صفحة جزء
حدثنا أبو حامد بن جبلة ، ثنا محمد بن إسحاق ، ثنا حاتم بن الليث ، ثنا عبد الله بن بكر السهمي ، حدثني شيخ من بني سليم ، أن عمر بن عبد العزيز كان [ ص: 313 ] عنده هشام بن مصاد ، فكانا يتحدثان ، فذكر شيئا فبكى ، فأتاه مولاه مزاحم فقال : إن محمد بن كعب القرظي بالباب ، فقال : أدخله ، فدخل ولم يمسح عينيه من الدموع ، فقال محمد : ما أبكاك يا أمير المؤمنين ؟ فقال هشام بن مصاد : أبكاه كذا وكذا ، فقال محمد بن كعب : يا أمير المؤمنين ، إنما الدنيا سوق من الأسواق ، منها خرج الناس بما نفعهم ، ومنها خرجوا بما ضرهم ، فكم من قوم قد غرهم منها مثل الذي أصبحنا فيه حتى أتاهم الموت فاستوعبهم ، فخرجوا منها ملومين ، لم يأخذوا لما أحبوا من الآخرة عدة ، ولا لما كرهوا جنة ، واقتسم ما جمعوا من لا يحمدهم ، وصاروا إلى من لا يعذرهم ، فنحن محقوقون يا أمير المؤمنين أن ننظر إلى تلك الأعمال التي [ نغبطهم بها ، فنخلفهم فيها ، وننظر إلى تلك الأعمال التي ] نتخوف عليهم منها ، فنكف عنها ، فاتق الله يا أمير المؤمنين ، واجعل قلبك من اثنتين : انظر الذي تحب أن يكون معك إذا قدمت على ربك فقدمه بين يديك ، وانظر الأمر الذي تكره أن يكون معك إذا قدمت على ربك ، فابتغ به البدل حيث يوجد البدل ، ولا تذهبن إلى سلعة قد بارت على من كان قبلك ترجو أن تجوز عنك ، فاتق الله يا أمير المؤمنين ، فافتح الأبواب ، وسهل الحجاب ، وانصر المظلوم ، ورد الظالم ، ثلاث من كن فيه استكمل الإيمان بالله : من إذا رضي لم يدخله رضاه في الباطل ، وإذا غضب لم يخرجه غضبه من الحق ، وإذا قدر لم يتناول ما ليس له .

حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا أحمد بن الحسين ، ثنا أحمد بن إبراهيم ، ثنا أبو سلمة ، ثنا سلام - يعني ابن أبي مطيع - قال : نبئت أن عمر بن عبد العزيز لما قام هاجت ريح ، فدخل عليه رجل فإذا هو منتقع اللون ، فقيل له : يا أمير المؤمنين ، ما لك ؟ قال : ويحك ، وهل هلكت أمة قط إلا بالريح .

حدثنا أبو محمد ، ثنا أحمد بن الحسين ، ثنا أحمد بن إبراهيم ، ثنا خلف بن الوليد ، ثنا إسماعيل بن عياش ، عن عتبة بن تميم ، وغيره ، أن عمر بن عبد العزيز كان يقول : وايم الله ، لو أني أعلم أنه يسوغ لي فيما بيني وبين الله أن أخليكم [ ص: 314 ] وأمركم هذا وألحق بأهلي لفعلت ، ولكني أخاف أن لا يسوغ ذلك لي فيما بيني وبين الله .

حدثنا أبو محمد ، ثنا أحمد بن الحسين ، ثنا أحمد بن إبراهيم ، ثنا الوليد ، عن الأوزاعي قال : لما ولي عمر بن عبد العزيز دخل عليه أخ له ، فقال : إن شئت كلمتك [ وأنت عمر فيما تكره اليوم وتحب غدا ، وإن شئت كلمتك ] وأنت أمير المؤمنين فيما تحبه اليوم وتكرهه غدا ؟ قال : بلى كلمني وأنا عمر فيما أكرهه اليوم وأحبه غدا .

حدثنا محمد بن أحمد بن أبان ، ثنا أبي ، ثنا أبو بكر بن عبيد ، ثنا أبو حفص البخاري ، عن محمد بن عبد الله بن علاثة ، عن إبراهيم بن أبي عبلة قال : دخلت على عمر بن عبد العزيز في مسجد داره ، وكنت له ناصحا ، وكان مني مستمعا ، فقال : يا إبراهيم بلغني أن موسى عليه السلام قال : إلهي ما الذي يخلصني من عقابك ، ويبلغني رضوانك ، وينجيني من سخطك ؟ قال : الاستغفار باللسان ، والندم بالقلب ، قال : قلت : والترك بالجوارح .

