صفحة جزء
362 - أبو عمرو الأوزاعي

ومنهم العلم المنشور ، والحكم المشهور ، الإمام المبجل ، والمقدام المفضل ، عبد الرحمن بن عمرو أبو عمرو الأوزاعي ، - رضي الله تعالى عنه - كان واحد زمانه ، وإمام عصره وأوانه ، كان ممن لا يخاف في الله لومة لائم ، مقوالا بالحق لا يخاف سطوة العظائم .

حدثنا إبراهيم بن عبد الله ، ثنا محمد بن إسحاق بن إبراهيم ، ثنا سلم بن جنادة ، ثنا أبو سعد الثعلبي ، قال : لما خرج إبراهيم ومحمد على أبي جعفر المنصور أراد أهل الثغور أن يعينوه عليهما فأبوا ذلك فوقع في يد ملك الروم الألوف من المسلمين أسرى - وكان ملك الروم يحب أن يفادي بهم ويأبى أبو جعفر - فكتب الأوزاعي إلى أبي جعفر كتابا : أما بعد فإن الله - تعالى - استرعاك أمر هذه الأمة لتكون فيها بالقسط قائما ، وبنبيه - صلى الله عليه وسلم - في خفض الجناح والرأفة متشبها ، وأسأل الله - تعالى - أن يسكن على أمير المؤمنين دهماء هذه الأمة ، ويرزقه رحمتها ، فإن سايحة المشركين غلبت عام أول ، وموطئهم حريم المسلمين ، واستنزالهم العواتق والذراري من المعاقل والحصون ، وكان ذلك بذنوب العباد وما عفا الله عنه أكثر ، فبذنوب العباد استنزلت العواتق والذراري من المعاقل والحصون ، لا يلقون لهم ناصرا ، ولا عنهم مدافعا ، كاشفات من رءوسهن وأقدامهن ، فكان ذلك بمرأى ومسمع ، وحيث ينظر الله إلى خلقه ، وإعراضهم عنه ، فليتق الله أمير المؤمنين وليتبع بالمفادات بهم من الله سبيلا ، وليخرج من محجة الله تعالى ، فإن الله - تعالى - قال لنبيه : ( وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء ) ( والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا ) والله يا أمير المؤمنين ما لهم يومئذ فيء [ ص: 136 ] موقوف ، ولا ذمة تؤدي خراجا إلا خاصة أموالهم ، وقد بلغني عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " إني لأسمع بكاء الصبي خلفي في الصلاة فأتجوز فيها مخافة أن تفتتن أمه " فكيف بتخليتهم يا أمير المؤمنين في أيدي عدوهم يمتهنونهم ويتكشفون منهم ما لا نستحله نحن إلا بنكاح ؟ وأنت راعي الله ، والله - تعالى - فوقك ومستوف منك ، يوم توضع ( الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين ) فلما وصل إليه كتابه أمر بالفداء .

