صفحة جزء
حدثنا أبي ، وأبو محمد بن حيان ، ومحمد بن عبد الرحمن ، قالوا : ثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن ، ثنا عصام بن رواد ، قال : سمعت عيسى بن حازم ، يقول : " بينا إبراهيم بن أدهم يحصد حقل زرع أخذه جزافا ، إذ وقف عليه رجلان معهما ثقل ووطا مع كل واحد منهما نفقة ، فسلما عليه فقالا له : أنت إبراهيم ؟ قال : نعم ، قالا : إنا مملوكان لأبيك ، ومعنا مال ووطا ، فقال : ما أدري ما تقولان إن كنتما صادقين فأنتما حران ، وما معكما لكما ، لا تشغلاني عن عملي " .

حدثنا أبي ، وأبو محمد بن حيان ، ومحمد ، قالوا : إبراهيم بن محمد ، ثنا عصام بن رواد ، ثنا عيسى بن حازم ، قال : " كان لإبراهيم أخ له من عسقلان يقال له أزهر ، فسأل عنه فأخبر عنه أنه مريض في حصين على الساحل ، فأخذ أزهر كساء صوف فوضعه على رقبته ، ثم لزم الساحل حتى أتاه ، فوجده مريضا وإذا هو على بارية ليس تحته شيء ، فقال له : يا أبا إسحاق ، أحب أن تأخذ هذا الكساء فتضع نصفه تحتك ، ونصفه فوقك ، قال : قال : ما يخف علي ، قال : لو فعلت سررتني ، فقد غمني ، قال : وقد غمك ؟ قال : نعم ، قال : ضعه ، فوضعته ومضيت مخافة أن [ ص: 384 ] يبدو له ، قال أزهر : فجاء بعد أيام فرفع ردائي ودس تحته شيئا ومضى ، فأرفع ردائي فإذا عمامة قطن جديدة قد لفها على نعل جديدة ، فمضيت حتى لحقته خارجا من المدينة ، فقال : هكذا أدركت الناس يأخذون ويعطون ، انصرف بما معك ، فانصرفت " .

حدثنا محمد بن جعفر بن يوسف ، ثنا عبد الله بن محمد بن يعقوب ، ح وحدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا عيسى بن محمد الرازي ، قالا : أخبرنا أبو حاتم ، ثنا أحمد بن أبي الحواري ، حدثني أخي محمد ، قال : " دخل داود الرملة على برذون بلا سرج ، فقيل له : أين سرجك ؟ قال : ذهب به سخاء إبراهيم بن أدهم ، قال أحمد : وكان أهدي له طبق تين وعنب ، فأخذ السرج ووضعه على الطبق ، ومرة أخرى أهدي له سلة فنزع فروه فوضعه على الطبق " .

حدثنا عبد الله بن محمد ، ومحمد بن عبد الرحمن ، قالا : ثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن ، ثنا محمد بن خلف العسقلاني ، قال : سمعت رواد بن الجراح ، يقول : " خرجت مع إبراهيم بن أدهم للغزو ، ففقدت سرجي فقلت : أين سرجي ؟ فقالوا : إن إبراهيم بن أدهم أتي بهدية ، فلم يجد ما يكافئ ، فأخذ سرجه فأعطاه قال : فرأيت روادا سر به " .

قال : " ورأيت في المنام كأني وإبراهيم بن أدهم اجتمعنا في لحاف ، فغمني ذلك ، قال : فلما كان بعد أتاني رجل فقال : إبراهيم يقرئك السلام ، ويقول : هذا الإزار البسه ، فأخذته وذكرت رؤياي " .

حدثنا عبد الله بن محمد ، ومحمد بن عبد الرحمن ، قالا : ثنا إبراهيم بن محمد ، ثنا محمد بن إسحاق ، ثنا أحمد بن أبي الحواري ، قال : قلت لمروان - وكان مضاء - حدثني قال : " ما فاق إبراهيم بن أدهم إلا بالصدق والسخاء ، قال مروان : كان إبراهيم سخيا جدا " .