حدثنا محمد بن أحمد بن أبان ، حدثني أبي ، ثنا أبو بكر بن عبيد ، ثنا محمد بن الحسين ، ثنا محمد بن يزيد بن خنيس ، ثنا عبد العزيز بن أبي رواد قال : قال عمر بن عبد العزيز : الكلام بذكر الله حسن ، والفكرة في نعم الله أفضل العبادة .

حدثنا أحمد بن إسحاق ، ثنا عبد الله بن أبي داود ، ثنا سلم بن يحيى ، ثنا الوليد بن مسلم ، ثنا أبو عمرو الأوزاعي ، أن عمر بن عبد العزيز قال لبنيه : كيف أنتم إذا أنا وليت كل رجل منكم جندا ؟ فقال ابنه ابن الحارثية : لم تعرض علينا أمرا لا تريد أن تفعله ؟ قال : أترون بساطي هذا ؟ إنه لصائر إلى بلى ، وإني لأكره أن تدنسوه بخفافكم ، فكيف أرضى لنفسي أن تدنسوا علي ديني ؟ .

حدثنا أحمد بن إسحاق ، ثنا عبد الله بن أبي داود ، ثنا عبد الله بن سعيد [ ص: 315 ] الكندي قال : ثنا عيسى بن يونس ، عن الأوزاعي ، عن أبي عبيد حاجب سليمان ، عن نعيم بن سلامة قال : دخلت على عمر بن عبد العزيز ، فوجدته يأكل ثوما مسلوقا بزيت وملح .

حدثنا أحمد بن إسحاق ، ثنا عبد الله ، ثنا عباس بن الوليد ، ح .

وثنا سليمان بن أحمد ، ثنا عبد الله بن العباس بن الوليد ، حدثني أبي ، ثنا الأوزاعي قال : كان عمر بن عبد العزيز إذا عرض له أمر مما يكره قال : بقدر ما كان ، وعسى أن يكون خيرا .

حدثنا أحمد ، ثنا عبد الله ، ثنا محمود بن خليد ، ثنا الوليد ، عن أبي عمرو ، أن محمد بن عبد الملك بن مروان سأل فاطمة بنت عبد الملك امرأة عمر : ما ترين بدو مرض عمر الذي مات فيه ؟ فقالت : أرى جل ذلك أو بدوه الخوف .

حدثنا سليمان بن أحمد قال : ثنا هاشم بن مرثد ، ثنا صفوان بن صالح ، ثنا الوليد بن مسلم ، عن الأوزاعي ، أن عمر بن عبد العزيز قال : خذوا من الرأي ما قاله من كان قبلكم ، ولا تأخذوا ما هو خلاف لهم ، [ فإنهم كانوا خيرا منكم وأعلم ] .

حدثنا سليمان بن أحمد ، ثنا يحيى بن عبد الباقي ، ثنا المسيب بن واضح ، ثنا أبو إسحاق الفزاري ، عن الأوزاعي ، أن أبا مسلم لما خرج في بعث المسلمين رده عمر بن عبد العزيز من دابق ، وقال : ليس بمثله يستعين المسلمون في قتال عدوهم ، وكان عطاؤه ألفين ، فرده إلى ثلاثين ، فرجع من دابق إلى طرابلس ؛ لأنه كان سيافا للحجاج ، وكان ثقفيا .

حدثنا سليمان بن أحمد ، ثنا يحيى بن عبد الباقي ، ثنا المسيب بن واضح ، ثنا أبو إسحاق الفزاري ، عن الأوزاعي قال : كان عمر بن عبد العزيز يجعل كل يوم من ماله درهما في طعام المسلمين ، ثم يأكل معهم وكان ينزل بأهل الذمة ، فيقدمون له من الحلبة المنبوتة والبقول وأشباه ذلك مما كانوا يصنعون من طعامهم ، فيعطيهم أكثر من ذلك ويأكل معهم ، فإن أبوا أن يقبلوا ذلك منه [ ص: 316 ] لم يأكل منه ، فأما من المسلمين فلم يكن يقبل شيئا .

حدثنا محمد بن معمر ، ثنا أبو شعيب الحراني ، ثنا يحيى البابلتي ، ثنا الأوزاعي ، ثنا موسى بن سليمان ، عن القاسم بن مخيمرة قال : دخلت على عمر بن عبد العزيز وفي صدري حديث يتجلجل فيه أريد أن أقذفه إليه ، فقلت له : بلغنا أنه من ولي على الناس سلطانا فاحتجب عن فاقتهم وحاجتهم ، احتجب الله عن فاقته وحاجته يوم يلقاه ، قال : فقال : ما تقول ؟ ثم أطرق طويلا ، قال : فعرفتها فيه فإنه برز للناس .

