صفحة جزء
369 - حاتم الأصم

ومنهم الموثر للأدوم والأعم ، والآخذ بالألزم والأقوم أبو عبد الرحمن حاتم الأصم ، توكل فسكن وأيقن فركن .

وقيل : إن التصوف التنقي من الشكوك والتوقي في السلوك .

حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، ثنا عمر بن الحسن الحلبي ، ثنا محمد بن أبي عمران قال : سمعت حاتما الأصم - وكان من جملة أصحاب شقيق البلخي - وسأله رجل فقال : علام بنيت أمر هذا في التوكل ؟ قال : " على خصال أربع : علمت أن رزقي لا يأكله غيري فاطمأنت به نفسي ، وعلمت أني لا أخلو من عين الله حيث كنت فأنا مستحي منه " .

حدثنا محمد بن أحمد بن محمد بن يعقوب ، ثنا العباس بن أحمد الشاشي ، ثنا أبو عقيل الرصافي ، ثنا أحمد بن عبد الله قال : قيل لحاتم غلام شقيق : علام بنيت علمك ؟ قال : على أربع : على فرض لا يؤديه غيري فأنا به مشغول ، وعلمت أن رزقي لا يجاوزني إلى غيري فقد وثقت به ، وعلمت أني لا أخلو من عين الله طرفة عين فأنا منه مستحي ، وعلمت أن لي أجلا يبادرني فأبادره " .

[ ص: 74 ] حدثنا أحمد بن محمد بن موسى ، ثنا أبو خليفة ، ثنا الرياشي ، قال : قيل للرشيد إن حاتما الأصم قد اعتزل الناس في قبة له منذ ثلاثين سنة لا يحتاج إلى الناس في شيء من أمور الدنيا ، ولا يكلمهم إلا عند مسألة لا بد له من الجواب لعله لبس به ، قد ورثته إياه الوحدة وقيل : إنه عاقل فقال : سأمتحنه فندب له أربعة ، محمد بن الحسن ، والكسائي ، وعمرو بن بحر ورجلا آخر أحسبه الأصمعي فجاءوا حتى وقفوا تحت قبته ، نادى أحدهم يا حاتم ، يا حاتم فلم يجبهم حتى قيل بحق معبودك إلا أجبتنا فأخرج رأسه ، وقال : " يا أهل الحيرة هذه يمين مؤمن لكافر ، وكافر لمؤمن لم خصصتموني بالمعبود دونكم ، ولكن الحق جرى على ألسنتكم ; لأنكم اشتغلتم بعبادة الرشيد عن طاعة الله ، فقال أحدهم : ما علمك بأنا خدام الرشيد ؟ قال : من لم يرض من الدنيا إلا بمثل حالكم لا يزل عن مطلبه إلى قصد من لا يخبره ولا يد علي من الرشيد وأشباهه ، فقال له عمرو بن بحر : لم اعتزلت الناس وفيهم من تعلم ، وفيهم من يقدر على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟ قال : صدقت ولكن بينهم سلاطين الجور ، يفتنونا عن ديننا فالتخلي منهم أولى ، قال : فعلام وطنت نفسك في العزلة وثبت عليه أمرك ؟ قال : علمت أن القليل من الرزق يكفيني ، فأقللت الحركة في طلبه ، وأن فرضي لا يقبل إلا مني فأنا مشغول بأدائه ، وأن أجلي لا بد يأتيني فأنا منتظر له ، وأنا لا أغيب عن عين من خلقني فأستحي منه أن يراني وأنا مشغول بغير ما وجب له ، ثم رد باب القبة وحلف أن لا يكلمهم فرجعوا إلى الرشيد وقد حكموا أنه أعقل أهل زمانه " .

حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، ثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم ، حدثني علوان بن الحسين الربعي ، ثنا رباح بن الهروي ، قال : مر عصام بن يوسف بحاتم الأصم وهو يتكلم في مجلسه ، فقال : يا حاتم تحسن تصلي ؟ قال : نعم ، قال : كيف تصلي ؟ قال حاتم : أقوم بالأمر وأمشي بالخشية ، وأدخل بالنية ، وأكبر بالعظمة ، وأقرأ بالترتيل والتفكر ، وأركع بالخشوع ، وأسجد بالتواضع ، وأجلس للتشهد بالتمام ، وأسلم بالسبل والسنة ، وأسلمها بالإخلاص إلى الله عز وجل وأرجع [ ص: 75 ] على نفسي بالخوف أخاف أن لا يقبل مني وأحفظه بالجهد إلى الموت ، قال : تكلم فأنت تحسن تصلي " .

التالي السابق


الخدمات العلمية