حدثنا أبو بكر محمد بن جعفر بن يوسف ، ثنا عبد الله بن محمد بن يعقوب ، ثنا أبو حامد ، ثنا أحمد بن أبي الحواري ، قال : سمعت أبا الوليد - صاحب إبراهيم بن أدهم أو غيره - قال : " كان إبراهيم بن أدهم إذا بقي من الدقيق في الغرارة قليل تركه لهم ، ويعمل في القطاير - يعني الرهص - ولا أعلم إلا أني سمعت أبا [ ص: 385 ] الوليد يقول : قال رفقاء إبراهيم : تعالوا نأكل كل خبز في الجونة ، حتى إذا جاء لم يجد شيئا عجل ليلة أخرى - يعني يرجع قبل أن يفنى الخبز - وكان يبطئ بعد العشاء الآخرة ، قال : فأكلوا كل شيء في الجونة وأطفئوا السراج ورقدوا ، قال : فجاء إبراهيم فنظر في الجونة ، فلم يجد فيها خبزا ، فقال : إنا لله رقدوا بلا عشاء ، قال : فقدح وأسرج ، فعجن وخبز لهم سلة ، قال : ثم نبههم فقال : اجلسوا ، اجلسوا ، ما كنتم تعملون لكم عشاء قبل أن ترقدوا ؟ قال : فنظر بعضهم إلى بعض ، فقال : انظروا أي شيء أردنا به ، وأي شيء عمل هو ؟ " .

حدثنا محمد بن جعفر ، ثنا عبد الله بن محمد ، ثنا أبو حاتم ، ثنا أحمد بن أبي الحواري ، قال : سمعت أبا الوليد ، يقول : " ربما جلس إبراهيم بن أدهم من أول النهار إلى آخره يكسر الصنوبر فيطعمنا ، قال : وكان إبراهيم ، وصاحب له يطحنان ، وكان في العود الذي يطحن به عقدة ، فوضع يده على العقدة ، وترك الموضع الأملس لصاحبه ، قال : ومد رجله حين طحن ، قال : فما قبضها حتى فرغ من الطحن " .

أخبرت عن عبد الله بن أحمد بن سوادة ، ثنا أبو سعيد البكاء أحمد بن محمد ، حدثني جامع بن أعين الفراء ، قال : " وجهني أخي إلى إبراهيم بن أدهم ، وهو يرعى الخيل في الملون ، وملأ جرابا من السويق ، والتمر ، وأعطاني لحما مشويا ، فقال : أعطه إبراهيم بن أدهم وأقرئه مني السلام ، قال : فجئته بعد العصر فإذا هو في الغابة ، فنظرت إلى فرسنا وقعدت حتى خرج إبراهيم عند اصفرار الشمس ، وعليه عباءة على كتفيه ، وجبة صوف وهو يسبح ، فقالوا : قد أقبل إبراهيم ، وقد رمضوا له كفا من شعير وعجوة ، وهيئوا له منها ثلاثة أقراص ، فقمت فسلمت عليه ، وأقرأته سلام أخي ، فقال لهم : أروه فرس أخيه يفرح ، فقلت : قد رأيته ووضعت الجراب بين يديه ، وقلت : هدية أخي لك ، فقال لأصحابه : متى جاء هذا ؟ قالوا : بعد العصر ، قال : فهلا أكلتموه ثم قال : ابسطوا العباءة ، ونفض الجراب عليها ثم جعل يقول : ادعوا فلانا ، ادعوا فلانا ، ثم قال لهم : كلوا ، وهو قائم يقول لهم : كلوا ، فقلت لأصحابه : إن أخي إنما بعث بهذا إلى إبراهيم ليأكل منه ، ولم تتركوا له شيئا فقالوا : إن إبراهيم [ ص: 386 ] ليس يأكل إلا ثلاثة أقراص من شعير بملح جريش ، ثم صلى بنا العتمة ، ثم ما زال راكعا وساجدا ومتفكرا حتى الصبح ، ثم صلى بنا الصبح على وضوء العتمة " .

حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا أحمد بن الحسين ، ثنا أحمد بن إبراهيم ، حدثني خلف بن تميم ، حدثني رفيق لإبراهيم ، قال : " غزا إبراهيم في البحر ، فأتي بثلاثة دنانير سهمه ، فقال للرسول : ضعها على هذا الحصير ، فوضعها ثم قال لي : خذ هذه الدنانير فاذهب بها إلى أبي محمد الخياط ، فقل له : إني سمعتك تذكر أن عليك دينا ، فاقض بها دينك ، قال : فأتيته بها ، فقلت : إن إبراهيم أرسلني بها إليك لتقضي بها دينك ، فقال : ردها إليه ، فإني قد رحمته من القمل الذي قد أكله في ثيابه ، آخذ دنانير ليست تبقى علي ؟ قال : فجئت بها فقلت : إنه أبى أن يقبلها ، قال : ضعها على الحصير ، فقال شيخ من رفقاء إبراهيم : فأنا يا أبا إسحاق لي عيال - أو قال : أحتاج إليها ، قال : دونكها هناك ، قال : فأخذها الشيخ " .