حدثنا محمد بن معمر ، وسليمان بن أحمد قالا : ثنا أبو شعيب الحراني ، ثنا يحيى بن عبد الله ، ثنا الأوزاعي قال : كتب عمر إلى عماله : اجتنبوا الاشتغال عند حضرة الصلاة ، فمن أضاعها فهو لما سواها من شعائر الإسلام أشد تضييعا .

أخبرنا أحمد بن محمد في كتابه ، قال : ثنا أبو مسلم الكشي ، ثنا أحمد بن أبي بكر المقدسي ، ثنا بشر بن حازم ، عن أبي عمران قال : قال عمر بن عبد العزيز : من قرب الموت من قلبه استكثر ما في يديه .

حدثنا محمد بن أحمد المؤذن ، ثنا أبو الحسن بن أبان ، ثنا أبو بكر بن عبيد ، ثنا محمد بن الحسين ، ثنا عبد الوهاب بن عطاء ، أنبأنا سعيد ، أن عمر بن عبد العزيز كان إذا ذكر الموت اضطربت أوصاله .

حدثنا محمد بن أحمد ، ثنا أبو الحسن ، ثنا أبو بكر ، ثنا محمد بن الحسين ، ثنا عبد الله قال : سمعت القداح يذكر أن عمر بن عبد العزيز ، كان إذا ذكر الموت انتفض انتفاض الطير ، وبكى حتى تجري دموعه على لحيته .

حدثنا أبي ، ثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن ، ثنا سفيان بن وكيع ، ثنا ابن عيينة ، عن عمر بن ذر قال : قال عمر بن عبد العزيز : لولا أن تكون بدعة لحلفت أن لا أفرح من الدنيا بشيء أبدا حتى أعلم ما في وجوه رسل ربي إلي عند الموت ، وما أحب أن يهون علي الموت ؛ لأنه آخر ما يؤجر عليه المؤمن .

حدثنا أحمد بن إسحاق ، ثنا عبد الله بن أبي داود ، ثنا إسحاق بن الأخيل ، [ ص: 317 ] ثنا أحمد بن علي النميري ، عن الأوزاعي قال : قال عمر بن عبد العزيز : ما أحب أن يخفف عني الموت لأنه آخر ما يؤجر عليه المسلم .

حدثنا أبو بكر بن مالك ، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني أبي ، ثنا الوليد بن مسلم بمكة ، عن الأوزاعي ، عن عمر بن عبد العزيز قال : ما أحب أن تهون علي سكرات الموت ؛ لأنها آخر ما يكفر به عن المسلم .

حدثنا أبو بكر بن مالك ، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني أبي ، ثنا عبد الله بن ميمون الخطابي قال : ثنا الحسن - يعني أبا المليح - عن ميمون بن مهران قال : كنت جالسا عند عمر بن عبد العزيز ، فقرأ : ( ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر ) فقال لي : يا ميمون ، ما أرى القبر إلا زيارة ، ولا بد للزائر أن يرجع إلى منزله - يعني إلى الجنة أو النار .

حدثنا أبي ومحمد قالا : ثنا أحمد بن محمد بن عمر ، ثنا عبد الله بن محمد بن عبيد قال : حدثني عمر بن أبي الحارث ، ثنا محمد بن حميد ، ثنا حكام ، ثنا الحسن بن عميرة قال : اشترى عمر بن عبد العزيز جارية أعجمية ، فقالت : أرى الناس فرحين ولا أرى هذا يفرح ؟ فقال : ما تقول يا لكع ؟ فقيل : إنها تقول كذا وكذا ، فقال : ويحها ، حدثوها أن الفرح أمامها .

حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد ، ثنا أبو الحسن بن أبان ، ثنا أبو بكر بن سفيان ، حدثني محمد بن الحسين ، حدثني يعقوب بن محمد الزهري ، عن عبد العزيز بن أبي حازم ، عن أبيه قال : قال عمر بن عبد العزيز : عظني يا أبا حازم ، قال : قلت : اضطجع ، ثم اجعل الموت عند رأسك ، ثم انظر ما تحب أن تكون فيه تلك الساعة فخذ فيه الآن ، وما تكره أن يكون فيك تلك الساعة فدعه الآن .

حدثنا محمد ، ثنا أبو الحسن ، ثنا أبو بكر ، ثنا محمد ، ثنا داود بن المحبر ، عن عبد الواحد بن زيد قال : كتب الحسن إلى عمر : أما بعد ، يا أمير المؤمنين ، فإن طول البقاء إلى فناء ما هو ، فخذ من فنائك الذي لا يبقى لبقائك الذي لا يفنى ، والسلام . فلما قرأ عمر الكتاب بكى وقال : نصح أبو سعيد وأوجز .

التالي السابق


الخدمات العلمية