صفحة جزء
[ ص: 63 ] حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن جعفر ، ثنا أحمد بن عيسى بن ماهان ، ثنا سعيد بن العباس الصوفي الرازي ، ثنا أبي قال : سمعت حاتما الأصم يقول : قال شقيق البلخي : ثلاثة أشياء ليس بد للعبد من القيام بهن ، فمن عمل بهن أدخله الله الجنة ، وعاش في الدنيا بالروح والرحمة ، ومن ترك واحدة منهن فليس له بد من أن يترك الاثنتين ، وإن أخذ بواحدة منهن فليس له بد من أن يأخذ بهن ؛ لأنهن متشابهات ، ولو شئت قلت الثلاثة في الواحدة ، ولكن الثلاث أوضح وأبين ، فمن تركهن وضيعهن دخل النار ، ومن ترك واحدة منهن ترك الاثنين ، فتفقهوا وأبصروا ، فإذا أبصرتم فأبصروا ، أولهن أن توحد الله تعالى بقلبك ولسانك وعملك ، فإذا وحدته بقلبك أن لا إله غيره ، ولا نافع ولا ضار غيره فإنه لا بد لك من أن تنطق به فيرتفع إلى السماء ، وليس لك بد من أن تجعل عملك كله لله لا لغيره ، ولا تبلغ عملك من كل حر ، وحر واحد لغيره ، إلا طمعا فيه أو حياء أو خوفا منه ، فإذا خفته وطمعت في غيره وهو مالك الأشياء ورازقها فقد اتخذت إلها غيره وأجللته وعظمته ؛ لأنك استحييت منه وخفته وطمعت فيه ، فأذهب ذلك عنك ما في قلبك من توحيد الله وسلطانه وعظمته ، فاعرف ذلك فإذا صرت مخلصا بهذا القول عاملا له أنه لا إله إلا هو ، فليكن هو أوثق عندك من الدينار والدرهم ، والعم والخال ، والأب والأم ، ومن على ظهر الأرض ، فإنك إن تكن على غير ذلك ينتقض عليك ضميرك وتوحيدك ومعرفتك إياه ، فهاتان خصلتان ليس لك منهما بد ، ويتبع بعضها بعضا ، والثالثة إذا كنت بهذه الحال فأقمت هذين الأمرين ، التوحيد والإخلاص والتوكل عليه ، فارض عنه ولا تسخط في شيء يحزنك ، من خوف أو جوع أو طمع أو رخاء أو شدة ، وإياك والسخط ، وليكن قلبك معه لا تزل عنه طرفة عين ، فإنك إن أدخلت قلبك السخط عليه فإنك متهاون به فينتقض عليك توحيدك ، فعليك بالأول التوحيد والإخلاص ، فاعرف ذلك وافهم هذه الثلاث خصال تعزز بهن ، وإياك أن تضيعهن فتقذف في النار ولا ترى [ ص: 64 ] في الدنيا قرة عين .

التالي السابق


الخدمات العلمية