صفحة جزء
حدثنا أحمد بن إسحاق ، ثنا محمد بن يحيى بن منده ، ثنا محمد بن أبي عثمان الطيالسي ، ثنا عبد الله بن أحمد الخراساني ، قال : " قال سفيان بن عيينة : " كان داود ممن فقه ، ثم علم ، ثم عمل ، وكان يجالس أبا حنيفة ، فحذف يوما إنسانا ، فقال له أبو حنيفة : يا أبا سليمان طالت يدك ، وطال لسانك ، قال : ثم كان يختلف ولا يتكلم ، قال : فلما علم أنه بصير عمد إلى كتبه ففرقها في الفرات ، وأقبل على العبادة ، وتخلى ، وكان زائدة بن -قدامة صديقا له ، قال : فأتاه يوما فقال : يا أبا سليمان ( الم غلبت الروم ) قال : وكان يجيب في هذه الآية فقال له : يا أبا الصلت انقطع الجواب ، ودخل بيته " .

حدثنا أبي ، ثنا عبد الله بن محمد بن يعقوب ، ثنا أبو حاتم محمد بن إدريس ، قال : سمعت أبا سفيان عبد الرحيم بن مطرف الرواسي ، - ابن عم وكيع بن الجراح بالجزيرة - يقول : قال ابن السماك في زهد داود الطائي حين مات : " يا أيها الناس إن أهل الدنيا تعجلوا غموم القلب ، وهموم النفس ، وتعب الأبدان مع شدة الحساب ، فالرغبة متعة لأهلها في الدنيا والآخرة ، والزهادة راحة لأهلها في الدنيا والآخرة ، وإن داود نظر بقلبه إلى ما بين يديه فأعشى بصر قلبه بصر [ ص: 337 ] العيون ، فكأنه لم يبصر ما إليه تنظرون ، وكأنكم لا تبصرون ما إليه ينظر ، فأنتم منه تعجبون ، وهو منكم يتعجب ، فلما نظر إليكم راغبين مغرورين قد ذهبت على الدنيا عقولكم ، وماتت من حبها قلوبكم ، وعشقتها أنفسكم ، وامتدت إليها أبصاركم ، استوحش الزاهد منكم ، فكنت إذا نظرت إليه عرفت أنه من أهل الدنيا وحش ، وذلك أنه كان حيا وسط موتى ، يا داود ما أعجب شأنك وقد يزيد في عجبك أنك من أهل زمانك ألزمت نفسك الصمت حتى قومتها على العدل ، أهنتها وإنما تريد كرامتها ، وأذللتها وإنما تريد إعزازها ، ووضعتها وإنما تريد تشريفها ، وأتعبتها وإنما تريد راحتها ، وأجعتها وإنما تريد شبعها ، وأظمأتها وإنما تريد ريها ، وخشنت الملبس وإنما تريد لينه ، وجشبت المطعم وإنما تريد طيبه ، وأمت نفسك قبل أن تموت ، وقبرتها قبل أن تقبر ، وعذبتها قبل أن تعذب ، وغيبتها عن الناس كي لا تذكر ، ورغبت بنفسك عن الدنيا ، فلم تر لها قدرا ولا خطرا ، ورغبت بنفسك عن الدنيا : عن أزواجها ومطاعمها ، وملابسها ، إلى الآخرة وأزواجها ، ولباسها ، وسندسها ، وحريرها ، وإستبرقها ، فما أظنك إلا قد ظفرت بما طلبت ، وظفرت بما فيه رغبت ، كان سيماك في عملك وسرك ، ولم تكن سيماك في وجهك ولا إظهارك ، فقهت في دينك ، ثم تركت الناس يفتون ويتفقهون ، وسمعت الأحاديث ثم تركت الناس يتحدثون ويروون ، وخرست عن القول ، وتركت الناس ينطقون ، لا تحسد الأخيار ، ولا تعيب الأشرار ، ولا تقبل من السلطان عطية ، ولا من الأمراء هدية ، ولا تدنيك المطامع ، ولا ترغب إلى الناس في الصنائع ، آنس ما تكون إذا كنت بالله خاليا ، وأوحش ما تكون إذا كنت مع الناس جالسا ، فأوحش ما تكون آنس ما يكون الناس ، وآنس ما تكون أوحش ما يكون الناس جاوزت حد المسافرين في أسفارهم ، وجاوزت حد المسجونين في سجونهم ، فأما المسافرون فيحملون من الطعام والحلاوة ما يأكلون ، وأما أنت فإنما هي خبزة أو خبزتان في شهرك ، ترمي بها في دن عندك ، فإذا أفطرت أخذت منها حاجتك فجعلته في مطهرتك ، ثم صببت من الماء ما يكفيك [ ص: 338 ] ثم اصطبغت به ملجأ ، فهذا إدامك وحلواؤك ، وكل نومك ، فمن سمع بمثلك صبر صبرك ، أو عزم عزمك ، وما أظنك إلا قد لحقت بالماضين ، وما أظنك إلا قد فضلت الآخرين ، ولا أحسبك إلا قد أتعبت العابدين ، داود أنت كنت حيا في الآخرين ، وقد لحقت بالأولين ، وأنت في زمن الراغبين ، ولقد أخذت بذروة الزاهدين ، وأما المسجون فيكون مع الناس محبوسا فيأنس بهم ; لأن العدد كثير منهم معه ، وأما أنت فسجنت نفسك في بيتك وحدك ، فلا محدث ولا جليس معك ، فلا أدري : أي الأمرين أشد عليك ؟ الخلوة في بيتك تمر به الشهور والسنون ، أم تركك المطاعم والمشارب لا تأكل منها ولا تريح إلى شيء منها ، لا ستر على بابك ، ولا فراش تحتك ، ولا قلة يبرد فيها ماؤك ، ولا قصعة فيها غداؤك وعشاؤك ، مطهرتك قلتك ، وقصعتك تورك ، وكل أمرك داود عجبا أما كنت تشتهي من الماء بارده ؟ ولا من الطعام طيبه ؟ ولا من اللباس لينه ؟ بلى ولكنك زهدت فيه لما بين يديك مما دعيت إليه ورغبت فيه ، فما أصغر ما بذلت وما أحقر ما تركت وما أيسر ما فعلت في جنب ما أملت أو طلبت أما أنت فقد ظفرت بروح العاجل ، وسعيت إن شاء الله في الآجل ، عزلت الشهوة عنك في حياتك لكيلا يدخلك عجبها ، ولا تلحقك فتنتها ، فلما مت شهرك ربك بموتك ، وألبسك رداء عملك ، فلم تنثر ما عملت في سرك ، فأظهر الله اليوم ذلك ، وأكثر نفعك ، وخشيت الجماعة ، فلو رأيت اليوم كثرة تبعك عرفت أن ربك قد أكرمك وشرفك ، فقل لعشيرتك : اليوم تتكلم بألسنتها ، فقد أوضح اليوم ربك فضلها إن كنت منها ، فلو لم تسترح إلى خير تعمله إلا حسن هذا النشر ، وجميل هذا المشهد لكثرة هذا التبع ، إن ربك لا يضيع مطيعا ، ولا ينسى صنيعا ، يشكر لخلقه ما صنع فيما أنعم عليهم أكثر من شكرهم إياه فسبحانه شاكرا مجازيا مثيبا " .

