صفحة جزء
حدثنا محمد بن أحمد بن أبان ، ثنا أبي ، ثنا أبو بكر بن سفيان ، ثنا محمد بن الحسين ، ثنا عمرو بن جرير ، حدثني أبو سريع الشامي قال : قال عمر بن عبد العزيز لرجل من جلسائه : أبا فلان ، لقد أرقت الليلة تفكرا ، قال : فيم يا أمير المؤمنين ؟ قال : في القبر وساكنه ، إنك لو رأيت الميت بعد ثالثة في قبره لاستوحشت من قربه بعد طول الأنس منك بناحيته ، ولرأيت بيتا تجول فيه الهوام ، ويجري فيه الصديد ، وتخترقه الديدان ، مع تغير الريح ، وبلى الأكفان ، بعد حسن الهيئة ، وطيب الريح ، ونقاء الثوب ، ثم شهق شهقة ، وخر مغشيا عليه ، فقالت فاطمة : يا مزاحم ، ويحك أخرج هذا الرجل عنا ؛ فلقد نغص على أمير المؤمنين الحياة منذ ولي ، فليته لم يل .

قال : فخرج الرجل ، فجاءت فاطمة تصب على وجهه الماء وتبكي حتى أفاق من غشيته ، فرآها تبكي فقال : ما يبكيك يا فاطمة ؟ قالت : يا أمير المؤمنين ، رأيت مصرعك بين أيدينا ، فذكرت به مصرعك [ ص: 269 ] بين يدي الله للموت ، وتخليك من الدنيا ، وفراقك لنا ، فذاك الذي أبكاني ، فقال : حسبك يا فاطمة ، فلقد أبلغت ، ثم مال ليسقط فضمته إلى نفسها ، فقالت : بأبي أنت يا أمير المؤمنين ، ما نستطيع أن نكلمك بكل ما نجد لك في قلوبنا ، فلم يزل على حاله تلك حتى حضرته الصلاة ، فصبت على وجهه ماء ثم نادته : الصلاة يا أمير المؤمنين ، فأفاق فزعا .

حدثنا محمد بن أحمد بن أبان ، ثنا أبي ، ثنا أبو بكر ، حدثني محمد بن الحسين ، حدثني يونس بن الحكم ، حدثني عبد السلام ، مولى مسلمة بن عبد الملك قال : بكى عمر بن عبد العزيز ، فبكت فاطمة ، فبكى أهل الدار ، لا يدري هؤلاء ما أبكى هؤلاء ! فلما تجلى عنهم العبر ، قالت له فاطمة : بأبي أنت يا أمير المؤمنين ، مم بكيت ؟ قال : ذكرت يا فاطمة منصرف القوم من بين يدي الله عز وجل ، فريق في الجنة ، وفريق في السعير ، قال : ثم صرخ وغشي عليه .

حدثنا محمد بن أحمد بن أبان ، حدثني أبي ، ثنا أبو بكر بن سفيان ، ثنا محمد بن الحسين ، حدثني أبو منصور الواسطي ، ثنا المغيرة بن مطرف الرواسي ، ثنا خالد بن صفوان ، عن ميمون بن مهران قال : خرجت مع عمر بن عبد العزيز إلى المقبرة ، فلما نظر إلى القبور بكى ، ثم أقبل علي فقال : يا أبا أيوب ، هذه قبور آبائي بني أمية ، كأنهم لم يشاركوا أهل الدنيا في لذتهم وعيشهم ، أما تراهم صرعى قد خلت بهم المثلات ، واستحكم فيهم البلاء ، وأصابت الهوام في أبدانهم مقيلا ؟ ثم بكى حتى غشي عليه ، ثم أفاق فقال : انطلق بنا ، فوالله ما أعلم أحدا أنعم ممن صار إلى هذه القبور وقد أمن عذاب الله .

حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن محمد ، ثنا أحمد بن محمد بن عمر ، ثنا عبد الله بن محمد بن عبيد ، حدثني محمد بن الحسين ، ثنا إبراهيم بن مهدي قال : سمعت أخا شعيب بن صفوان يذكر ، عن سفيان بن حسين ، أن عمر بن عبد العزيز ، استيقظ ذات يوم باكيا ، فقيل له : ما شأنك يا أمير المؤمنين ؟ قال : رأيت شيخا وقف علي فقال :


إذا ما أتتك الأربعون فعندها فاخش الإله وكن للموت حذارا



[ ص: 270 ] قال : ولما مات عمر رجعت المياه التي تجري منقلبة .

حدثنا أحمد بن إسحاق ، نا عبد الله بن سليمان ، نا المسيب بن واضح ، نا إسحاق الفزاري ، عن الأوزاعي قال : أراد عمر بن عبد العزيز أن يستعمل رجلا على عمل فأبى ، فقال له عمر : عزمت عليك لتفعلن ، قال الرجل : وأنا أعزم على نفسي ألا أفعل ، فقال عمر للرجل : لا تعص ، فقال الرجل : يا أمير المؤمنين ، إن الله تعالى قال : ( إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها ) - الآية - المعصية كان ذلك منها ؟ فأعفاه عمر .

التالي السابق


الخدمات العلمية