صفحة جزء
20 - عبد الله ذو البجادين

ومنهم الأواه التالي ، المتجرد من المعروض الخالي ، عبد الله ذو البجادين ، [ ص: 122 ] المؤاخي للعمرين ، وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرته ، وسفح عليه من عبرته .

حدثنا سليمان بن أحمد ، ثنا علي بن عبد العزيز ومحمد بن النضر الأزدي ، ثنا ابن الأصبهاني ، ثنا يحيى بن يمان ، عن المنهال بن خليفة ، عن الحجاج بن أرطاة ، عن عطاء ، عن ابن عباس قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبره ليلا وأسرج فيه سراجا ، وأخذه من قبل القبلة ، وكبر عليه أربعا ، وقال : رحمك الله ، إن كنت لأوابا تلاء للقرآن .

حدثنا محمد بن أحمد بن جعفر ، ثنا محمد بن حفص ، ثنا إسحاق بن إبراهيم ، ثنا سعد بن الصلت ، ثنا الأعمش ، عن أبي وائل ، عن عبد الله قال : والله لكأني أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وهو في قبر عبد الله ذي البجادين ، وأبو بكر وعمر -رضي الله تعالى عنهم - يقول : أدليا مني أخاكما ، وأخذه من قبل القبلة حتى أسنده في لحده ، ثم خرج النبي صلى الله عليه وسلم وولاهما العمل ، فلما فرغ من دفنه استقبل القبلة رافعا يديه يقول : اللهم إني أمسيت عنه راضيا فارض عنه . وكان ذلك ليلا ، فوالله لقد رأيتني ولوددت أني مكانه ، ولقد أسلمت قبله بخمسة عشر سنة .

حدثنا حبيب بن الحسن ، ثنا محمد بن يحيى ، ثنا أحمد بن محمد بن أيوب ، ثنا إبراهيم بن سعد ، عن محمد بن إسحاق ، حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي ، أن عبد الله بن مسعود كان يحدث قال : قمت من جوف الليل وأنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك . قال : فرأيت شعلة من نار في ناحية العسكر ، قال : فاتبعتها أنظر إليها ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر ، وإذا عبد الله ذو البجادين المزني قد مات ، فإذا هم قد حفروا له ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرته ، وأبو بكر وعمر يدليانه وهو يقول : أدليا لي أخاكما ، فدلوه إليه ، فلما هيأه لشقه قال : اللهم إني قد أمسيت عنه راضيا فارض عنه . قال : يقول عبد الله بن مسعود : ليتني كنت صاحب الحفرة .

قال أبو نعيم : قد طوينا ذكر كثير من هذه الطبقة من النساك والعارفين [ ص: 123 ] والعباد الذين انقرضوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تكلمهم الدنيا ، منهم من هو مسمى مذكور ، كزيد بن الدثنة المقتول بالرجيع مع أصحابه ، وكالمنذر بن عمرو ، وحرام بن ملحان المقتولين ببئر معونة ، ذكرنا بعض أحوالهم في كتاب المعرفة . وهم لا يحصون كثرة ، عبروا الدنيا راضين عن الله ، مرضيا عنهم ، لم يتدنسوا بما فتح عليهم من زهرة الدنيا افتتانا ، ولحقوا بمولاهم الذي أولاهم السلامة امتنانا ، والناجي من نحا نحوهم واستن بسنتهم استنانا .

التالي السابق


الخدمات العلمية