صفحة جزء
حدثنا محمد بن أحمد بن محمد ، ثنا العباس بن أحمد الشاشي ، ثنا أبو عقيل الرصافي ، ثنا أبو عبد الله الخواص ، وكان من أصحاب حاتم ، قال : دخلت مع أبي عبد الرحمن حاتم الأصم الري ومعنا ثلاثمائة وعشرون رجلا نريد الحج وعليهم الصوف والذرنيانقات ليس معهم شراب ولا طعام ، فدخلنا الري فدخلنا على رجل من التجار متنسك يحب المتقشفين فأضافنا تلك الليلة فلما كان من الغد ، قال لحاتم : يا أبا عبد الرحمن لك حاجة فإني أريد أن أعود فقيها لنا هو عليل ؟ فقال حاتم : " إن كان لكم فقيه عليل فعيادة الفقيه لها فضل والنظر إلى الفقيه عبادة ، وأنا أيضا أجيء معك ، وكان العليل محمد بن مقاتل قاضي الري ، فقال : سر بنا يا أبا عبد الرحمن فجاءوا إلى الباب فإذا باب مشرف حسن فبقي حاتم متفكرا ، باب عالم على هذه الحال ثم أذن لهم فدخلوا فإذا دار نور ، وإذا فوة وأمتعة وستور وجمع فبقيحاتم متفكرا ، ثم دخل إلى المجلس الذي هو فيه فإذا بفرش وطيئة ، وإذا هو راقد عليها وعند رأسه غلام ومدية ، فقعد الرازي وسأله به ، وحاتم قائم فأومأ إليه ابن مقاتل اقعد ، فقال : لا أقعد ، فقال له ابن مقاتل : لعل لك حاجة ؟ قال : نعم ، قال : [ ص: 81 ] وما هي ؟ قال : مسألة أسألك عنها قال : سلني ، قال : نعم ، فاستو حتى أسألكها فأمر غلمانه فأسندوه ، فقال له حاتم : علمك هذا من أين جئت به ؟ قال : الثقات حدثوني به ، قال : عن من ؟ قال : عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم من أين جاء به ؟ قال : عن جبريل عليه السلام ، قال حاتم : ففيم أداه جبريل عن الله وأداه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأداه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه ، وأداه أصحابه إلى الثقات ، وأداه الثقات إليك هل سمعت في العلم من كان في داره أمير أو منعة أكثر كانت له المنزلة عند الله أكثر ؟ قال : لا قال : فكيف سمعت من زهد في الدنيا ورغب في الآخرة وأحب المساكين وقدم لآخرته كان له عند الله المنزلة أكثر ؟ قال حاتم : فأنت بمن اقتنعت ؟ بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والصالحين أم بفرعون ونمروذ أول من بنى بالجص والآجر ، يا علماء السوء ، مثلكم يراه الجاهل الطالب للدنيا الراغب فيها ، فيقول : العالم على هذه الحالة لا أكون أنا شرا منه ، وخرج من عنده فازداد ابن مقاتل مرضا فبلغ ذلك أهل الري ما جرى بينه وبين ابن مقاتل ، فقالوا له : يا أبا عبد الرحمن إن الطنافسي بقزوين أكثر شيء من هذا ، قال : فسار إليه متعمدا فدخل عليه ، فقال : رحمك الله أنا رجل أعجمي أحب أن تعلمني أول مبتدأ ديني ، ومفتاح صلاتي وكيف أتوضأ للصلاة ؟ قال : نعم وكرامة ، يا غلام ، إناء فيه ماء ، فأتى بإناء فيه ماء ، فقعد الطنافسي فتوضأ ثلاثا ثلاثا ، ثم قال : يا هذا هكذا فتوضأ ، قال حاتم : مكانك يرحمك الله حتى أتوضأ بين يديك ، فيكون أوكد لما أريد ، فقام الطنافسي ، فقعد حاتم فتوضأ ثلاثا ثلاثا حتى إذا بلغ غسل الذراعين غسل أربعا فقال له الطنافسي : يا هذا أسرفت ، قال له حاتم : فلماذا قال : غسلت ذراعيك أربعا ؟ قال حاتم : يا سبحان الله أنا في كف من ماء أسرفت وأنت في هذا الجمع كله لم تسرف ؟ فعلم الطنافسي أنه أراده بذلك لم يرد أن يتعلم منه شيئا ، فدخل إلى البيت فلم يخرج إلى الناس أربعين يوما وكتب إلى تجار الري وقزوين بما جرى بينه وبين ابن مقاتل والطنافسي ، فلما دخل [ ص: 82 ] بغداد اجتمع إليه أهل بغداد ، فقالوا له : يا أبا عبد الرحمن أنت رجل ألكن أعجمي ليس يكلمك أحد إلا قطعته ، قال : معي ثلاث خصال بهن أظهر على خصمي ، قالوا : أي شيء هي ؟ قال : أفرح إذا أصاب خصمي ، وأحزن إذا أخطأ ، وأحفظ نفسي أن لا أتجهل عليه فبلغ ذلك أحمد بن حنبل ، فقال : سبحان الله ما أعقله ، قوموا بنا حتى نسير إليه فلما دخلوا ، قالوا له : يا أبا عبد الرحمن ما السلامة من الدنيا ؟ قال حاتم : يا أبا عبد الله لا تسلم من الدنيا حتى يكون معك أربع خصال ، قال : أي شيء هي يا أبا عبد الرحمن ؟ قال : تغفر للقوم جهلهم وتمنع جهلك عنهم وتبذل لهم شيئك ، وتكون من شيئهم آيسا ، فإذا كان هذا سلمت .

