صفحة جزء
حدثنا أحمد بن إسحاق ، ثنا عبد الله بن أبي داود ، ثنا عباس بن الوليد بن زيد ، أخبرني أبي ، ثنا الأوزاعي ، ثنا سليمان بن حبيب المحاربي ، حدثني عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز - قال : وأصابه الطاعون في خلافة أبيه فمات - قال : والله ما من أحد أعز علي من عمر ؛ ولأن أكون سمعت بموته أحب إلي من أن أكون كما رأيته .

حدثنا أبو بكر بن مالك ، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، ثنا هارون بن معروف ، ثنا ضمرة ، ثنا ابن شوذب ، قال : جاءت امرأة عبد الملك بن عمر إليه ، وقد ترجلت ولبست إزارا ورداء ونعلين ، فلما رآها قال : اعتدي اعتدي .

حدثنا أبو بكر بن مالك ، ثنا عبد الله بن أحمد ، ثنا أبي ، حدثني معمر بن سليمان الرقي ، ثنا فرات بن سليمان ، عن ميمون : أن عبد الملك بن عمر قال له : يا أبت ما منعك أن تمضي لما تريد من العدل ، فوالله ما كنت أبالي لو غلت بي وبك القدور في ذلك ، قال : يا بني إنما أنا أروض الناس رياضة الصعب ، إني لأريد أن أحيي الأمر من العدل فأؤخر ذلك حتى أخرج معه طمعا من طمع الدنيا فينفروا من هذه ويسكنوا لهذه .

حدثنا الحسن بن محمد بن كيسان ، ثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي ، ثنا محمد بن أبي بكر ، ثنا محمد بن مروان ، ثنا هشام بن حسان ، قال : قال عمر بن عبد العزيز لمولاه مزاحم : كم ترانا أصبنا من أموال المؤمنين ؟ قال : قلت يا أمير المؤمنين أتدري ما عيالك ؟ قال : نعم ، الله لهم ، فخرجت من عنده فلقيت ابنه عبد الملك ، فقلت له : هل تدري ما قال أمير المؤمنين ؟ قال : وما قال ؟ قلت : قال : هل تدري ما أصبنا من أموال المؤمنين ؟ قال : فما قلت له : قال : قلت له : هل تدري ما عيالك ؟ قال : نعم ، الله لهم ، قال عبد الملك : بئس الوزير أنت يا مزاحم ، ثم جاء يستأذن على أبيه ، فقال للآذن : استأذن لي عليه ، فقال له الآذن : إنما لأبيك من الليل والنهار هذه الساعة ، قال : ما بد من لقائه ، فسمع عمر مقالتهما ، قال : من هذا ؟ قال الآذن : عبد الملك ، قال : ائذن له ، قال : فدخل ، فقال : ما جاء بك هذه [ ص: 355 ] الساعة ؟ قال : شيء ذكره لي مزاحم ، قال : نعم فما رأيك ؟ قال : رأيى أن تمضيه ، قال : فإني أروح إلى الصلاة فأصعد المنبر فأرده على رءوس الناس ، قال : ومن لك أن تعيش إلى الصلاة ؟ قال : الساعة ، قال : فخرج فنودي في الناس الصلاة جامعة ، فصعد المنبر فرده على رءوس الناس .

حدثنا الحسن ، ثنا إسماعيل ، ثنا محمد بن أبي بكر ح ، وحدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا أحمد بن الحسين الحذاء ، ثنا أحمد الدورقي ، قالا : ثنا سعيد بن عامر ، عن جويرية بن أسماء ، عن إسماعيل بن أبي حكيم ، قال : كنا عند عمر بن عبد العزيز ، فلما تفرقنا نادى مناديه الصلاة جامعة ، قال : فجئت المسجد فإذا عمر على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أما بعد ، فإن هؤلاء أعطونا عطايا ما كان ينبغي لنا أن نأخذها ، وما كان ينبغي لهم أن يعطونها ، وإني قد رأيت ذلك ليس علي فيه دون الله محاسب ، وإني قد بدأت بنفسي وأهل بيتي ، اقرأ يا مزاحم ، فجعل يقرأ كتابا كتابا ، ثم يأخذه عمر وبيده الجلم فيقطعه حتى نودي بالظهر .

حدثنا محمد بن إبراهيم ، ثنا أبو عروبة الحراني ، ثنا عمرو بن عثمان ، ثنا خالد بن يزيد ، عن جعونة قال : دخل عبد الملك على أبيه عمر ، فقال : يا أمير المؤمنين ماذا تقول لربك إذا أتيته وقد تركت حقا لم تحيه ، وباطلا لم تمته ؟ قال : اقعد يا بني إن أباك وأجدادك خدعوا الناس عن الحق فانتهت الأمور إلي ، وقد أقبل شرها وأدبر خيرها ، ولكن أليس حسبي جميلا أن لا تطلع الشمس علي في يوم إلا أحييت فيه حقا ، وأمت فيه باطلا حتى يأتيني الموت وأنا على ذلك ؟ .