حدثنا أبي ، وأبو محمد بن حيان ، قالا : ثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن ، ثنا محمد بن يزيد ، ثنا أشعث بن شعبة ، قال : سمعت الفزاري يقول : " شيعت إبراهيم بن أدهم ، وهو متوجه إلى مرعش ، فعرضت عليه نفقة كانت معي ، فقال : ما كنت أحسبك تفعل بي هذا ، ولو فعل هذا غيرك كان ينبغي لك أن تنهاني عنه ، ثم خلع جبة فراء كانت عليه ، وخلع قميصا كان على جلده ، فلبس الجبة ، وناولني القميص ، وقال : بلغ هذا فلانا ، فإنه كان أولانا معروفا " .

حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، ومحمد بن عبد الرحمن ، قالا : ثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن ، ثنا محمد بن يزيد ، ثنا عبيد بن جناد ، عن عطاء بن مسلم ، قال : سمعت رجلا صحب إبراهيم ، يقول : " خرجنا إلى الجبل فاكترانا قوم يقطعون الخشب ، يهيئون منه القصاع والأقداح ، قال : فحملنا المتاع حتى جئنا سوق سلمية ، فنزل إبراهيم قرية ، وحملت المتاع فبعته بثلاثين دينارا ، فبينا هي في كمي إذ ذهبت ، فلقيني خصي لأسماء امرأة عبيد الله بن صالح فعرفني وقال : ما تصنع ههنا ؟ فأخبرته ، قال : فذهب فجاء بمائتي دينار ، فقال : أين إبراهيم ؟ [ ص: 387 ] قال فقلت : في القرية ، قال : انطلق ، فأتيناه فإذا رأسه في الظل ، ورجلاه في الشمس فقلت : الدنانير ضاعت ، فقال : الحمد لله الذي عافانا منها ، فقال الخصي : هذه مائتا دينار بعثت بها أسماء إليك ، فزجره ورفع رأسه وقال : والله إن لله علي نعمة في ذهابها " .

حدثنا محمد بن جعفر ، ثنا عبد الله بن محمد بن يعقوب ، ثنا أبو حاتم ، ثنا أحمد بن أبي الحواري ، قال : سمعت أبا الوليد ، يقول : " غزوت أنا وإبراهيم ، ومعي فرسان وهو على رجليه ، قال : فأردته أن يركب ، فأبى ، فحلفت ، قال : فركب حتى جلس على السرج ، قال : قد أبررت يمينك ، ثم نزل ، قال : فسرنا في تلك السرية ستا وثلاثين ميلا وهو على رجليه ، فلما نزلنا أتى البحر فأنقع رجليه ، ثم أتى فاستلقى ورفع رجليه على الحائط ، فهذا أشد شيء رأيته صنع " .

حدثنا محمد بن جعفر ، ثنا عبد الله بن محمد ، ثنا أبو حاتم ، ثنا أحمد بن أبي الحواري ، حدثني بعض أصحابنا قال : " أصاب إبراهيم بن أدهم ، وأصحابه ثلج بأرض الروم ، فدخل أصحابه في الخباء ، وبقي هو برا ، فأرادوه أن يدخل فأبى ، قال : فأدخل رأسه في فروة كانت عليه ، فكلما كثر الثلج نفضه ، قال : فلما أصبحوا وطلعت الشمس خرج الذين كانوا في الخباء ، فقالوا : يا أبا إسحاق ، أي ليلة مرت بنا ؟ نسأل الله أن لا يبتلينا بليلة أخرى مثلها ، قال إبراهيم : وكيف لنا بليلة أخرى مثلها ؟ " .

أخبرت عن أبي طالب بن سوادة ، ثنا يزيد بن محمد بن يزيد ، حدثني أحمد بن ميسرة ، حدثني من أثق به من إخوان أبي قتادة الحراني ، حدثني أبو قتادة ، قال : " قدم علي إبراهيم بن أدهم ، وأبو عثمان المرجي - مرج حماد - ويوسف بن أسباط ، وحذيفة المرعشي ، فأقاموا عندي أياما ، فقالوا لي : اطلب لنا قراحة نحصدها ، فأتيت دهقانا فتقبلت لهم منه قراحا خمسين جريبا بخمسين درهما ، ثم قعدت عنهم حتى غابت الشمس ، فأردت أن أبيت عندهم ، فمنعوني ، فرجعت وخلفتهم عند القراح ، فغدوت إليهم من الغد فإذا القراح قد حصد ، وما منها سنبلة قائمة ، فجاء الدهقان فقال : جودتم جزاكم الله خيرا ، تقبلون قراحا آخر ؟ [ ص: 388 ] قالوا : لا ، فدفعوا إلي أربعين درهما ، وأخذوا عشرة ، والله أعلم إن كانوا حصدوا بأيديهم سنبلة " .