حدثنا سليمان بن أحمد ، ثنا أحمد بن يزيد الحوطي - فيما أرى - ثنا محمد بن مصعب القرقساني ح . وحدثنا عبد الله بن محمد بن عثمان الواسطي - واللفظ له - ثنا محمد بن محمد بن سليمان ، ومحمد بن مخلد ، قالا : ثنا أحمد بن عبيد بن ناصح ، حدثني محمد بن مصعب القرقساني ، حدثني الأوزاعي ، قال : بعث إلي أبو جعفر أمير المؤمنين وأنا بالساحل فأتيته ، فلما وصلت إليه وسلمت عليه بالخلافة ، رد علي واستجلسني ثم قال :ما الذي أبطأ بك عنا ياأوزاعي ؟ قلت : وما الذي تريد يا أمير المؤمنين ؟ قال : أريد الأخذ عنكم والاقتباس منكم ، قلت : يا أمير المؤمنين انظر ولا تجهل شيئا مما أقول لك ، قال : وكيف أجهله وأنا أسألك عنه وقد وجهت فيه إليك وأقدمتك له ؟ قلت : أن تسمعه ولا تعمل به ، قال : فصاح بي الربيع وأهوى بيده إلى السيف ، فانتهره المنصور وقال : هذا مجلس مثوبة لا عقوبة ، فطابت نفسي وانبسطت في الكلام ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، حدثني مكحول ، عن عطية - يعني ابن بسر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أيما عبد جاءته موعظة من الله في دينه فإنها نعمة من الله سيقت إليه ، فإن قبلها بشكر وإلا كانت حجة عليه من الله ليزداد بها إثما ويزداد الله بها عليه سخطة " يا أمير المؤمنين ، حدثني مكحول ، عن عطية بن بسر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أيما وال بات غاشا لرعيته حرم الله عليه الجنة " يا أمير المؤمنين من كره الحق فقد كره الله ، إن الله هو الحق المبين ، يا أمير المؤمنين إن الذي يلين قلوب أمتكم لكم حين ولاكم أمرهم لقرابتكم من النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد كان [ ص: 137 ] بكم رؤوفا رحيما ، مواسيا بنفسه لهم في ذات يده وعند الناس ، فحقيق أن يقوم لهم فيهم بالحق ، وأن يكون بالقسط له فيهم قائما ، ولعوراتهم ساترا ، لم تغلق عليه دونهم الأبواب ، ولم يقم عليه دونهم الحجاب ، يبتهج بالنعمة عندهم ، ويبتئس بما أصابهم من سوء ، يا أمير المؤمنين قد كنت في شغل شاغل من خاصة نفسك ، عن عامة الناس الذين أصبحت تملكهم ، أحمرهم وأسودهم ، ومسلمهم وكافرهم ، فكل له عليك نصيبه من العدل ، فكيف إذا اتبعك منهم فئام وراءهم فئام ، ليس منهم أحد إلا وهو يشكو بلية أدخلتها عليه ، أو ظلامة سقتها إليه ، يا أمير المؤمنين ، حدثني مكحول ، عن عروة بن رويم ، قال : " كانت بيد النبي - صلى الله عليه وسلم - جريدة يستاك بها ، ويروع بها المنافقين ، فأتاه جبريل - عليه السلام فقال : يا محمد ما هذه الجريدة التي كسرت بها قرون أمتك ، وملأت قلوبهم رعبا ؟ " فكيف بمن شقق أبشارهم وسفك دماءهم ، وخرب ديارهم ، وأجلاهم عن بلادهم ، وغيبهم الخوف منه ، يا أمير المؤمنين ، حدثني مكحول عن زياد بن جارية ، عن حبيب بن مسلمة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعا إلى القصاص من نفسه في خدشة خدش أعرابيا لم يتعمدها فأتاه جبريل فقال : يا محمد ، إن الله لم يبعثك جبارا ولا مستكبرا ، فدعا النبي - صلى الله عليه وسلم - الأعرابي فقال : اقتص مني ، فقال الأعرابي : قد أحللتك بأبي أنت وأمي ، ما كنت لأفعل ذلك أبدا ، ولو أتت على نفسي ، فدعا له بخير - يا أمير المؤمنين رض نفسك لنفسك ، وخذ لها الأمان من ربك ، وارغب في جنة عرضها السماوات والأرض التي يقول فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لقاب قوس أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها " يا أمير المؤمنين ، إن الملك لو بقي لمن قبلك لم يصل إليك ، وكذلك لا يبقى لك كما لم يبق لغيرك ، يا أمير المؤمنين تدري ما جاء في تأويل هذه الآية عن جدك : ( مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ) قال : الصغيرة التبسم والكبيرة الضحك ، فكيف بما عملته الأيدي وحدثته الألسن ، يا أمير المؤمنين بلغني عن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - أنه قال : لو ماتت سخلة على شاطئ الفرات ضيعة [ ص: 138 ] لخفت أن أسأل عنها ، فكيف بمن حرم عدلك وهو على بساطك ؟ يا أمير المؤمنين ، أتدري ما جاء في تأويل هذه الآية عن جدك : ( يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى ) قال :يا داود إذا قعد الخصمان بين يديك فكان لك في أحدهما هوى ، فلا تمنين في نفسك أن يكون له الحق فيفلج على صاحبه فأمحوك من نبوتي ، ثم لا تكون خليفتي ولا كرامة ، يا داود إنما جعلت رسلي إلى عبادي رعاء كرعاء الإبل لعلمهم بالرعاية ورفقهم بالسياسة ، ليجبروا الكسير ، ويدلوا الهزيل على الكلأ والماء ، يا أمير المؤمنين إنك قد بليت بأمر عظيم لو عرض على السماوات والأرض والجبال لأبين أن يحملنه وأشفقن منه

يا أمير المؤمنين حدثني يزيد بن مزيد ، عن جابر ، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري : أن - عمر بن الخطاب استعمل من الأنصار رجلا على الصدقة ، فرآه بعد أيام مقيما ، فقال له : ما منعك من الخروج إلى عملك ؟ أما علمت أن لك مثل أجر المجاهدين في سبيل الله ؟ قال : لا ، قال - عمر : وكيف ذاك ؟ قال : لأنه بلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "ما من وال يلي من أمور الناس شيئا إلا أتي به يوم القيامة فيوقف على جسر من نار فينتفض به الجسر انتفاضا يزيل كل عضو منه عن موضعه ، ثم يعاد فيحاسب ، فإن كان محسنا نجا بإحسانه ، وإن كان مسيئا انخرق به ذلك الجسر فهوى به في النار سبعين خريفا " فقال له - عمر : ممن سمعت هذا ؟ قال : من أبي ذر ، وسلمان ، فأرسل إليهما - عمر فسألهما فقالا : نعم سمعناه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال - عمر : واعمراه ، من يتولاها بما فيها ؟ فقال أبو ذر من سلت الله أنفه ، وألصق خده بالأرض . فأخذ أبو جعفر المنديل فوضعه على وجهه فبكى وانتحب حتى أبكاني ، فقلت : يا أمير المؤمنين قد سأل جدك العباس النبي - صلى الله عليه وسلم - إمارة على مكة والطائف فقال له : " يا عباس ، يا عم النبي ، نفس تحييها خير من إمارة لا تحصيها " هي نصيحة منه لعمه وشفقة منه عليه ؛ لأنه لا يغني عنه من الله شيئا ، أوحى الله - تعالى - إليه : ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) فقال : " يا عباس ، يا صفية عمة النبي ، إني لست أغني عنكم من [ ص: 139 ] الله شيئا إلا لي عملي ولكم عملكم ، وقد قال عمر - رضي الله تعالى عنه - : لا يقيم أمر الناس إلا حصيف العقل أريب العقدة ، لا يطلع منه على عورة ، ولا يحنو على حوية ولا تأخذه في الله لومة لائم . وقال : السلطان أربعة أمراء ؛ فأمير قوي ظلف نفسه وعماله ، فذاك المجاهد في سبيل الله ، يد الله باسطة عليه بالرحمة ، وأمير ضعيف ظلف نفسه وأرتع عماله فضعف فهو على شفا هلاك إلا أن يرحمه الله ، وأمير ظلف عماله وأرتع نفسه ] فذلك الحطمة الذي قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " شر الرعاء الحطمة " فهو الهالك وحده ، وأمير أرتع نفسه وعماله فهلكوا جميعا .

وقد بلغني يا أمير المؤمنين أن جبريل - عليه السلام - أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : أتيتك حين أمر الله - عز وجل - بمنافيخ النار فوضعت على النار تسعر ليوم القيامة ، فقال له : يا جبريل صف لي النار فقال : إن الله أمر بها فأوقدت ألف عام حتى احمرت ، ثم أوقد عليها ألف عام حتى اصفرت ، ثم أوقد عليها ألف عام حتى اسودت ، فهي سوداء مظلمة لا يضيء لهبها ولا جمرها ، والذي بعثك بالحق لو أن ثوبا من ثياب أهل النار أظهر لأهل الأرض لماتوا جميعا ، ولو أن ذنوبا من شرابها صب في ماء الأرض لقتل من ذاقه ، ولو أن ذراعا من السلسلة التي ذكر الله - تعالى - وضع على جبال الأرض جميعا لذابت وما استقرت ، ولو أن رجلا دخل النار ، ثم أخرج منها لمات أهل الأرض من نتن ريحه ، وتشويه خلقه وعظمه . فبكى النبي - صلى الله عليه وسلم - وبكى جبريل لبكائه ، فقال : أتبكي يا محمد ، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ قال : أفلا أكون عبدا شكورا ؟ ولم بكيت يا جبريل وأنت الروح الأمين أمين الله على وحيه ؟ قال : أخاف أن أبتلى بما ابتلي به هاروت وماروت فهو الذي منعني من اتكالي على منزلتي عند ربي فأكون قد أمنت مكره ، فلم يزالا يبكيان حتى نوديا من السماء : أن يا جبريل ويا محمد إن الله - تعالى - قد أمنكما أن تعصياه فيعذبكما ، ففضل محمد [ ص: 140 ] على الأنبياء كفضل جبريل على ملائكة السماء كلهم .

وقد بلغني يا أمير المؤمنين أن عمر بن الخطاب قال : اللهم إن كنت تعلم أني أبالي إذا قعد الخصمان بين يدي على من قال الحق من قريب أو بعيد فلا تمهلني طرفة عين ، يا أمير المؤمنين إن أشد الشدة القيام لله بحقه ، وإن أكرم الكرم عند الله التقوى ، إنه من طلب العز بطاعة الله رفعه الله ، ومن طلبه بمعصية الله أذله الله ووضعه . هذه نصيحتي والسلام عليك .

ثم نهضت ، فقال لي : إلى أين ؟ فقلت : إلى البلد والوطن بإذن أمير المؤمنين إن شاء الله ، فقال : قد أذنت وشكرت لك نصيحتك وقبلتها بقبول ، والله الموفق للخير والمعين عليه ، وبه أستعين وعليه أتوكل وهو حسبي ونعم الوكيل ، فلا تخلني من مطالعتك إياي بمثلها ، فإنك المقبول غير المتهم في النصيحة ، قلت : أفعل إن شاء الله . قال محمد بن مصعب فأمر له بمال يستعين به على خروجه فلم يقبله ، وقال : أنا في غنى عنه ، وما كنت لأبيع نصيحتي بعرض من الدنيا كلها ، وعرف المنصور مذهبه فلم يجد عليه في رده .

حدثنا أبو علي محمد بن أحمد بن الحسن ، ثنا بشر بن موسى ، ثنا عبد الله بن صالح العجلي ، ثنا يحيى بن عبد الملك بن أبي غنية ، قال : كتب الأوزاعي إلى أخ له : أما بعد فإنه قد أحيط بك من كل جانب ، واعلم أنه يسار بك في كل يوم وليلة ، فاحذر الله والمقام بين يديه ، وأن يكون آخر عهدك به ، والسلام .

حدثنا إبراهيم بن عبد الله ، ثنا محمد بن إسحاق ، ثنا الحسن بن عبد العزيز ، ثنا عبد الرحمن بن علي ، عن هقل ، عن الأوزاعي ، أنه كتب إلى الحكم بن غيلان القيسي : قد أحببت رحمنا الله وإياك أن يقفك ما عملت من المراء وإن كان على ما تعلم فيه ، وأن تجعل لمعادك في طرفي نهارك نصيبا ، ولا يستفرغنك إيثار غيره ، ودع امتحان من اتهمت ، وضع أمره على ما قد ظهر لك منه ، فإن ستر عنك خلافا فاحمد الله على عافيته ، وإن عرض لك ببدعة فأعرض عن بدعته ، [ ص: 141 ] ودع من الجدال ما يفتن القلب ، وينبت الضغينة ، ويجفي القلب ، ويرق الورع في المنطق والفعل ، ولا تكن ممن يمتحن من لقي بالأوابد ، وما عسى أن يفتري به أحد ، وليكن ما كان منك على سكينة وتواضع تريد به الله ، وليعنك ما عنى الصالحين قبلك ، فإنه قد أعظمهم ثقل الساعة ، فجرت على خدودهم من الخشوع دموعهم وطووا من خوف على ظمأ مناهلهم ، عناهم على أنفسهم وراحتهم على الناس ، نسأل الله أن يرزقنا وإياك علما نافعا ، وخشوعا يؤمننا به من الفزع الأكبر ، إنه أرحم الراحمين ، والسلام عليك .

حدثنا إسحاق بن أحمد ، ثنا إبراهيم بن يوسف بن خالد ، ثنا أحمد بن أبي الحواري ، ثنا محمد بن يوسف الفريابي ، عن الأوزاعي ، قال : سألني عبد الله بن علي - والمسودة قيام على رءوسنا بالكافركوبات - فقال : أليس الخلافة وصية لنا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاتل عليها علي بصفين ؟ قال : قلت : لو كانت وصية من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما حكم علي الحكمين قال : فنكس رأسه .

حدثنا أبي ، و أبو محمد بن حيان قالا : ثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن ، ثنا عباس بن الوليد بن مزيد ، أخبرني أبي ، ثنا الأوزاعي ، قال : قال سليمان - عليه السلام - لابنه : يا بني عليك بخشية الله فإنها غلبت كل شيء ، وبلغني أن سليمان - عليه السلام - قال : يا معشر الجبابرة كيف تصنعون إذا رأيتم الجبار فترون قضاه ؟ يا معشر الجبابرة كيف تصنعون إذا وضع الميزان لفصل القضاء ، وقال سليمان - عليه السلام - : من عمل سوء فبنفسه بدأ ، وقال سليمان - عليه السلام - : كل عمى ولا عمى القلب ، وقال سليمان - عليه السلام - : لهو العلماء خير من حكمة الجهلاء .

حدثنا أبو حامد الغطريفي ، ثنا أبو نعيم بن عدي ، ثنا العباس بن الوليد بن مزيد ، أخبرني أبي قال : قال الأوزاعي : لهو العلماء خير من حكمة الجهلة .

حدثنا أبي ، وأبو محمد بن حيان ، قالا : ثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن ، ثنا عباس بن الوليد ، أخبرني أبي قال : سمعت الأوزاعي ، يقول : بلغني أنه ما وعظ [ ص: 142 ] رجل قوما لا يريد به وجه الله إلا زلت عنه القلوب كما زل الماء عن الصفا .

قال : وسمعت الأوزاعي يقول : ليس ساعة من ساعات الدنيا إلا وهي معروضة على العبد يوم القيامة يوما فيوما وساعة فساعة ، ولا تمر به ساعة لم يذكر الله - تعالى - فيها إلا تقطعت نفسه عليها حسرات ، فكيف إذا مرت به ساعة مع ساعة ويوم مع يوم [ وليلة مع ليلة ] .

وبإسناده قال : سمعت الأوزاعي يقول : إن المؤمن يقول قليلا ويعمل كثيرا ، وإن المنافق يقول كثيرا ويعمل قليلا .

حدثنا محمد بن معمر ، ثنا أبو شعيب الحراني ، ثنا يحيى بن عبد الله ، ثنا الأوزاعي ، قال : بلغني أن في السماء ملكا ينادي كل يوم ألا ليت الخلائق لم يخلقوا ، ويا ليتهم إذ خلقوا عرفوا لما خلقوا له ، وجلسوا مجلسا فذكروا ما عملوا .

حدثنا محمد بن عمر بن سلم ، ثنا جعفر بن محمد الفريابي ، ثنا المسيب بن واضح ، ثنا أبو إسحاق الفزاري ، عن الأوزاعي ، قال : كان يقال : خمس كان عليها أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - والتابعون بإحسان : لزوم الجماعة ، واتباع السنة ، وعمارة المسجد ، وتلاوة القرآن ، والجهاد في سبيل الله .

حدثنا أبو بكر بن مالك ، ثنا عبد الله بن أحمد ، حدثني الحسن بن عبد العزيز ، ثنا عمرو بن أبي سلمة التنيسي ، ثنا الأوزاعي ، قال : رأيت كأن ملكين عرجا بي وأوقفاني بين يدي رب العزة ، فقال لي : أنت عبدي عبد الرحمن الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فقلت : بعزتك أي رب أنت أعلم قال : فهبطا بي حتى رداني إلى مكاني .