حدثنا محمد ، حدثني أبو عروبة ، حدثني محمد بن يحيى بن كثير ، ثنا سعيد بن حفص ، ثنا أبو المليح ، عن ميمون - يعني ابن مهران - قال : بعث إلي عمر بن عبد العزيز وإلى مكحول وإلى أبي قلابة ، فقال : ما ترون في هذه الأموال التي أخذت من الناس ظلما ؟ فقال مكحول يومئذ قولا ضعيفا كرهه ، فقال : أرى أن تستأنف ، فنظر إلي عمر كالمستغيث بي ، قلت : يا أمير المؤمنين ابعث إلى عبد الملك فأحضره فإنه ليس بدون من رأيت ، قال : يا حارث ادع لي عبد الملك ، [ ص: 356 ] فلما دخل عليه عبد الملك قال : يا عبد الملك ما ترى في هذه الأموال التي أخذت من الناس ظلما ، قد حضروا يطلبونها ، وقد عرفنا مواضعها ؟ قال : أرى أن تردها ، فإن لم تفعل كنت شريكا لمن أخذها .

حدثنا عبد الله بن محمد ، ثنا أحمد بن الحسين ، ثنا أحمد بن إبراهيم ، ثنا سعيد بن عامر ، عن جويرية بن أسماء ، عن إسماعيل بن أبي حكيم - وكان كاتب عمر بن عبد العزيز بالمدينة ، ولم يزل معه بالشام - قال : دخل عبد الملك على أبيه عمر ، فقال : أين وقع لك رأيك فيما ذكر لك مزاحم من رد المظالم ؟ قال : علي إنفاذه ، فرفع عمر يديه ثم قال : الحمد لله الذي جعل لي من ذريتي من يعينني على أمر ديني ، نعم يا بني أصلي الظهر إن شاء الله ثم أصعد المنبر فأردها على رءوس الناس ، فقال عبد الملك : يا أمير المؤمنين من لك بالظهر ؟ ومن لك يا أمير المؤمنين إن بقيت أن تسلم لك نيتك للظهر ؟ قال عمر : فقد تفرق الناس للقائلة ؟ فقال عبد الملك : تأمر مناديك فينادي الصلاة جامعة حتى يجتمع الناس فأمر مناديه فنادى ، فاجتمع الناس وقد جيء بسفط أو جونة فيها تلك الكتب وفي يد عمر جلم يقصه حتى نودي بالظهر .

حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني أبي ، ثنا معمر بن سليمان الرقي ، ثنا ميمون بن مهران ، قال : ما رأيت ثلاثة في بيت أخير من عمر بن عبد العزيز ، وابنه عبد الملك ، ومولاه مزاحم .

حدثنا أحمد ، ثنا عبد الله ، حدثني أبي ، ثنا إسماعيل بن إبراهيم ، حدثني زياد بن أبي حسان : أنه شهد عمر بن عبد العزيز حيث دفن ابنه عبد الملك قال : لما دفنه وسوى عليه قبره بالأرض ، وضعوا عنده خشبتين من زيتون ، إحداهما عند رأسه والأخرى عند رجليه ، ثم جعل قبره بينه وبين القبلة واستوى قائما ، وأحاط به الناس ، فقال : رحمك الله يا بني لقد كنت بارا بأبيك ، والله ما زلت منذ وهبك الله لي مسرورا بك ، ولا والله ما كنت قط أشد بك سرورا ولا أرجى بحظي من الله فيك منذ وضعتك في هذا المنزل الذي صيرك [ ص: 357 ] الله إليه فرحمك الله وغفر لك ذنبك ، وجزاك بأحسن عملك ، ورحم الله كل شافع يشفع لك بخير من شاهد أو غائب ، رضينا بقضاء الله وسلمنا لأمر الله ، والحمد لله رب العالمين ، ثم انصرف .

حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثني أبي ، ثنا عفان ، ثنا بشر بن المفضل ، حدثني أبي ، عن علي بن حصين ، قال : شهدت عمر تتابعت عليه مصائب ، مات أخ له ، ثم مات مزاحم ، ثم مات عبد الملك ، فلما مات عبد الملك ، تكلم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : لقد دفعته إلى النساء في الخرق ، فما زلت أرى فيه السرور وقرة العين إلى يومي هذا ، فما رأيته في أمر قط أقر لعيني من أمر رأيته فيه اليوم .

حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، ثنا أحمد بن الحسين ، ثنا أحمد بن إبراهيم ، حدثني العلاء بن عبد الجبار العطار ، ثنا حزم ، قال : بلغنا أن عمر كتب إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن في شأن ابنه عبد الملك حين توفي : أما بعد ، فإن الله تبارك اسمه وتعالى ذكره كتب على خلقه حين خلقهم الموت وجعل مصيرهم إليه ، فقال فيما أنزل من كتابه الصادق الذي حفظه بعلمه وأشهد ملائكته على حقه أنه يرث الأرض ومن عليها وإليه يرجعون ، ثم قال لنبيه عليه السلام : ( وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون ) . ثم قال : ( منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى ) . فالموت سبيل الناس في الدنيا ، لم يكتب الله لمحسن ولا لمسيء فيها خلدا ، ولم يرض ما أعجب أهلها ثوابا لأهل طاعته ، ولم يرض ببلائها نقمة لأهل معصيته ، فكل شيء منها أعجب أهلها أو كرهوا منه شيئا متروك لذلك خلقت حين خلقت ، ولذلك سكنت منذ سكنت ، ليبلو الله فيها عباده أيهم أحسن عملا ، فمن قدم عند خروجه من الدنيا إلى أهل طاعته ورضوانه من أنبيائه وأئمة الهدى الذين أمر الله نبيه أن يقتدي بهداهم خالد في دار المقامة من فضله ، لا يمسه فيها نصب ولا يمسه فيها لغوب ، ومن كانت مفارقته الدنيا إلى غيرهم وغير منازلهم فقد قابل الشر الطويل وأقام على ما لا قبل له به ، أسأل الله برحمته أن يبقينا ما أبقانا في الدنيا مطيعين لأمره ، متبعين لكتابه ، وجعلنا إذا خرجنا من الدنيا إلى نبينا ، ومن أمرنا [ ص: 358 ] أن نقتدي بهداه من المصطفين الأخيار ، وأسأله برحمته أن يقينا أعمال السوء في الدنيا ، والسيئات يوم القيامة ، ثم إن عبد الملك ابن أمير المؤمنين كان عبدا من عباد الله أحسن الله إليه في نفسه ، وأحسن إلى أبيه فيه ، أعاشه الله ما أحب أن يعيشه ، ثم قبضه إليه حين أحب أن يقبضه ، وهو فيما علمت بالموت مغتبط يرجو فيه من الله رجاء حسنا ، فأعوذ بالله أن تكون لي محبة في شيء من الأمور تخالف محبة الله ، فإن خلاف ذلك لا يصلح في بلائه عندي ، وإحسانه إلي ، ونعمته علي ، وقد قلت فيما كان من سبيله والحمد لله ما رجوت به ثواب الله وموعده الصادق من المغفرة ، إنا لله وإنا إليه راجعون ، ثم لم أجد والحمد لله بعده في نفسي إلا خيرا من رضى بقضاء الله ، واحتساب لما كان من المصيبة فحمدا لله على ما مضى وعلى ما بقي ، وعلى كل حال من أمر الدنيا والآخرة ، أحببت أن أكتب إليك بذلك وأعلمكه من قضاء الله ، فلا أعلم ما نيح عليه في شيء من قبلك ولا اجتمع على ذلك أحد من الناس ، ولا رخصت فيه لقريب من الناس ولا لبعيد ، واكفني ذلك بكفاية الله ، ولا ألومنك فيه إن شاء الله ، والسلام عليك .

حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، ثنا أحمد بن الحسين ، ثنا أحمد بن إبراهيم ، حدثني عفان بن مسلم ، حدثني جويرية بن أسماء ، حدثني إسماعيل بن أبي حكيم ، قال : غضب عمر بن عبد العزيز يوما فاشتد غضبه ، وكان فيه حدة ، وعبد الملك بن عمر بن عبد العزيز حاضر ، فلما سكن غضبه قال : يا أمير المؤمنين أنت في قدر نعمة الله عليك ، وموضعك الذي وضعك الله به ، وما ولاك من أمر عباده يبلغ بك الغضب ما أرى ؟ قال : كيف قلت ؟ قال : فأعاد عليه كلامه ، فقال : أما تغضب يا عبد الملك ؟ فقال : ما تغني سعة جوفي إن لم أردد فيها الغضب حتى لا يظهر منه شيء أكرهه ، قال : وكان له بطين .

حدثنا عبد الله ، ثنا أحمد ، ثنا أحمد بن إبراهيم ، ثنا منصور بن أبي مزاحم ، حدثني مروان أبو عمر الجزري ، عن ابن أبي عبلة ، قال : جلس عمر يوما للناس ، فلما انتصف النهار ضجر وكل ومل ، فقال للناس : مكانكم حتى [ ص: 359 ] أنصرف إليكم ، فدخل ليستريح ساعة ، فجاء ابنه عبد الملك فسأل عنه ، فقالوا : دخل فاستأذن عليه فأذن له ، فلما دخل قال : يا أمير المؤمنين ما أدخلك ؟ قال : أردت أن أستريح ساعة : قال : أوأمنت الموت أن يأتيك ورعيتك على بابك ينتظرونك وأنت محتجب عنهم ؟ فقام عمر من ساعته ، وخرج إلى الناس .

حدثنا أبو حامد بن جبلة ، ثنا محمد بن إسحاق الثقفي ، ثنا عبد الله بن محمد ، ثنا محمد بن فراس أبو هريرة ، حدثني محمد بن مالك العبدي ، قال : لما مات عبد الملك بن عمر عزاه الناس عنه ، فعزاه أعرابي من بني كلاب ، فقال :


تعز أمير المؤمنين فإنه لما قد ترى يغذى الصغير ويولد     هل ابنك إلا من سلالة آدم
لكل على حوض المنية مورد

.

قال : فما وقعت منه تعزية أحد ما وقعت منه تعزية الأعرابي .

التالي السابق


الخدمات العلمية