أخبرت عن أبي طالب ، ثنا عبد الله بن محمد بن بكر ، ثنا الحسن بن محمد ، عن سالم الخواص ، قال : " مررت على رصيف أنطاكية في يوم مطير ، فبصرت بإنسان نائم ، فلما قربت منه كشف رأسه ، فإذا هو إبراهيم بن أدهم في عباءة ، فقال لي : يا أبا محمد طلب الملوك شيئا ففاتهم ، وطلبناه فوجدناه ما يحوز حمى كسائي هذا " .

حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، ثنا أحمد بن الحسين ، ثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي ، حدثني خلف بن تميم ، قال : سمعت إبراهيم بن أدهم ، يقول : " يجيئني الرجل بالدنانير فيقول : خذها ، فأقول : ما لي فيها حاجة ، ويجيئني بالفرس قد ألجمه ، وأسرجه فيقول : قد حملتك عليها ، فأقول : ما لي فيها حاجة ، ويجيئني الرجل وأنا أعلم لعله قرشي ، أو عربي فيقول : هات أعينك ، فلما رأى القوم أني لا أنافسهم في دنياهم أقبلوا ينظرون إلي كأني دابة من الأرض أو كأني آية عندهم ولو قبلت منهم لأبغضوني ، ولقد أدركت أقواما ما كانوا يحمدون على ترك هذه الفضول ، فصار عند أهل ذا الزمان من ترك شيئا من الدنيا فكأنما ترك شيئا " .

حدثنا عبد الله بن محمد ، ثنا أحمد بن الحسين ، ثنا أحمد بن إبراهيم ، حدثني أبو أحمد المروزي ، حدثني علي بن بكار ، قال : " غزا معنا إبراهيم بن أدهم غزاتين ، كل واحدة أشد من الأخرى ، غزاة عباس الأنطاكي ، وغزاة محكاف ، فلم يأخذ سهما ، ولا نفلا ، وكان لا يأكل من متاع الروم ، نجيء بالطرائف ، والعسل ، والدجاج فلا يأكل منه ، ويقول : هو حلال ، ولكني أزهد فيه ، كان يأكل مما حمل معه ، وكان يصوم ، قال : وغزا على برذون ثمنه دينار ، وكان له حمار فعارض به ذلك البرذون ، وكان لو أعطيته فرسا من ذهب أو من فضة ما كان قبله ، ولا يقبل شربة من ماء ، وغزا في البحر غزاتين لم يأخذ سهمه ولا يفترض ، قال علي : هذا الغازي ، قال علي : ومات إبراهيم في صائفة السفر بالبطن " .

حدثنا عبد الله بن محمد ، ثنا أحمد بن الحسين ، ثنا أحمد بن إبراهيم ، ثنا حسن [ ص: 389 ] بن الربيع ، ثنا أشعث بن شعبة ، قال : " غزونا غزوة ومعنا إبراهيم بن أدهم ، فأصابتنا مخمصة في أنفسنا ، وفي دوابنا ، فسمع أهل المصيصة بذلك ، فبعثوا بالبغال عليها الزاد إلى الدرب ، فسمعت إبراهيم يقول : أي متكلف أخبر الناس بهذا ؟ قال أشعث : كأنه يشتهي أن نكون على حالنا حتى ندخل ، فلما دخل مضى كما هو ، فلم ينزل المصيصة ، فقال لي أبو إسحاق الفزاري : اطلب إبراهيم ، فطلبته ، فإذا هو قد مر فقال لي : الحقه ، وأعطاني نفقة - فلحقته بأنطاكية - فقال لي حين رآني : قد جئت ؟ قلت : نعم ، أبو إسحاق بعثني فأعطيته النفقة فقبلها ، فلما أردت الرجوع أعطاني إزارا وقال لي : اذهب بهذا إلى أبي إسحاق ، قلت : ما منعك أن تنزل بالمصيصة ؟ فقال : على من أنزل ؟ فذكر أهل المصيصة حتى ذكر شريكا ، فقال : لو قسمت خمسة دراهم في السبيل جاء شريك ينافس فيها " .

أخبرنا جعفر بن محمد بن نصير في كتابه ، وحدثني عنه محمد بن إبراهيم ، ثنا أحمد بن نصير ، ثنا إبراهيم بن بشار ، قال : سمعت إبراهيم بن أدهم ، يقول : " ذهب السخاء ، والكرم ، والجود ، والمواساة ، فمن لم يواس الناس بماله وطعامه وشرابه ، فليواسهم ببسط الوجه والخلق الحسن ، لا تكونون في كثرة أموالكم تتكبرون على فقرائكم ، ولا تميلون إلى ضعفائكم ، ولا تنبسطون إلى مساكينكم " .

قال : وسمعت إبراهيم ، يقول : " قال لقمان لابنه : ثلاثة لا يعرفون إلا في ثلاثة مواطن ، لا يعرف الحليم إلا عند الغضب ، ولا الشجاع إلا في الحرب إذا لقي الأقران ، ولا أخاك إلا عند حاجتك إليه " .

