسنوي ، وقيده الخوارزمي في الكافي بأن لا يجمع بينهما في إصبع ، وأما هل تختم النبي صلى الله عليه وسلم بالفضة أو بغيرها ؟ فسيأتي حديث أنه كان خاتمه من ورق ، وتقدم حديث معيقيب أنه كان خاتمه من حديد ، وأما تختمه بالذهب فقد كان قبل ذلك ثم نهى عنه وطرحه كما في الصحيح ، وأما الفص فمباح للرجال وغيرهم ، قال النووي في شرح المهذب : يجوز الخاتم بفص وبلا فص ، ويجعل الفص من باطن كفه أو ظاهرها ، وباطنها أفضل للأحاديث الصحيحة فيه انتهى ، وأما فص خاتم النبي صلى الله عليه وسلم ففي صحيح [ ص: 87 ] البخاري أن فصه كان منه ، وفي صحيح مسلم عن أنس قال : ( كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم من ورق ، وكان فصه حبشيا ) فجمع بين الحديثين بالحمل على التعدد ، وذكر في شرح قوله : وكان فصه حبشيا أنه حجر من بلاد الحبشة ، وقيل جزع أو عقيق ؛ لأن ذلك قد يؤتى به من بلاد الحبشة ، ورأيت في المفردات في الطب لابن البيطار أنه صنف من الزبرجد ، وأما هل تختم صلى الله عليه وسلم في اليمين أو اليسار ؟ فقد تختم في كل منهما ، صح كل ذلك من فعله ، قال النووي في شرح المهذب : التختم في اليمين أو اليسار كلاهما صح فعله عن النبي صلى الله عليه وسلم لكنه في اليمين أفضل ؛ لأنه زينة واليمين بها أولى ، وقال الحافظ ابن حجر : ورد تختمه صلى الله عليه وسلم في اليمين من حديث ابن عمر عند البخاري وأنس عند مسلم وابن عباس وعبد الله بن جعفر عند الترمذي ، وجابر عنده في الشمائل ، وعلي عند أبي داود والنسائي وعائشة عند البزاز ، وأبي أمامة عند الطبراني ، وأبي هريرة عند الدارقطني في غرائب مالك ، فهؤلاء تسعة من الصحابة ، وورد تختمه باليسار من حديث أنس عند مسلم ، وابن عمر عند أبي داود ، وأبي سعيد عند ابن سعد ، ووردت رواية ضعيفة أنه تختم أولا في اليمين ثم حوله إلى اليسار ، أخرجها ابن عدي من حديث ابن عمر ، واعتمد عليها البغوي في شرح السنة فجمع بين الأحاديث المختلفة بأنه تختم أولا في يمينه ثم تختم في يساره ، وكان ذلك آخر الأمرين .

وقال ابن أبي حاتم : سألت أبا زرعة عن اختلاف الأحاديث في ذلك فقال : لا يثبت هذا ، ولكن في يمينه أكثر ، وأما هل كان فصه مما يلي باطن الكف أو ظاهره ، فقد ورد أيضا كلاهما من فعله صلى الله عليه وسلم ، ولكن أحاديث الباطن أصح وأكثر فلذلك كان أفضل والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية