صفحة جزء
367 - عتبة الغلام

ومنهم الحر الهمام ، المجلو من الظلام ، المكلوء بالشهادة والكلام ، عتبة بن أبان الغلام .

كشف له الغطاء ، ونظف له الوطاء ، فخفف عنه البطاء .

حدثنا أحمد بن إسحاق ، ثنا جعفر بن أحمد بن فارس ، ثنا إبراهيم بن الجنيد ، قال : ثنا إسحاق بن إبراهيم الثقفي ، قال : سأل رجل رياحا القيسي - وأنا شاهد - فقال له : يا أبا المهاجر لأي شيء سمي عتبة الغلام ؟ قال : كان نصفا من الرجال ، ولكنا كنا نسميه الغلام لأنه كان في العبادة غلام رهان .

حدثنا أحمد ، ثنا جعفر ، ثنا إبراهيم ، حدثني محمد بن الحسين ، قال : سمعت عبيد الله بن محمد ، يقول : عتبة الغلام هو عتبة بن أبان بن صمعة مات قبل أبيه .

حدثنا أحمد بن إسحاق ، ثنا جعفر بن أحمد ، ثنا إبراهيم بن الجنيد ، حدثني محمد بن الحسين ، حدثني شعيب بن محرز ، ثنا حسين ، قال : قال عبد الواحد بن زيد : بمن تشبه حزن هذا الغلام ؟ - يعني عتبة - قلت : بحزن الحسن ، قال : والله ما أبعدت .

حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، ثنا أحمد بن الحسين بن نصر ، ثنا أحمد بن إبراهيم ، ثنا محمد بن مسلم ، ثنا سيار ، ثنا رياح القيسي ، قال : بات عندي عتبة [ ص: 227 ] الغلام ، فسمعته يقول في سجوده : اللهم احشر عتبة بين حواصل الطير وبطون السباع .

حدثنا عبد الله بن محمد ، ثنا أحمد بن الحسين ، ثنا أحمد بن إبراهيم ، حدثني إبراهيم بن عبد الرحمن بن مهدي ، ثنا مخلد بن الحسين ، قال : خرجت أنا وعتبة الغلام ، ويحيى الواسطي ، ومشمرخ الضبي ، قال : فنزلنا المصيصة في الحصن ، فرأيت ليلة في المنام كأن ملكا نزل من السماء ومعه ثلاثة أكفان من أكفان الجنة فألبس عتبة كفنا ويحيى كفنا ، ورجلا آخر كفنا ، قال : فلما أصبحت دعوتهم لأحدثهم بالرؤيا ، فقال لي عتبة : لا تذكر يا أبا محمد الرؤيا ، قال : فمكث أشهرا فإني لنائم على سرير ليلة فإذا إنسان يحركني ، قال : فرفعت رأسي فإذا عتبة ، فقلت : ما حاجتك ؟ فقال لي : اجلس قص علي الرؤيا ، قال : فجلست فحدثته فرفع يده وقال شيئا لا أدري ما هو ، ثم قام ووضعت رأسي فانتبهت فإذا صاحب التنور قد نور ، قال : فأسرجت دابتي وجئت فإذا بعتبة جالس على الباب بيده عنان فرسه ، قال : وقال عتبة لما ورد حلب : اشتروا لي فرسا يغيظ المشركين إذا رأوه قال : فوقفنا حتى إذا جاء الوالي ففتح الباب فخرج ، وكان مشمرخ راجلا ، فإذا إنسان معه فرس على الباب ينادي يا ثور ، قال : فدنوت منه فقلت : هل لك في ثور مكان ثور ؟ قال : نعم ، قال : فأخذ مشمرخ الفرس فركبه ، قال : ومضينا حتى انتهينا إلى أذنة فإذا آثار عدو ، قال : فقال لي الوالي : من يجيئنا بخبر هؤلاء ؟ قال : فقال عتبة : أنا ، فخرج في أناس من أصحابه يتبع الأثر ، فخرج عليهم العدو فقتلوا جميعا إلا رجلا أفلت رجع إلينا ، قال : ومضينا ، قال : فأول ما رأيت بياض جسد عتبة ، وقد قتل وسلب ، قال : فإذا بصدره ست طعنات - أو سبع طعنات - وإذا يده على فرجه قال : فدفنته قال مخلد : فرأيت شابا جاءنا بعد عتبة لسنة قتل في المنام ، قال : قلت : ما صنع الله بك ؟ قال : ألحقني بالشهداء المرزوقين ، قال : قلت : أخبرني عن عتبة وأصحابه لك بهم علم ؟ قال : قتلى قرية الحباب ؟ قال : قلت : نعم ، قال : إنهم معروفون في ملكوت السماوات .

حدثنا أحمد بن إسحاق ، ثنا جعفر بن أحمد بن فارس ، ثنا إبراهيم بن [ ص: 228 ] الجنيد ، حدثني عون بن عبد الله الخراز ، ثنا مخلد بن الحسين ، قال : جاءنا عتبة الغلام ، فقلنا له : ما جاء بك ؟ قال : جئت أغزو ، قال : قلت : مثلك يغزو ؟ قال : إني رأيت في المنام أني آتي المصيصة فأغزو فأستشهد ، قال : فنودي يوما في الخيل فنفر الناس وجاء عتبة راجعا من حاجته ، فلما دخل من باب الجهاد استقبله رجل فقال : هل لك في فرسي وسلاحي فإني قد اعتللت ؟ قال : نعم ، قال : فنزل الرجل ودفعه إليه ، قال : فمضى مع الناس فلقوا الروم فكان أول رجل استشهد .

حدثنا أحمد بن إسحاق ، ثنا جعفر ، ثنا إبراهيم ، ثنا أحمد بن سهل البصري أبو جعفر ، قال : سألت علي بن بكار هل شهدت قتل عتبة الغلام ؟ قال : لا ، ولكن استشهد وقتل في قرية الحباب .

حدثنا أحمد بن بندار ، ثنا جعفر بن أحمد ، ثنا إبراهيم بن عبد الله الختلي ، حدثني محمد بن الحسين ، ثنا عبيد الله بن محمد بن حفص التيمي ، حدثني أبو حسن بن اليسع ، قال : لقي عبد الواحد بن زيد عتبة الغلام في رحبة القصابين في يوم شات شديد البرد ، فإذا هو يرفض عرقا ، فقال له عبد الواحد : عتبة ، قال : نعم ، قال : فما شأنك ؟ ما لك تعرق في مثل هذا اليوم ؟ قال :خير ، قال : لتخبرني ، قال : خير ، قال : فقال : للأنس الذي بيني وبينك والإخاء إلا ما أخبرتني ، قال : إني والله ذكرت ذنبا أصبته في هذا المكان ، فهذا الذي رأيت من أجل ذلك .

حدثنا أحمد بن إسحاق ، ثنا جعفر بن أحمد ، ثنا إبراهيم بن الجنيد ، حدثني خالد بن خداش ، ثنا عبد القاهر بن عبد الرحيم ، قال : هاجت ريح بالبصرة حمراء ففزع الناس لها ، قال : فجعل عتبة يبكي ويقول : واجراءتي عليك وشرائي التمر بالقراريط .

حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا أحمد بن الحسين الحذاء ، ثنا أحمد الدورقي ، ثنا إبراهيم بن عبد الرحمن بن مهدي ، ثنا عبد السلام الزهراني ، ثنا أبو دعامة الزهراني ، قال : كان عتبة يفتل الشريط في بيت مع أصحاب له ، فهاجت ريح فأتيته وهو لا يدري ، فقلت : يا عتبة أما ترى ما في السماء ؟ قال : فطرح الشريط [ ص: 229 ] وقام ، فقال : يا عتبة ، تجترئ على ربك تشتري التمر بالقراريط - وكان اشترى يومئذ بقيراط - .

حدثنا أحمد بن أحمد بن بندار ، ثنا جعفر بن أحمد ، ثنا إبراهيم بن عبد الله الختلي ، ثنا إسحاق بن إبراهيم الثقفي البصري ، قال : أخبرني رياح القيسي ، قال : صحبت عتبة الغلام ، وقد اشترى تمرا بقيراط ، فلما كان عند المغرب هاجت ريح ، فقال عتبة : إلهي أنا أشتهي التمر منذ سنة لم آكله ، حتى إذا أخذت شهوتي أردت أن تأخذني عندها ، لا آكلها ، فتصدق بها .

حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا أحمد بن الحسين ، ثنا أحمد الدورقي ، حدثني إبراهيم بن عبد الرحمن بن مهدي ، حدثني أبي ، عن بكر ، قال : كان عتبة الغلام يأخذ دقيقه فيبله بالماء فيعجنه ويضعه في الشمس حتى يجف ، فإذا كان الليل جاء فأخذه وأكل منه لقما ، قال : ثم يأخذ الكوز فيغرف من حب كان في الشمس نهاره ، فتقول مولاة له : يا عتبة لو أعطيتني دقيقك فخبزته لك ، وبردت لك الماء ، فيقول لها يا أم فلان قد سددت عني كلب الجوع .

حدثنا أحمد بن إسحاق ، ثنا جعفر بن أحمد ، ثنا إبراهيم بن الجنيد ، ثنا محمد بن الحسين ، ثنا عبد الله بن الفرج العابد ، قال : كان عتبة يعجن دقيقه ويجففه في الشمس ثم يأكله ، ويقول : كسرة وملح حتى يهيأ في الدار الآخرة الشواء والطعام الطيب .

حدثنا أحمد بن إسحاق ، ثنا جعفر بن أحمد ، ثنا إبراهيم بن الجنيد ، ثنا محمد بن الحسين ، حدثني أحمد بن إسحاق الحضرمي ، ثنا سلمة الفراء ، قال : كان عتبة الغلام من نساك البصرة ، وكان من أصحاب الفلق وكان قد قوت لنفسه ستين فلقة ، يتعشى كل ليلة بفلقة ويتسحر بأخرى ، وكان يصوم الدهر ، ويأوي السواحل والجبابين .

حدثنا أحمد بن بندار ، ثنا جعفر بن أحمد ، ثنا إبراهيم الختلي ، ثنا أبو يوسف يعقوب بن إسحاق ، ثنا أبو عمر البصري ، قال : كان رأس مال عتبة فلسا [ ص: 230 ] فيشتري بالفلس الخوص فإذا عمله باعه بثلاث فلوس ، ففلس يتصدق به ، وفلس يتخذه رأس ماله ، وفلس يشتري به شيئا يفطر عليه ، قال أبو يوسف : أظن الدانق يومئذ بثلاث فلوس كبار .

حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، ثنا أحمد بن الحسين بن نصر ، ثنا أحمد بن إبراهيم بن كثير ، حدثني خالد بن خداش ، ثنا محمد بن مستور - وكان رجلا عابدا من بني راسب - قال : جاءنا عتبة الغلام إلى الكلأ ، قال : فلما أمسينا قلت لأصحابه : اشتروا لحما بدرهم واطبخوه سكباجا حتى يتعشى به عتبة ، قال : فلما صلى العشاء فقدناه قال : قلت : اطلبوه ، قال : فطلبوه فوجدوه في بيت من أبيات قد أخذ سويق دقيق كان معه فجعله في خرقة فصب عليه ماء وهو يأكل منه ، وعيناه تذرفان ، قال : قلت : سبحان الله إخوانك قد عملوا لك شيئا ، قال هذا يكفيني .

حدثنا أحمد بن إسحاق ، ثنا جعفر بن فارس ، ثنا إبراهيم بن الجنيد ، حدثني أحمد بن عمر الأنباري ، ثنا أحمد بن حاتم أبو عبد الله البصري ، ثنا أحمد بن عطاء أبو عبد الله اليربوعي ، قال : نازعت عتبة الغلام نفسه لحما ، فقال لها : اندفعي عني إلى قابل ، فما زال يدافعها سبع سنين حتى إذا كان في السابعة أخذ دانقا ونصف إفلاس فأتى بها صديقا له من أصحاب عبد الواحد بن زيد خبازا ، فقال : يا أخي إن نفسي تنازعني لحما منذ سبع سنين ، وقد استحييت منها كم أعدها وأخلفها ، فخذ لي رغيفين وقطعة من لحم بهذا الدانق والنصف ، فلما أتاه به إذا هو بصبي ، قال : يا فلان ألست أنت ابن فلان وقد مات أبوك ؟ قال : بلى ! قال : فجعل يبكي ويمسح رأسه وقال : قرة عيني من الدنيا أن تصير شهوتي في بطن هذا اليتيم فناوله ما كان معه ، ثم قرأ : ( ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا ) .

حدثنا أحمد بن إسحاق ، ثنا جعفر بن أحمد ، ثنا إبراهيم بن الجنيد ، حدثني محمد بن محمد الخلال ، ثنا أحمد بن ثواب أبو عبد الله ، عن مخلد بن الحسين ، قال : كان عتبة يجالسنا عند باب هشام بن حسان ، وقال لنا يوما - يعني عتبة - : إنه [ ص: 231 ] لا يعجبني رجل لا يكون في يده حرفة ، فقلنا له : هو ذا تجالسنا أنت وما نراك تحترف ، فقال : بلى إني لأحترف ، رأس مالي طسوج أشتري به خوصا أعمله وأبيعه بثلاث طساسيج ، فطسوج رأس مالي وقيراط خبزي .

حدثنا أحمد ، ثنا جعفر بن إبراهيم ، حدثني محمد بن الربيع اللخمي ، ثنا أبو ربيعة ، حدثني رجل أظنه العنزي ، قال : خرج عتبة إلى صديق له بواسط ، قال : فتزود كسنجا بفلسين .

حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا أحمد بن الحسين ، ثنا أحمد بن إبراهيم ، حدثني خالد بن خداش ، قال : سمعت عدة من أصحابنا يقولون : كان لعتبة أخ بواسط ، فيشتري من البصرة كسيبا بدرهم فهو زاده حتى يبلغ إلى أخيه بواسط .

حدثنا أبي ، ثنا أحمد بن محمد بن عمر ، ثنا أبو بكر بن عبيد ، قال : حدثت عن محمد ، حدثني روح بن سلمة ، حدثني سلم العباداني ، قال : قدم علينا مرة صالح المري ، وعتبة الغلام ، وعبد الواحد بن زيد ، وسلم الأسواري فنزلوا على الساحل قال : فهيأت لهم ذات ليلة طعاما فدعوتهم إليه فجاءوا ، فلما وضعت الطعام بين أيديهم إذا قائل يقول من بعض أولئك المطوعة وهو على ساحل البحر مارا رافعا صوته يقول :


ويلهيك عن دار الخلود مطاعم ولذة نفس غبها غير نافع

قال : فصاح عتبة صيحة فسقط مغشيا عليه ، وبكى القوم فرفعنا الطعام وما ذاقوا والله منه لقمة .

حدثنا أحمد بن إسحاق ، ثنا جعفر بن أحمد ، ثنا إبراهيم بن الجنيد ، ثنا محمد بن الحسين ، ثنا سجف بن منظور ، قال : صنع عبد الواحد طعاما وجمع عليه نفرا من إخوانه وكان فيهم عتبة ، قال : فأكل القوم غير عتبة فإنه كان قائما على رءوسهم يخدمهم ، قال : فالتفت بعضهم إلى عتبة فنظر إلى عينيه والدموع تنحدر منها فسكت وأقبل على الطعام ، فلما فرغ القوم من طعامهم تفرقوا وأخبر الرجل عبد الواحد بما رأى من عتبة ، فقال له عبد الواحد : بأبي لم بكيت والقوم [ ص: 232 ] يطعمون ؟ قال : ذكرت موائد أهل الجنة والخدم قيام على رءوسهم ، فشهق عبد الواحد شهقة خر مغشيا عليه ، قال سجف : حدثني حصين بن القاسم قال : فما رأيت عبد الواحد بعد ذلك اليوم دعا إنسانا إلى منزله ولا أكل طعاما إلا دون شبعه ، ولا يشرب إلا أقل من ريه ، ولا افتر ضاحكا حتى مضى لوجهه ، قال : وأما عتبة فإنه جعل لله على نفسه أن لا يأكل إلا أقل من شبعه ، ولا يشرب إلا أقل من ريه ، ولا ينام من الليل والنهار إلا أقل من نبهه قال : فقال له بعض أصحابه : لا تنم يا عتبة بالليل ونم بالنهار في الساعات اللاتي لا تحل فيها الصلاة ، فهذا أقل من نبهك ، ووفاء لنذرك ، قال : فقال : أنا إذا يا أبا عبد الله أريد أن أطلب الحيل فيما بيني وبين ربي ؟! لا أنام ليلا ولا نهارا إلا وأنا مغلوب ، قال : فكنت إذا رأيته شبه الواله ، وما ظنك برجل لا ينام إلا مغلوبا !! قال : وكان يلبس الشعر تحت ثيابه ، فإذا كان يوم الجمعة ألقاه عنه ولبس من صالح الثياب .

حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا أحمد بن الحسين ، ثنا أحمد بن إبراهيم ، حدثني إبراهيم بن عبد الرحمن بن مهدي ، قال : سألت يوسف بن عطية ، فقلت : ما كان لباس عتبة ؟ قال : كان يلبس كساءين أغبرين ، يتزر بواحدة ويرتدي بأخرى ، إذا رأيته قلت : بعض الأكرة ، قال إبراهيم : وكان عتبة عربيا شريفا من عوذ .

حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا أحمد بن الحسين ، ثنا أحمد بن إبراهيم ، ثنا عبد الله بن عبيد الله ، حدثني الخليل بن عمرو النكري ، قال : سمعت أبا أنس ، قال : قال لي عتبة : كدت ألا تراني ، قال : قلت : ما جنايتك ؟ ما ذنبك ؟ قال : كادت الأرض تأخذني ، قال : قلت : وأي شيء جنايتك ؟ قال : رأيت أخا لي فقال لي عتبة : أنت في كساءين وأنت في هذا ، فلولا أني أعطيته - أظنه قال أحدهما - ظننت أن الأرض تأخذني .

حدثنا أحمد بن إسحاق ، ثنا جعفر بن أحمد ، ثنا إبراهيم بن الجنيد ، ثنا محمد بن الحسين ، ثنا أبو عمر الضرير ، قال : سمعت رياحا القيسي ، يقول : قال لي [ ص: 233 ] عتبة : يا رياح إن كنت كلما دعتني نفسي إلى الكلام تكلمت فبئس الناظر أنا ، يا رياح إن لها موقفا تغتبط فيه بطول الصمت عن الفضول .

حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا أحمد بن الحسين ، ثنا أحمد بن إبراهيم ، حدثني أحمد بن زهير المروزي ، قال : ركب عتبة في زورق مع قوم ، قال : فأراد الملاح أن يعدل ببعضهم السفينة ، قال : فلم يجد أحدا منهم أحقر في عينه من عتبة ، قال : فضرب جنبه ، وقال : استو ، فقال عتبة : الحمد لله الذي لم ير فيهم أحقر في عينيه مني .

حدثنا أحمد بن بندار ، ثنا جعفر بن أحمد ، ثنا إبراهيم بن عبيد الختلي ، ثنا محمد بن الحسين ، ثنا داود بن المحبر ، قال : سمعت أبا المحبر بن قحذم ، يقول : قال سليمان بن علي لبعض أصحابه : ويحك أين عتبة هذا الذي قد افتتن به أهل البصرة ؟ قال : فخرج به في الجيش حتى أتى به الجبان ، فوقف به على عتبة وهو لا يعلم منكس رأسه بيده عود ينكت عليه الأرض ، فوقف عليه فسلم ، فرفع رأسه فنظر إليه ، فقال : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، قال : كيف أنت يا عتبة ؟ قال : بحال بين حالين ، قال : ما هما ؟ قال : قدوم على الله بخير أم بشر ، ثم نكس رأسه وجعل ينكت الأرض ، فقال سليمان بن علي : أرى عتبة قد أحرز نفسه ولا يبالي ما أصبحنا فيه وأمسينا ، ثم قال :يا عتبة قد أمرت لك بألفي درهم ، قال : أقبلها منك أيها الأمير على أن تقضي لي معها حاجة ، قال : نعم ، وسر سليمان فقال : وما حاجتك ؟ فقال : تعفيني منها ، قال : قد فعلت ، قال : ثم ولى عنه منصرفا وهو يبكي ويقول : قصر إلينا عتبة ما نحن فيه .

حدثنا أحمد بن بندار ، ثنا جعفر بن أحمد ، ثنا إبراهيم بن عبد الله ، حدثني عبد الله بن عون ، قال : سمعت أبا حفص ، يقول : كان عتبة مع قرابة له على ظهر الطريق يكلمه ، فجعل ذلك لا يأبه لكلامه ، قال : فقال عتبة : ألا تكلمني . قال : أما رأيت إلى أمير البصرة مر بمن معه ؟ قال :ما علمت .

حدثنا عبد الله بن محمد ، ثنا أحمد بن الحسين ، ثنا أحمد بن إبراهيم ، حدثني إبراهيم بن عبد الرحمن ، حدثني مضر ، قال : قال رجل لعبد الواحد بن زيد : يا أبا [ ص: 234 ] عبيدة تعلم أحدا يمشي في الطريق مشتغل بنفسه لا يعرفه أحد يقول من كثرة أشغاله ؟ قال :ما أعرف أحدا إلا رجلا واحدا الساعة يدخل عليكم ، فبينما هو كذلك إذ دخل عليه عتبة ، قال : وطريقه على السوق ، قال : فقال له : يا عتبة من رأيت ومن تلقاك في الطريق ؟ قال :ما رأيت أحدا .

حدثنا عبد الله ، ثنا أحمد ، ثنا أحمد ، قال : حدثني إبراهيم ، حدثني مضر ، عن عبد الواحد ، قال : كان عتبة يجيء إلى المسجد يوم الجمعة ، وقد أخذ الناس الظل فيقوم على الحصا فما يستكن بشيء منه ، ثم يقوم عليه ويسجد السجدة الطويلة ، قال مضر : قال عبد الواحد : ما أراه يعقل بحره .

حدثنا أحمد بن إسحاق ، ثنا جعفر بن أحمد ، ثنا إبراهيم بن الجنيد ، حدثني محمد بن الحسين ، ثنا عمار بن عثمان الحلبي ، ثنا رياح أبو المهاجر القيسي ، قال : قال عتبة : لولا ما قد نهينا عنه من تمني الموت لتمنيته ، قلت : ولم تتمنى الموت ؟ قال : لي فيه خلتان حسنتان ، قلت : وما هما ؟ قال : الراحة من معاشرة الفجار ، ورجاء لمجاورة الأبرار ، قال : ثم بكى ، وقال : أستغفر الله وما يؤمنني أن يقرن بيني وبين الشيطان في سلسلة من حديد ثم يقذف بي في النار ، ثم غشي عليه .

حدثنا أبو محمد ، ثنا أحمد بن إسحاق ، ثنا أبو حاتم ، ثنا أحمد بن خالد الوهبي ، قال : سمعت بعض أصحابنا ، يقول : غشي على عتبة الغلام ، فأفاق وهو يقول : ارحم من تجرأ عليك وأكل بالدين ، فنظروا في دينه فإذا عليه فلسان .

حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا إسحاق بن أبي حسان ، ثنا أحمد بن أبي الحواري ، ثنا جعفر بن محمد ، قال : كان عتبة يقطع الليل بثلاث صيحات ، يصلي القيام ثم يضع رأسه بين ركبتيه يفكر ، فإذا مضى من الليل ثلثه صاح صيحة ، ثم يضع رأسه بين ركبتيه يفكر فإذا كان السحر صاح صيحة ، قال أحمد : فحدثت به عبد العزيز ، فقال لي : حدثت به بعض البصريين ، فقال : لا تنظر إلى صيحته ، ولكن انظر إلى الأمر الذي كان منه بين الصيحتين .

حدثنا أحمد بن بندار ، ثنا جعفر بن أحمد ، ثنا إبراهيم بن عبد الله ، ثنا محمد بن الحسين ، حدثني سجف بن منظور ، حدثني سليم النحيف ، قال : رمقت عتبة [ ص: 235 ] ذات ليلة فما زاد ليلته تلك على هذه الكلمات ، إن تعذبني فإني لك محب ، وإن ترحمني فإني لك محب ، قال : فلم يزل يرددها ويبكي حتى طلع الفجر .

حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، ثنا محمد بن إبراهيم بن عامر ، ثنا محمد بن فهد المديني ، قال : كان عتبة يصلي هذا الليل الطويل فإذا فرغ رفع رأسه ، فقال : سيدي إن تعذبني فإني أحبك ، وإن تعف عني فإني أحبك .

حدثنا أحمد بن بندار ، ثنا جعفر بن أحمد ، ثنا إبراهيم بن عبد الله ، ثنا محمد بن الحسين ، حدثني عصمة بن سليمان ، ثنا مسلم بن عرفجة العنبري ، قال : سمعت عنبسة الخواص ، يقول : كان عتبة يزورني فربما بات عندي ، قال : فبات عندي ذات ليلة فبكى من السحر بكاء شديدا ، فلما أصبح قلت له : قد فزعت قلبي الليلة ببكائك ففيم ذاك يا أخي ؟ قال :يا عنبسة إني والله ذكرت يوم العرض على الله ، ثم مال ليسقط فاحتضنته فجعلت أنظر إلى عينيه يتقلبان قد اشتدت حمرتهما ، قال : ثم أزبد وجعل يخور ، فناديته : عتبة ، عتبة ، فأجابني بصوت خفي : قطع ذكر يوم العرض على الله أوصال المحبين ، قال : ويردده ثم جعل يحشرج البكاء ويردده حشرجة الموت ويقول : تراك مولاي تعذب محبيك وأنت الحي الكريم ؟ قال : فلم يزل يرددها حتى والله أبكاني .

حدثنا عبد الله بن محمد ، ثنا أحمد بن الحسين ، ثنا أحمد بن إبراهيم ، ثنا عبد الله بن عيسى الطفاوي ، أخبرني أبو عبد الله الشحام ، قال : كان عتبة يبيت عندي قال : فكان يبيت في بيت وحده ، قال عبد الله : فقلت له : ما كانت عبادته ، قال : كان يستقبل القبلة فلا يزال في فكر وبكاء حتى يصبح ، قال : وربما جاءني وهو ممس فيقول : أخرج إلي شربة من ماء أو تمرات أفطر عليهما فيكون لك مثل أجري .

حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا أحمد بن الحسين ، ثنا أحمد بن إبراهيم ، حدثني إبراهيم بن عبد الرحمن بن مهدي ، قال : سمعت مخلد بن الحسين ، وذكر عتبة الغلام وصاحبه يحيى الواسطي - فقال : كأنما ربتهم الأنبياء .

حدثنا أحمد بن إسحاق ، ثنا جعفر بن أحمد ، ثنا إبراهيم بن الجنيد ، حدثني [ ص: 236 ] عبد الرحيم بن يحيى الدبيلي ، حدثني عثمان بن عمارة ، قال : قال عتبة : من سكن حبه قلبه فلم يجد حرا ولا بردا ، قال عبد الرحيم : يعني من سكن حب الله قلبه شغله حتى لا يعرف الحر من البرد ، ولا الحلو من الحامض ، ولا الحار من البارد .

حدثنا أحمد بن جعفر ، ثنا إبراهيم ، حدثني محمد بن الحسين ، ثنا معاذ أبو عون ، حدثني أبو عمران التمار ، عن الحسن بن أبي جعفر ، قال : سمعت عتبة ، يقول : من عرف الله أحبه ، ومن أحب الله أطاعه ، ومن أطاع الله أكرمه ، ومن أكرمه أسكنه في جواره ، ومن أسكنه في جواره فطوباه ، وطوباه ، وطوباه ، وطوباه ، فلم يزل يقول : وطوباه حتى خر ساقطا مغشيا عليه .

حدثنا أحمد ، ثنا جعفر ، ثنا إبراهيم ، ثنا محمد بن الحسين ، حدثني داود بن المحبر ، قال : سمعت عبد الواحد بن زيد ، يقول : ربما سهرت مفكرا في طول حزنه - يعني عتبة - ولقد كلمته ليرفق بنفسه فبكى ، وقال : إنما أبكي على تقصيري .

حدثنا أحمد ، ثنا جعفر ، ثنا إبراهيم ، حدثني أبو محمد الطيب بن إسماعيل القاري ، قال : سمعتهم يذكرون ، بعبادان أنه قيل لعتبة في مرضة مرضها ألا تتداوى فقال عتبة : دائي هو دوائي ، قال : وسمعتهم أيضا يذكرون عن عتبة أنه قال : كيف يصلح إنسان يسره ما يضره - يعني الدنيا - هي تسر وهي تضر ، قال إبراهيم بن الجنيد : إنها لا تسر بقدر ما تضر ، إنها تسر قليلا وتحزن حزنا طويلا .

حدثنا أحمد ، ثنا جعفر ، ثنا إبراهيم ، حدثني عبد الله بن عون الخراز ، ثنا أبو حفص البصري ، قال : كان خليل لي جارا لعتبة ، قال فسمع عتبة ذات ليلة وهو يقول : سبحان جبار السماء ، إن المحب لفي عناء ، فقال : يا عتبة صدقت والله ، فغشي عليه .

حدثنا أحمد ، ثنا جعفر ، ثنا إبراهيم ، حدثني محمد بن الحسين ، حدثني يحيى بن راشد ، حدثني عبد الله بن المبشر ، من ولد توبة العنبري - قال : دعا عتبة ربه أن يمن عليه بصوت حزين ، ودمع غزير وغذاء من غير تكلف ، فكان إذا قرأ بكى وأبكى ، قال : وكانت دموعه جارية دهره ، قال : وكان يأوي إلى منزله فيصيب قوته لا يدري من أين يأتيه .

[ ص: 237 ] حدثنا أحمد ، ثنا جعفر ، ثنا إبراهيم ، ثنا أحمد بن محمد ، قال : سمعت سنيد بن داود ، يقول : كان مخلد بن الحسين قد صحب إبراهيم بن أدهم ، وعتبة الغلام ، فقيل له : أيهما كان أفضل ؟ عتبة أم إبراهيم ؟ قال :ما رأت عيناي رجلا كان أفضل من عتبة .

حدثنا أحمد ، ثنا إبراهيم ، حدثني حميد بن الربيع ، حدثني مسلم بن إبراهيم ، قال : رأيت عتبة قال : كان يقال إن الطير تجيبه .

حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا أحمد بن الحسين ، ثنا أحمد بن إبراهيم ، ثنا خالد بن خداش ، سمعت بعض أصحابنا يقول : دعا عتبة هذا الطير الأقمر فقال : تعال فأنت آمن ، فجاء حتى وقع في يده ، ثم خلى سبيله وقال لصاحبه الذي رآه لا تحدث به أحدا .

حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا أحمد بن الحسين ، ثنا أحمد بن إبراهيم ، قال : حدثني بعض أصحابنا ، حدثني الخليل بن عمرو السكري ، قال : سمعت مهدي بن ميمون ، يقول : خرجت في بعض الليل إلى بعض الجبان فإذا عتبة الغلام ، قال لي : جئت ؟ قد دعوت الله أن يجيء بك ، قلت : ادع الله أن يطعمنا رطبا ، قال : فدعا فإذا دوخلة مملوءة رطبا .

حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا أحمد بن الحسين ، ثنا أحمد بن إبراهيم ، حدثني إبراهيم بن عبد الرحمن ، حدثني عبد الخالق العبدي ، قال : كان لعتبة بيت كان يتعبد فيه ، فلما خرج إلى الشام أقفله ، وقال : لا تفتحوه إلى أن يبلغكم موتي فلما بلغهم قتله فتحوه فأصابوا فيه قبرا محفورا وغلا حديدا .

حدثنا أبو بكر بن مالك ، ثنا عبد الله بن أحمد ، ثنا هارون بن عبد الله ، وعلي بن مسلم ، قالا : ثنا سيار ، ثنا عبيد الله بن شميط ، قال : كان عتبة يجيء إلى أبي فيصلي معنا الصلوات كلها ، فإذا صلى أبي العشاء الآخرة جاء ليدخل ، قال : فينصرف عنه ، فيقول : يا أبا عبيد الله يطول علي الليل حتى أراك ، فيقول : انصرف يا بني فإني أخاف عليك الليل .

حدثنا أبو بكر ، ثنا عبد الله - هو ابن أحمد - ثنا أحمد بن إبراهيم ، ثنا إبراهيم بن عبد الرحمن ، قال : سمعت يوسف بن عطية - وقيل له : أكان عطاء [ ص: 238 ] السليمي يقبل من أحد هدية ؟ - قال : نعم من عتبة الغلام ، قلت : وأي شيء كان يهدى له . قال : هذه الجرار الفلسطينية فيها الزيتون والكامخ يجيء بها تحت كسائه معلقها بيده .

حدثنا أبو بكر بن مالك ، ثنا عبد الله بن أحمد ، ثنا هارون بن عبد الله ، وعلي بن مسلم ، قالا : ثنا سيار ، ثنا رياح ، قال : قال لي عتبة الغلام : يا رياح من لم يكن معنا فهو علينا .

حدثنا محمد بن أحمد ، ثنا الحسن بن محمد ، ثنا أبو زرعة ، ثنا هارون ، ثنا سيار ، حدثني قدامة بن أيوب العتكي - وكان من أصحاب عتبة الغلام - قال : رأيت عتبة في المنام ، فقلت : يا أبا عبد الله ما صنع الله بك ؟ قال :يا قدامة ، دخلت الجنة بتلك الدعوة المكتوبة في بيتك ، قال : فلما أصبحت جئت إلى بيتي ، وإذا خط عتبة في حائط البيت مكتوب : يا هادي المضلين ، وراحم المذنبين ، ومقيل عثرات العاثرين ، ارحم عبدك ذا الخطر العظيم ، والمسلمين كلهم أجمعين ، واجعلنا مع الأحياء المرزوقين ، مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين ، والشهداء والصالحين ، آمين يا رب العالمين .

حدثنا أحمد بن إسحاق ، ثنا جعفر بن أحمد ، ثنا إبراهيم بن الجنيد ، ثنا محمد بن الحسين ، ثنا سعيد بن عامر ، قال : كانت امرأة بالبصرة تديم الصيام ، قالت : كنت إذا أفطرت قلت : اللهم اسقني من حوض النبي صلى الله عليه وسلم قالت : فأتاني آت في منامي ، فقال : إذا سألت الله أن يسقيك من حوض النبي صلى الله عليه وسلم فسليه أن يسقيك من حوض عتبة ، فإن له في الجنة حوضا وكانت جارة لعتبة الغلام .

حدثنا سعيد بن محمد ، ثنا أحمد بن إبراهيم ، ثنا خلف بن الفضل ، قال : سمعت أبا القاسم مجاهد بن حاتم البرمكي ، ببلخ يقول : سمعت أبا حاتم الرازي ، يقول : سمعت من علي بن المديني كلمة أعجبتني سمعته يقول : كان أبان بن ثعلب أبا عتبة الغلام .

التالي السابق


الخدمات العلمية