حدثنا إبراهيم بن عبد الله ، ثنا محمد بن إسحاق الثقفي ، ثنا محمد بن عيسى بن السكن ، ثنا محمد بن الصباح ، قال : قال ابن السماك ، " في جنازة داود الطائي : ما أعجب شأنك وقد يزيد في عجبنا أنك من أهل زمانك قبرت نفسك قبل [ ص: 339 ] أن تقبر ، وأمتها قبل أن تموت ، عمدت إلى خبزة أو خبزتين فألقيتها في دن عندك ، فإذا كان الليل قربت مطهرتك ، وأخرجت فصببت عليها من الماء ، ثم أدمتها ، فهو أدمك ، وهو حلواؤك ، أيبست الطعم وإنما تريد طيبه ، وأخشنت الملبس وإنما تريد لينه ، لم تر ما تركت عظيما ، فآنس ما يكون الناس أوحش ما تكون ، وأوحش ما يكون الناس آنس ما تكون ، تفقهت لنفسك ، وتركت الناس يتفقهون ، وتعلمت لنفسك وتركت الناس يتعلمون ، فمن سمع بمثلك عزم مثل عزمك ؟ وفعل مثل فعلك ، عزلت الشهوة عنك في حياتك كي لا تصيبك فتنتها ، فلما مت شهرك ربك ، وألبسك رداء عملك ، وحشد الجماعة لك ، فلو رأيت اليوم تبعك علمت أنه قد كرمك وشرفك ، ولو أن طيئا تكلمت بألسنتها شرفا بك لحق لها ، إذ كنت منها أبا سليمان " .

حدثنا محمد بن علي بن حبيش ، ثنا أبو شعيب الحراني ، ثنا أحمد بن عمران الأخنسي ، ثنا الوليد بن عتبة ، قال : " سمعت رجلا قال لداود الطائي : يا أبا سليمان ، ألا تسرح لحيتك قال : إني عنها مشغول " .

حدثنا محمد بن حيان ، ثنا محمد بن يحيى بن عيسى ، قال : سمعت إبراهيم بن محمد التيمي ، يقول : سمعت عبد الله بن داود الخريبي ، يقول : " قيل لداود الطائي : لم لا تسرح لحيتك ؟ قال : إني إذا لفارغ " .

حدثنا أبي ، ثنا عبد الله بن محمد بن يعقوب ، ثنا أبو حاتم محمد بن إدريس ، ثنا محمد بن يحيى بن عمر الواسطي ، ثنا محمد بن بشر ، ثنا حفص بن عمر الجعفي ، قال : قيل لداود الطائي : لم لا تسرح لحيتك ؟ قال : الدنيا دار مأتم " .

حدثنا إبراهيم بن عبد الله ، ثنا محمد بن إسحاق ، حدثني أبو بكر بن خلف ، ثنا إسحاق بن منصور ، - ببغداد سنة خمس ومائتين - قال : " لما مات داود الطائي شيع الناس جنازته ، فلما دفن قام ابن السماك ، فقال : يا داود ، كنت تسهر ليلك إذا الناس ينامون ، فقال القوم جميعا : صدقت ، وكنت تربح إذا الناس يخسرون ، فقال الناس جميعا : صدقت ، وكنت تسلم إذا الناس يخوضون ، قال الناس جميعا : صدقت حتى عدد فضائله كلها ، فلما فرغ قام أبو بكر النهشلي ، فحمد الله ثم قال : يا رب إن الناس قد قالوا ما عندهم ، مبلغ ما علموا ، اللهم فاغفر [ ص: 340 ] له برحمتك ، ولا تكله إلى عمله " .

حدثنا أبي ، ثنا عبد الله بن محمد بن يعقوب ، ثنا أبو حاتم محمد بن إدريس ، ثنا محمد بن يحيى الواسطي ، ثنا محمد بن بشر ، ثنا حفص بن عمر الجعفي ، قال : " اشتكى داود الطائي أياما وكان سبب علته أنه مر بآية فيها ذكر النار ، فكررها مرارا في ليلته ، فأصبح مريضا فوجدوه قد مات ورأسه على لبنة ، ففتحوا باب الدار ودخل ناس من إخوانه وجيرانه ، ومعهم ابن السماك ، فلما نظر إلى رأسه قال : يا داود ، فضحت القراء ، فلما حملوه إلى قبره خرج في جنازته خلق كثير ، حتى خرج ذوات الخدور ، فقال ابن السماك : يا داود ، سجنت نفسك قبل أن تسجن ، وحاسبت نفسك قبل أن تحاسب ، فاليوم ترى ثواب ما كنت ترجو ، وله كنت تنصب وتعمل ، فقال أبو بكر بن عياش وهو على شفير القبر : اللهم لا تكل داود إلى عمله ، فأعجب الناس ما قال أبو بكر " .

حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا محمد بن أحمد بن راشد ، ثنا محمد بن حسان الأزرق ، ثنا ابن مهدي ، قال : " بلغني أن داود الطائي لما دفن أخذ الناس يقولون ، فوقف أبو بكر النهشلي على قبره فقال : اللهم لا تكله إلى عمله " .

حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، ثنا محمد بن عمر بن حفص ، ثنا أحمد بن الخليل القومسي ، ثنا يحيى بن يحيى ، قال : سمعت أبا العباس بن السماك ، يقول : " دخلت على داود الطائي يوم مات وهو في بيت على التراب ، وتحت رأسه لبنة ، فبكيت لما رأيت من حاله ، ثم ذكرت ما أعد الله تعالى لأوليائه فقلت : داود سجنت نفسك قبل أن تسجن ، وعذبت نفسك قبل أن تعذب ، فاليوم ترى ثواب ما كنت له تعمل " .

حدثنا أبي ، ثنا أحمد بن محمد بن عمر ، ثنا عبد الله بن محمد بن عبيدة ، قال : سمعت أبا جعفر الكندي في جنازة بشر بن الحارث يقول : " دخل ابن السماك على داود الطائي حين مات وهو في بيت على التراب فقال : داود سجنت نفسك قبل أن تسجن ، وعذبت نفسك قبل أن تعذب ، فاليوم ترى ثواب ما كنت له تعمل " .

حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا أحمد بن الحسين الحذاء ، ثنا أحمد بن إبراهيم [ ص: 341 ] الدورقي ، حدثني محمد بن عيسى الرابشي ، قال : " رأيت الناس يأتون ههنا ثلاث ليال مخافة أن تفوتهم جنازة داود ، ورأيت الناس كلهم يبكون عليه ، ما شبهته إلا يوم الخروج " .

حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا أحمد بن الحسين ، ثنا أحمد بن إبراهيم ، حدثني أبو داود الطيالسي ، قال : " شهدت جنازة داود الطائي ، وحضرته عند الموت ، فما رأيت أشد نزعا منه ، أتيناه من العشي ونحن نسمع نزعه قبل أن ندخل ، ثم غدونا عليه وهو في النزع فلم نبرح حتى مات " .

حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا أحمد بن الحسين ، ثنا أحمد بن إبراهيم ، ثنا الحسن بن بشر ، قال : " حضرت جنازة داود ، كان ينعى ساعة بعد ساعة ، ثم نكذب ، فحمل على سريرين أو ثلاثة - تكسر من زحام الناس عليه - فيغير السرير ، وصلي عليه كذا وكذا مرة ، ولقد رأيته يوضع على القبر ، فيجيء قوم فيحملونه فيذهبون به ، ثم يعيدونه إلى موضع قبره " .

حدثنا أحمد بن إسحاق ، ثنا محمد بن يحيى ، ثنا محمد بن الوليد الأموي ، ثنا أبو داود الطيالسي ، قال : " حضرت بالكوفة موت داود الطائي ، فما رأيت أحدا أشد موتا منه في سكتة ، أسمع خواره كأنه خوار ثور " .

حدثنا إبراهيم بن أحمد بن أبي حصين ، ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ، ثنا سيف بن هناس ، قال : سمعت يونس بن عروة ، يقول : " زحموني في جنازة داود الطائي حتى قطعوا نعلي فذهبت ، وسلوا ردائي عن منكبي فذهب " .

حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، ثنا أبو الحريش أحمد بن عيسى الكلابي ، ثنا عبد الله بن أحمد بن شبويه ، قال : سمعت أبي ، يقول : سمعت حفص بن حميد ، يقول : " سألت داود الطائي ، عن مسألة فقال داود : أليس المحارب إذا أراد أن يلقى الحرب ، أليس يجمع له آلته ؟ فإذا أفنى عمره في جمع الآلة فمتى يحارب ؟ إن العلم آلة العمل ، فإذا أفنى عمره فيه ، فمتى يعمل ؟ " .

حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا عبد الله بن العباس ، ثنا أبو بكر الأشناني ، ثنا عباس بن حمزة ، ثنا أحمد بن أبي الحواري ، حدثني بعض أصحابنا قال : " إنما كان سبب عزلة داود الطائي أنه كان يجالس أبا حنيفة فقال له أبو حنيفة : [ ص: 342 ] يا أبا سليمان ، أما الأداة فقد أحكمناها ، فقال داود : فأي شيء بقي ؟ قال : بقي العمل به ، قال : فنازعتني نفسي إلى العزلة والوحدة ، فقلت لها : حتى تجلسي معهم فلا تجيبي في مسألة ، قال : فكان يجالسهم سنة قبل أن يعتزل ، قال : فكانت المسألة تجيء وأنا أشد شهوة للجواب فيها من العطشان إلى الماء ، فلا أجيب فيها ، قال : فاعتزلتهم بعد " .

حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، ثنا عبد الله بن محمد بن العباس ، ثنا سلمة بن شبيب ، ثنا سهل بن عاصم ، ثنا عثمان بن زفر ، حدثني سعيد ، قال : " كان داود شديد الانقباض يعالج نفسه بالصمت ، وكان قبل ذلك كثير الكلام ، وكانت معالجته نفسه في ترك الكلام ، فأخرجته تلك المعالجة إلى التفكر ، فبالتفكر ملك نفسه ، ولقد جئته يوما في وقت الصلاة ، فانتظرته حتى خرج ، فمشيت معه والمسجد منه قريب ، فسلك به غير طريقه ، فقلت : أين تريد ؟ فسلك بي سككا خالية حتى خرج على المسجد ، فقلت : الطريق ثمة أقرب عليك ، فقال : يا سعيد ، فر من الناس فرارك من السبع ، إنه ما خالط الناس أحد إلا نسي العهد " .

حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا عبد الرحمن بن محمد بن يزيد ، عن لوين ، قال : " أراد داود الطائي أن يجرب نفسه : هل تقوى على العزلة ، فقعد في مجلس أبي حنيفة سنة ، فلم يتكلم ، فاعتزل الناس " .

حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا محمد بن أحمد بن معدان ، ثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري ، ثنا أبو أسامة ، قال : " جئت أنا وابن عيينة داود الطائي ، فقال : جئتماني مرة فلا تعودا إلي " .

حدثنا إبراهيم بن عبد الله ، ثنا محمد بن إسحاق ، ثنا محمد بن زكريا ، عن الربيع الأعرج ، قال : " أتيت داود الطائي ، وكان داود لا يخرج من منزله حتى يقول المؤذن : قامت الصلاة ، فيخرج فيصلي ، فإذا سلم الإمام أخذ نعله ودخل منزله ، فلما طال ذلك علي أدركته يوما فقلت له : يا أبا سليمان على رسلك ، فوقف لي ، فقلت : يا أبا سليمان ، أوصني قال : اتق الله ، وإن كان لك والدان فبرهما ثلاث [ ص: 343 ] مرات ، ثم قال في الرابعة : ويحك صم الدنيا ، واجعل الفطر موتك ، واجتنب الناس غير تارك لجماعتهم " .

حدثنا محمد بن أحمد بن أبان ، حدثني أبي ، ثنا أبو بكر بن عبيد ، حدثني الفضيل بن عبد الوهاب ، قال : حدثتني أختي ، - وكانت أكبر من محمد - حدثني محمد بن الحسن ، قالت : " أتيت داود الطائي ، لأسلم عليه ، فأذن لي ، فقعدت على باب الحجرة فقلت : أنت وحدك ههنا رحمك الله ؟ قال : رحمك الله وهل الأنس اليوم إلا في الوحدة والانفراد ؟ ما يتجمل لك ، أو متجمل له ففي أي ذلك خير ؟ " .

حدثنا إبراهيم بن عبد الله ، ثنا محمد بن إسحاق ، ثنا عبد الله بن محمد ، ثنا محمد بن عبد المجيد التميمي ، ثنا عبد الله بن إدريس ، قال : " قلت لداود الطائي : أوصني ، قال : أقلل معرفة الناس ، قلت : زدني ، قال : ارض باليسير من الدنيا ، مع سلامة الدين ، كما رضي أهل الدنيا بالدنيا مع فساد الدين ، قلت : زدني قال : اجعل الدنيا كيوم صمته ، ثم أفطر على الموت " .

حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن محمد ، ثنا أبو الحسن بن أبان ، ثنا محمد بن الليث ، ثنا سفيان بن وكيع ، قال : سمعت أبا يحيى أحمد بن ضرار العجلي ، يقول : " أتيت داود الطائي ، وهو في دار واسعة خربة ليس فيها إلا بيت ، وليس على بيته باب ، فقال له بعض القوم : أنت في دار وحشة ، فلو اتخذت لبيتك هذا بابا ؟ أما تستوحش ؟ فقال : حالت وحشة القبر بيني وبين وحشة الدنيا " .

التالي السابق


الخدمات العلمية