ثم سار إلى المدينة فاستقبله أهل المدينة ، فقال : يا قوم أي مدينة هذه ؟ قالوا : مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فأين قصر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصلي فيه ركعتين ؟ قالوا : ما كان له قصر ، إنما كان له بيت لاطئ ، قال : فأين قصور أصحابه بعده ؟ قالوا : ما كان لهم قصور ، إنما كان لهم بيوت لاطئة ، قال حاتم : يا قوم فهذه مدينة فرعون وجنوده ، فذهبوا به إلى السلطان ، فقالوا : هذا العجمي يقول : هذه مدينة فرعون وجنوده ، قال الوالي : ولم ذاك ؟ قال حاتم : لا تعجل علي أنا رجل عجمي غريب دخلت المدينة ، فقلت : مدينة من هذه ؟ قالوا : مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقلت : فأين قصر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصلي فيه ركعتين ؟ قالوا : ما كان له قصر إنما كان له بيت لاطئ ، قلت : فلأصحابه بعده ؟ قالوا : ما كان لهم قصور إنما كان لهم بيوت لاطئة ، وقال الله تعالى : ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ) فأنتم بمن تأسيتم برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أم بفرعون أول من بنى بالجص والآجر ؟ فخلوا عنه وعرفوه ، فكان حاتم كلما دخل المدينة يجلس عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم يحدث ويدعو ، فاجتمع علماء المدينة ، فقالوا : تعالوا حتى نخجله في مجلسه فجاءوه ، ومجلسه غاص بأهله ، فقالوا : يا أبا عبد الرحمن ، مسألة نسألك قال : سلوا ، قالوا : ما تقول في رجل يقول : اللهم ارزقني ، قال حاتم : متى طلب هذا الرزق في الوقت أم قبل الرزق ؟ قالوا : [ ص: 83 ] ليس يفهم هذا يا أبا عبد الرحمن ، قال : إن كان هذا العبد طلب الرزق من ربه في وقت الحاجة فنعم ، وإلا فأنتم عندكم حرث ودراهم في أكياسكم ، وطعام في منازلكم ، وأنتم تقولون : اللهم ارزقنا ، قد رزقكم الله فكلوا وأطعموا إخوانكم حتى قالها ثلاثا فسلوا الله حتى يعطيكم ، أنت عسى تموت غدا وتخلف هذا على الأعداء ، وأنت تسأله أن يرزقك زيادة ، فقال علماء أهل المدينة : نستغفر الله يا أبا عبد الرحمن إنما أردنا بالمسألة تعنتا " .

التالي السابق


الخدمات العلمية