صفحة جزء
[ ص: 84 ] 397 - الفضيل بن عياض

ومنهم الراحل من المفاوز والقفار إلى الحصون والحياض ، والناقل من المهالك والسباخ إلى الغصون والرياض ، أبو علي الفضيل بن عياض .

كان من الخوف نحيفا وللطواف أليفا .

وقيل : إن التصوف المبادرة في السفر ، والمساهرة في الحضر .

حدثنا أبي ، ومحمد بن جعفر بن يوسف ، قالا : ثنا محمد بن جعفر ، ثنا إسماعيل بن يزيد ، ثنا إبراهيم بن الأشعث ، قال : " ما رأيت أحدا كان الله في صدره أعظم من الفضيل ، كان إذا ذكر الله أو ذكر عنده أو سمع القرآن ظهر به من الخوف والحزن ، وفاضت عيناه وبكى حتى يرحمه من بحضرته ، وكان دائم الحزن شديد الفكرة ما رأيت رجلا يريد الله بعلمه وأخذه وإعطائه ومنعه وبذله وبغضه وحبه وخصاله كلها غيره " يعني الفضيل .

حدثنا أبي ، ومحمد ، قالا : ثنا محمد بن جعفر ، ثنا إسماعيل بن يزيد ، ثنا إبراهيم بن الأشعث ، قال : " كنا إذا خرجنا مع الفضيل في جنازة لا يزال يعظ ، ويذكر ويبكي حتى لكأنه يودع أصحابه ذاهبا إلى الآخرة حتى يبلغ المقابر ، فيجلس فكأنه بين الموتى جلس من الحزن والبكاء حتى يقوم ، ولكأنه رجع من الآخرة يخبر عنها " .

حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، ثنا عمر بن بحر الأسدي ، ثنا أحمد بن أبي الحواري ، ثنا محمد بن حاتم ، قال : قال الفضيل : " لو خيرت بين أن أبعث فأدخل الجنة ، وبين أن لا أبعث لاخترت أن لا أبعث " قلت لمحمد بن حاتم : هذا من الحياء ؟ قال : نعم ، هذا من طريق الحياء من الله عز وجل .

حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا يحيى الداري ، ثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق ، قال : سمعت أبا إسحاق يقول : قال الفضيل بن عياض : " لو خيرت بين أن أعيش كلبا وأموت كلبا ، ولا أرى يوم القيامة لاخترت أن أعيش كلبا وأموت كلبا ، ولا أرى يوم القيامة " .

حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، ثنا أحمد بن الحسين الحذاء ، ثنا إبراهيم [ ص: 85 ] الثقفي ، حدثني محمد بن شجاع أبو عبد الله ، عن سفيان بن عيينة ، قال : " ما رأيت أحدا أخوف من الفضيل وأبيه " .

حدثنا عبد الله ، ثنا أحمد بن الحسن ، ثنا أحمد بن إبراهيم ، ثنا الفيض بن إسحاق ، قال : سمعت فضيلا يقول : " والله لأن أكون هذا التراب أو هذا الحائط أحب إلي من أن أكون في مسلخ أفضل أهل الأرض اليوم ، وما يسرني أن أعرف الأمر حق معرفته إذا لطاش عقلي ، ولو أن أهل السماء وأهل الأرض طلبوا أن يكونوا ترابا فشفعوا كانوا قد أعطوا عظيما ، ولو أن جميع أهل الأرض من جن وإنس ، والطير الذي في الهواء ، والوحش الذي في البر ، والحيتان التي في البحر علموا الذي يصيرون إليه ، ثم حزنوا لك وبكوا كنت موضع ذلك ، فأنت تخاف الموت أو تعرف الموت لو أخبرتني أنك تخاف الموت ما قبلت منك ، ولو خفت الموت ما نفعك طعام ولا شراب ولا شيء في الدنيا " .

وقال : " سأل داود عليه السلام ربه أن يلقي الخوف في قلبه ففعل فلم يحتمله قلبه وطاش عقله حتى ما كان يفعل صلاة ولا ينتفع بشيء ، فقال له : تحب أن ندعك كما أنت أو نردك إلى ما كنت عليه ؟ قال : ردني فرد الله إليه عقله " .

حدثنا محمد بن إبراهيم ، ثنا المفضل بن محمد الجندي ، ثنا إسحاق بن إبراهيم الطبري ، قال : سمعت الفضيل بن عياض يقول : أنت تخاف الموت ؟ لو قلت : إنك تخاف الموت ما قبلت منك ، ولو خفت الموت ما نفعك طعام أو شراب ولا شيء من الدنيا ، ولو عرفت الموت حق معرفته ما تزوجت ولا طلبت الولد ، وقال الفضيل : ما يسرني أن أعرف هذا الأمر حق معرفته ، إذا لطاش عقلي ، ولم أنتفع بشيء .

حدثنا محمد بن إبراهيم ، ثنا المفضل بن محمد ، ثنا إسحاق بن إبراهيم ، قال : قال رجل للفضيل : كيف أصبحت يا أبا علي ؟ فكان يثقل عليه كيف أصبحت ، وكيف أمسيت ، فقال : " في عافية " فقال : كيف حالك ؟ فقال : " عن أي حال تسأل عن حال الدنيا ، أو حال الآخرة ؟ إن كنت تسأل عن حال الدنيا ، فإن الدنيا قد مالت بنا وذهبت بنا كل مذهب ، وإن كنت تسأل عن حال الآخرة ، فكيف [ ص: 86 ] ترى حال من كثرت ذنوبه وضعف عمله ، وفني عمره ، ولم يتزود لمعاده ، ولم يتأهب للموت ، ولم يخضع للموت ، ولم يتشمر للموت ، ولم يتزين للموت ، وتزين للدنيا ؟ هيه وقعد يحدث يعني نفسه واجتمعوا حولك يكتبون عنك بخ ، فقد تفرغت للحديث ، ثم قال : هاه وتنفس طويلا ويحك أنت تحسن تحدث أو أنت أهل أن يحمل عنك استحي يا أحمق بين الحمقان ، لولا قلة حيائك ، وسفاهة وجهك ما جلست تحدث وأنت أنت ، أما تعرف نفسك ؟ أما تذكر ما كنت وكيف كنت ؟ أما لو عرفوك ما جلسوا إليك ، ولا كتبوا عنك ، ولا سمعوا منك شيئا أبدا ، فيأخذ في مثل هذه ، ثم يقول : ويحك أما تذكر الموت ؟ أما للموت في قلبك موضع ؟ أما تدري متى تؤخذ فيرمى بك في الآخرة فتصير في القبر وضيقه ووحشته ؟ أما رأيت قبرا قط ؟ أما رأيت حين دفنوه ؟ أما رأيت كيف سلوه في حفرته وهالوا عليه التراب والحجارة ؟ ثم قال : ما ينبغي لك أن تتكلم بفمك كله - يعني نفسه - تدري من تكلم بفمه كله عمر بن الخطاب كان يطعمهم الطيب ، ويأكل الغليظ ، ويكسوهم اللين ويلبس الخشن ، وكان يعطيهم حقوقهم ويزيدهم . أعطى رجلا عطاءه أربعة آلاف درهم وزاده ألفا ، فقيل له : ألا تزيد أخاك كما زدت هذا ؟ قال : إن أبا هذا ثبت يوم أحد ، ولم يثبت أبو هذا " .

التالي السابق


الخدمات العلمية