حدثنا عبد الله بن محمد ، ثنا عيسى بن محمد الرازي ، ثنا واقد بن موسى المصيصي ، ثنا أبو عثمان الصياد ، قال : " دعا رجل إبراهيم بن أدهم ، وكان فيهم ابن المبارك ، ومخلد بن الحسين ، قال : فأخذ إبراهيم ينقر الطعام ، ثم انصرفوا ، قال : فجاء صاحب الطعام إلى منزل إبراهيم بن أدهم فوجده قاعدا قد ثرد ثريدة وهو يأكل ، فقال له : يا أبا إسحاق ، كنت تنقر ؟ قال : وأنت إذ هيأت طعاما فأكثروا قلل الأيدي " .

حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا أحمد بن الحسين ، ثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي ، ثنا أبو أحمد المروزي ، ثنا علي بن بكار ، قال : " دعانا إبراهيم : أنا ومخلدا [ ص: 390 ] - وذكر عدة - فقال : من فقهه أراه قال : كره أن يدعونا بالنهار أو بعد العشاء ، فدعانا بعد العتمة لئلا نشتغل عن صلاتنا ، فقدم إلينا قصعتين فيهما لحم سمين ، وهو وأصحابه قيام على رءوسنا يسقوننا الماء ، ثم قدم إلينا بطيخا ، قال علي : وكان ذاك في دار بكر بن خنيس ، فأنا أسر بذاك مني بالدنيا ، وإني لأرجو أن يدخلني الله تعالى الجنة بذلك الطعام " .

حدثنا أبو محمد ، ثنا أحمد ، ثنا خلف بن تميم ، أخبرني شبيب بن أبي واقد ، قال : " بعث إبراهيم بن أدهم إلى أبي إسحاق الفزاري من أذنة : أن زرنا ، واحمل معك سفرة " .

حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، ثنا أحمد بن الحسين ، ثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي ، حدثني خلف بن تميم ، قال : " كنت آتي إبراهيم بن أدهم ، فأسلم وأجلس ، فلا يكلمنا ، فمللت ذات يوم فقلت لأبي إسحاق الفزاري : يا أبا إسحاق ، نأتي هذا الرجل - إبراهيم بن أدهم - فلا يكلمنا ، وقد بلغني أنك تخالله ، فأوصه أن ينبسط إلي ويكلمني ، فقال لي أبو إسحاق : وإنك لتأتيه ؟ فقلت : نعم ، فقال : إني أنا ومخلد نأتيه فنتعلم من آدابه وأخلاقه ، فأته ، فأتيت إبراهيم بن أدهم ، فقلت : إني أود أن تفطر عندي أنت ، وأبو إسحاق الفزاري الليلة ، فلما ذكرت أبا إسحاق أنس بي ، وقال : نعم ، فانطلقت إلى أبي إسحاق ، فقلت : إني قد طلبت إلى إبراهيم بن أدهم أن يأتيني الليلة فيفطر عندي وأنت معه ، فأحب إذا صليت المغرب أن تأخذ بيده فتجيء به إلى المنزل ، فقال : نعم ، فانطلقت فدعوت إخوانا لي نحوا من عشرة ، فيهم شعيب بن واقد ، فجاء إبراهيم ، وأبو إسحاق الفزاري ، ووضعت بين أيديهم جفنة فيها ثريد ، وعراق ، فأقبل إبراهيم يعذر كأنه يأكل ، فساءني ذلك منه ، فلما رفعت الجفنة قلت : يا غلام هات ذلك الطبق فيه زبيب ، وتين ، وقسب ، فوضعته ما زدت عليه ، فأكلوا فمضوا من عندي ، فأخبرني شعيب بن واقد فقال : ألا أعجبك أن إبراهيم بن أدهم لما أتى رفقاءه في دار بكر بن خنيس وجدهم قد تعشوا وفضل في الجفنة ثفل من خل وزيت ، فأقبل فبرك على ركبتيه ، ثم أخذ الجفنة فرفعها فجعل يكرع [ ص: 391 ] ما فيها ، فقلت : أخبرني عنك ، دعاك الرجل إلى ثريد ولحم ، فأقبلت تعذر ، ثم جئت الآن تأكل هذا الخل والزيت ؟ قال خلف بن تميم : فلما انبسطت إليه بعد أيام وأنست به قلت : ألا تخبرني عنك ؟ قد حدثني شعيب بن واقد أنك انطلقت من عندي تلك الليلة وقد أتيت رفقاءك وقد تعشوا ، فأخذت الجفنة وفيها خل وزيت وثفل الثريد فكرعت فيها وأنت لم تأكل عندي كثيرا ؟ فقال لي : وأنت فأخبرني عنك حين رأيتك جمعت ما جمعت عندك من الرجال ، ألا اشتريت لحما بدرهمين ؟ قال : فإذا هو إنما ينقي عن القوم ، واللحم يومئذ خمسة عشر رطلا أو عشرون رطلا بدرهم ، قال خلف : فأخبرت بهذا الحديث أبا الأحوص ، وعمار بن سيف الضبي ، ثم قدر أن دعوتهما إلى منزلي ، فأتوا بلحم وثريد فأكلوا ، ثم أتوا بأرزة في قصعة روحاء واسعة فيها السمن والسكر ، فلما رآها أبو الأحوص قال : هذا أدب إبراهيم بن أدهم " .

حدثنا عبد الله ، ثنا أحمد ، ثنا الدورقي ، حدثني عبيد بن الوليد الدمشقي ، قال : سمعت سهلا يعني ابن هاشم - يذكر عن إبراهيم بن أدهم أن عمر بن الخطاب ، قال : " لؤم بالرجل أن يرفع يده من الطعام قبل أصحابه " .

حدثنا عبد الله ، ثنا أحمد ، ثنا الدورقي ، ثنا هارون بن معروف ، ثنا ضمرة ، قال : " صنع إبراهيم بن أدهم ، طعاما بصور ودعا إخوانه ، قال : ودعا رجلا يقال له خلاد الصيقل ، قال : فأكل ثم قال : الحمد لله ، ثم قام ، فقال إبراهيم بن أدهم بعد أن قام : لقد أساء في خصلتين ، لقد قام بغير إذن ، ولقد حشم أصحابه " .

حدثنا أبي ، ثنا أحمد بن محمد بن عمر ، ثنا الحسين بن عبد الله بن شاكر ، ثنا أحمد بن أبي الحواري ، قال : سمعت مضاء بن عيسى ، يقول : " ما فاق إبراهيم بن أدهم أصحابه بصوم ولا صلاة ، ولكن بالصدق والسخاء " .

حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا أحمد بن الحسين ، ثنا أحمد بن إبراهيم ، ثنا الوليد بن أبان ، قال : قال إبراهيم بن قديد : " بينا أنا جالس عند إبراهيم بن أدهم ، في البيت إذ دخل عليه رجل فقال : أستودعك الله يا إبراهيم ، فقال له : أين تريد ؟ فقال : أريد ساحل كذا وكذا ، قال : خذ جراب ابن قديد فاجعل فيه زادك [ ص: 392 ] قال إبراهيم : ابن قديد : فقلت له : يا أبا إسحاق ، هذا جراب رفيقي ، قال : فأنت تريد تصحب من لا يكون بشيئه أولى منه ؟ " .

قال ابن قديد : " وكنت عنده يوما جالسا في البيت ، فأهديت إليه فاكهة ، ونحن جماعة في البيت ، فقال : يا ابن قديد ، دعه لا آكل لا أنا ، ولا أنت منه شيئا ، ويأكله أصحابنا ، قال : فأكله أصحابنا ولم نذقه " .

حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا أحمد بن الحسين ، ثنا أحمد بن إبراهيم ، حدثني يحيى بن عثمان ، أخبرني أبو يحيى - رفيق إبراهيم بن أدهم - قال : " سألت إبراهيم بن أدهم - ونزلنا منزلا - فسألته عن سقف البيت ، ما هو ؟ بحجارة أم خشب ؟ فقال : ما أدري وسألته عن الجارية التي كانت تخدمنا : سوداء هي أم بيضاء ؟ قال : لا أدري " .

وأخبرت عن عبد الله بن أحمد بن سوادة ، ثنا نصر بن منصور المصيصي أبو محمد ، قال : " ورد إبراهيم المصيصة ، فأتى منزل أبي إسحاق الفزاري ، فطلبه ، فقيل له وهو خارج ، فقال : أعلموه إذا أتى أن أخاه إبراهيم طلبه ، وقد ذهب إلى مرج كذا وكذا يرعى فرسه ، فمضى إلى ذلك المرج ، فإذا الناس يرعون دوابهم ، فرعى حتى أمسى ، فقالوا له : ضم فرسك إلى دوابنا ، فإن السباع تأتينا ، فأبى ، وتنحى ناحية ، فأوقدوا النيران حولهم ، ثم أخذوا فرسا لهم صئولا ، فأتوه به وفيه شكالان يقودونه بينهم ، فقالوا له : إن في دوابنا رماكا ، أو حجورا ، فليكن هذا عندك ، قال : وما يصنع بهذه الحبال ؟ فمسح وجهه وأدخل يده بين فخذه ، فوقف لا يتحرك ، فتعجبوا من ذلك لامتناعه ، فقال لهم : اذهبوا ، فجلسوا يرمقون ما يكون منه ومن السباع ، فقام إبراهيم يصلي وهم ينظرون ، فلما كان في بعض الليل أتته أسد ثلاثة يتلو بعضها بعضا ، فتقدم الأول إليه فشمه ودار به ثم تنحى ناحية فربض ، وفعل الثاني والثالث كفعل الأول ، ولم يزلإبراهيم يصلي ليلته قائما ، حتى إذا كان السحر قال للأسد : ما جاء بكم ؟ تريدون أن تأكلوني ؟ امضوا فقامت الأسد فذهبت ، فلما كان الغد جاء الفزاري إلى أولئك ، فسألهم فقال : أجاءكم رجل ؟ قالوا : أتانا رجل مجنون ، وأخبروه بقصته ، وأروه ، فقال : أوتدرون من هو ؟ قالوا : لا ، قال : هو إبراهيم بن أدهم ، فمضوا معه إليه فسلم وسلموا عليه ، ثم انصرف [ ص: 393 ] به الفزاري إلى منزله ، فمرا برجل قد كان إبراهيم بن أدهم سأله مقودا يبيعه ، ساومه به درهما ودانقين ، فقال إبراهيم للفزاري : تريد هذا المقود ؟ فقال الفزاري لصاحب المقود : بكم هذا ؟ قال : بأربعة دوانيق ، فدفع إليه ، وأخذ المقود ، فقال إبراهيم للفزاري : أربعة دوانيق في دين من هو ؟ " .

أخبرت عن عبد الله ، حدثني محمد بن هارون بن يحيى ، بسروج ، ثنا أبو خالد بن يزيد بن سفيان ، أن إبراهيم بن أدهم " كان قاعدا في مشرفة بدمشق ، إذ مر به رجل على بغلة ، فقال له : يا أبا إسحاق ، إن لي إليك حاجة أحب أن تقضيها ، فقال إبراهيم : إن أمكنني قضيتها ، وإلا أخبرتك بعذري ، فقال له : إن برد الشام شديد ، وإني أريد أن أبدل ثوبيك هذين بثوبين جديدين ، فقال إبراهيم : إن كنت غنيا قبلت منك ، وإن كنت فقيرا لم أقبل منك ، فقال الرجل : أنا والله كثير المال كثير الضياع ، فقال له إبراهيم : فأين أراك تغدو ، وتروح على بغلتك ؟ قال : أعطي هذا ، وآخذ من هذا ، وأستوفي من هذا ، فقال له إبراهيم : قم ، فإنك فقير تبتغي الزيادة بجهدك " .

وأخبرت عن عبد الله ، قال : سمعت إسماعيل بن حبيب الزيات ، يقول : سمعت عبد الله بن فلان ، يحدث عن إبراهيم ، " أنه مر بغلام معه تين في بنيقة ، فقال : أعطنا بدانق من هذا ، فأبى عليه ، فمضى إبراهيم ، ونظر رجل إلى صاحب التين ، فقال له : إيش قال لك هذا الرجل ؟ فقال : قال لي : أعطني من هذا التين بدانق ، قال : الحقه ، فادفع إليه ما يريد ، وخذ مني الثمن ، فلحقه فقال : يا عم خذ من هذا التين ما تريد ، فالتفت إبراهيم فقال : لا نبتاع التين بالدين " .

وأخبرت عن عبد الله ، ثنا أبو عمر ، عن أبيه ، قال : " خرج إبراهيم بن أدهم ، وحذيفة المرعشي ، ويوسف بن أسباط ، وإسحاق بن نجيح فمروا بمدينة فقالوا لإسحاق : ادخل هذه فاشتر لنا زادا ، فدخل فاشترى زادا ، واشترى ملحا مصفرا ، فلما جاء فوضع الزاد والملح المصفر قالوا له : ما هذا ؟ قال : مررت فاشتهيته فاشتريته ، فقال له إبراهيم بن أدهم : ليس تدع شهوتك أو تلقيك فيما لا طاقة لك به ، قال أبو عمر : فأنا رأيت إسحاق بعد بحران سمينا غليظ الرقبة " .

[ ص: 394 ] حدثنا إسحاق بن أحمد ، ثنا إبراهيم بن يوسف ، ثنا أحمد بن أبي الحواري ، ثنا أبو الوليد صاحب إبراهيم بن أدهم قال : كان إبراهيم ، وأصحابه يمنعون أنفسهم أربعا : لذة الماء ، والحمامات ، والحذاء ، ولا يجعلون في الملح أبزارا " .

حدثنا أبو أحمد محمد بن أحمد بن إسحاق العسكري ، ثنا عبدان بن أحمد ، ثنا إسحاق بن الضيف ، ثنا أبو حفص عمر بن عيسى ، عن أبيه ، قال : " خرجت مع إبراهيم بن أدهم ، إلى مكة - وكان إبراهيم إذا خرج إلى مكة لم يأخذ على الطريق - قال : وكنا أربعة رفقاء ، فسرنا على غير الطريق حتى جئنا إلى المدينة ، قال : فاكترينا بيتا بالمدينة ونزلنا فيه ، فقال إبراهيم : نحن أربعة ، خدمة البيت وما يصلحنا لمعاشنا ، وإفطارنا وحوائجنا كل يوم على رجل منا ، والثلاثة يذهبون إلى المسجد ، وينتشرون في حوائجهم قبا ومقابر الشهداء ، قال : فإنا ليوما جلوس في البيت إذ أقبل رجل آدم عليه قميص جديد وفي رجله خف ، وعليه عمامة ، ومعه مزود يحمله ، فدخل إلينا وسلم وقال : أين إبراهيم ؟ قلنا : هذا منزله ، وقد ذهب في حاجة ، قال : فمضى ، ولم يكلمنا ، قال : فرجع إبراهيم والرجل معه والمزود على عنقه ، قال : فكان معنا في البيت أياما فإذا حضر غداء أو عشاء تنحى الرجل ناحية وخلا بمزوده ، قال : وأقبلنا نحن على غدائنا أو عشائنا ، وإبراهيم في كل ذلك لا يدعوه ولا يسأله أن يأكل معنا ، فقال : فلما كان بعد ثلاث قال لإبراهيم : إني أريد الخروج ، قال له إبراهيم : فمتى عزمت ؟ قال : الليلة ، قال : ثم خرج فذهب وذهب إبراهيم معه ، قال بعض أصحابنا : إن هذا الرجل له قصة ، إبراهيم لا يدعوه ولا يأكل معنا ، وهو مقبل على هذا المزود ، والله لأفتحنه فأنظر أي شيء فيه ، ففتحته ، فإذا فيه عظام ، قال : فشده ، وجاء الرجل فأخذ المزود وأنكر رباطه ، قال : فنظر في وجوهنا ومضى ، فلما أن ذهب قال بعضنا لإبراهيم : يا أبا إسحاق ، هذا الرجل الذي كان عندنا ما كان أعجب أمره ما كان يأكل معنا ، وما كنت تدعوه ، ولقد ذهب فلان فنظر في مزوده فإذا فيه عظام ، قال : فتغير وجه إبراهيم وأنكر ذلك على الرجل ، وقال : ما أحسبك تصحبني في سفر بعد هذا ، لم نظرت في مزوده ؟ ذاك رجل من الجن ، وآخانا في الله ، فليس من بلد أدخله إلا جاءنا فكان معي [ ص: 395 ] فيه يؤنسني ويعينني ثم ينصرف ، قال : فمات الرجل الذي نظر في مزوده بالمدينة " .

وأخبرت عن أبي طالب بن سوادة ، ثنا علي بن حرب ، ثنا عبد الله بن أيوب بن حباب ، عن جسر ، قال : " حججت مع إبراهيم ، سنة خمسين ومائة ، فلقيه شيخ طوال عليه قميص وكساء ، وعلى عاتقه عصا معلق فيها خريطة ، فسلم على إبراهيم ثم جعل يسايرنا في ناحية من الطريق ، فإذا نزلنا منزلا نزل إلى جانب منا ، فقال لنا إبراهيم : لا يكون أحد منكم يكلمه ولا يسأله ولا يسائله عن شيء ، ولا من هو ، فلما دخلنا مكة نزلنا بدار فعمد إلى رواق من أقصى الدار فجعل عصاه في كوة ، وعلق خريطته فيها ، فكنا إذا دخلنا خرج ، وإذا خرجنا دخل ، فأصابني وجع في بطني فتخلفت عن أصحابي ، فبينا أنا في المخرج ، وسترته جريد إذ دخل فبصر فلم ير أحدا ، فأخذ الخريطة ففتحها ، فإذا فيها بعر فجعل يأكل منه ، فتنحنحت ، فنظر إلي فأخذ خريطته وعصاه وانطلق ، ففقد إبراهيم قراءته من الليل ، فظن أن أحدنا كلمه ، فأخبرته الخبر ، فقال إبراهيم : هذا من الجن الذين وفدوا على النبي صلى الله عليه وسلم ، وكانوا سبعة قراء ، قال : ثلاثة من نصيبين ، وأربعة من نينوى ، لم يبق منهم غيره ، وهو يلقاني في كل سنة فيصحبني حتى أنصرف " .

التالي السابق


الخدمات العلمية