حدثنا أبو جعفر محمد بن عبد الله بن سلم القابني ، ثنا محمد بن منصور البهروني ، ثنا عبد الله بن عروة ، قال : سمعت يوسف بن موسى القطان ، يحدث أن الأوزاعي ، قال : رأيت رب العزة في المنام ، فقال لي يا عبد الرحمن : أنت الذي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ؟ قلت : بفضلك يا رب ، فقلت : يا رب أمتني [ ص: 143 ] على الإسلام ، فقال : وعلى السنة .

حدثنا أحمد بن علي بن الحارث الموهبي ، ثنا محمد بن علي بن حبيب ، ثنا سليمان بن عمر ، ثنا أبي ، عن موسى بن أعين ، قال : قال لي الأوزاعي : يا أبا سعيد كنا نمزح ونضحك ، فأما إذا صرنا يقتدى بنا ، ما أرى يسعنا التبسم .

حدثنا إبراهيم بن عبد الله ، ثنا محمد بن إسحاق ، ثنا الحسن بن عبد العزيز ، ثنا أبو حفص عمرو بن أبي سلمة عن الأوزاعي ، قال : من أكثر ذكر الموت كفاه اليسير ، ومن علم أن منطقه من عمله قل كلامه ، قال أبو حفص : سمعت سعيد بن عبد العزيز يقول : ما جاء الأوزاعي بشيء أعجب إلينا من هذا .

حدثنا أحمد بن علي بن الحارث ، ثنا محمد بن علي بن حبيب ، ثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري ، ثنا بشر بن الوليد ، قال : رأيت الأوزاعي كأنه أعمى من الخشوع ، وقال عبد الله بن أحمد ، عن إبراهيم ، عن بشر بن صالح ، ثنا عبد الله بن محمد بن عثمان الواسطي ، ثنا عبد الله بن أبي داود ، ثنا أحمد بن أبي الحواري ، ثنا أبو مسهر ، ثنا محمد بن الأوزاعي ، قال : قال لي أبي : لو قبلنا من الناس كلما أعطونا لهنا عليهم .

حدثنا إسحاق بن أحمد ، ثنا إبراهيم بن يوسف ، ثنا أحمد بن أبي الحواري ، قال : بلغني أن نصرانيا ، أهدى إلى الأوزاعي جرة عسل ، فقال له : يا أبا عمرو تكتب لي إلى والي بعلبك ، فقال : إن شئت رددت الجرة وكتبت لك ، وإلا قبلت الجرة ولم أكتب لك ، قال : فرد الجرة وكتب له ، فوضع عنه ثلاثين دينارا .

حدثنا سليمان بن أحمد ، ثنا إبراهيم بن محمد بن عرق الحمصي ، ثنا محمد بن مصفى ، وعمرو بن عثمان ، قالا : ثنا عبد الملك بن محمد ، قال : كان الأوزاعي لا يكلم أحدا بعد صلاة الفجر حتى يذكر الله فإن كلمه أحد أجابه .

حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ، ثنا بشر بن موسى ، ثنا معاوية بن عمرو ، ثنا أبو إسحاق الفزاري ، قال : قال الأوزاعي : اصبر نفسك على السنة ، وقف حيث وقف القوم ، وقل بما قالوا ، وكف عما كفوا عنه ، واسلك سبيل سلفك الصالح ، فإنه يسعك ما وسعهم ، ولا يستقيم الإيمان إلا بالقول ، ولا يستقيم القول [ ص: 144 ] إلا بالعمل ، ولا يستقيم الإيمان والقول والعمل إلا بالنية موافقة للسنة ، وكان من مضى من سلفنا لا يفرقون بين الإيمان والعمل ، العمل من الإيمان ، والإيمان من العمل ، وإنما الإيمان اسم جامع كما يجمع هذه الأديان اسمها ، ويصدقه العمل فمن آمن بلسانه وعرف بقلبه وصدق ذلك بعمله فتلك العروة الوثقى التي لا انفصام لها ، ومن قال بلسانه ولم يعرف بقلبه ولم يصدقه بعمله لم يقبل منه وكان في الآخرة من الخاسرين .

التالي السابق


الخدمات العلمية